أريام فاروق – دير الزور
تنقل فاطمة (اسم مستعار) المياه بواسطة الدِّلاء لمسافاتٍ طويلةٍ بعيدةً عن منزلها، وذلك لوجوده خارج المخطّط التّنظيمي حسب قول فاطمة الأمر الّذي يتسبّب بعدم وصول مياه الشّرب إلى بيتها وبيوت جيرانها القريبين منها في ريف دير الزّور الغربي.
هذه المعاناة اليوميّة لتأمينِ أبسط مقوِّمات الحياة وأكثرِها إلحاحاً تتسبّب بأضرار جسديّة لها ولأطفالها الّذين يقومون بمساعدتها في نقل المياه، تقول فاطمة: “لا غنى لنا عن الماء، أقوم مع أطفالي بنقل المياه عن طريق الدّلاء والبيدونات بشكل يوميٍّ إلى منزلنا، لا نملك خزاناً للماء لأنَّ ثمنه مرتفع”.
قال تقرير[1] للُّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر إنَّ سوريا تعاني نَقصاً في مياه الشّرب بنسبةٍ تصل إلى (40%) عمّا كانت عليه قبل عقدٍ من الزّمن، فقد أدّى النِّزاع المستمر منذ أكثر من عشرِ سنوات إلى إعاقة إمكانيات الحصول على الخدمات الأساسيّة إلى حدٍّ بعيد، بما في ذلك الحصولُ على مياهٍ صالحةٍ للشّرب، وفي تقريرٍ[2] آخر للّجنة فإنَّ نقص المياه شاغلٌ رئيسيٌّ ويومي للسّكان المدنيّين في عموم محافظات شمال وشرق سوريا على اِختلاف المناطق الّتي يقيمون فيها واختلاف الجّهة المسيطرة.
تتناول المقالة أزمة توفير المياه الصالحة للشّرب واللّازمة للاستخدام سواء المنزلي أو لريِّ الأراضي الزّراعيّة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتيّة في محافظة ديرالزّور.
تضرّر محاصيل زراعيّة في ديرالزور بسبب نقص المياه:
يعيش قاطنو منطقة دير الزور وريفها مجموعةً من الأزمات، أهمّها أزمة توفر المياه اللّازمة للرّي، حيث أصبحت القدرة على توفيرها عبئاً ثقيلاً على السّكان وذلك نتيجة عدّة عوامل من أهمّها عدم توفر القدرة الماليّة للسّكان لتأمين المياه بسبب غلاءِ ثمنِها نتيجةَ ارتفاعِ أسعار المحروقات، إضافةً إلى بُعد التّجمعات السّكنيّة عن مجاري الأنهار، علاوةً على ذلك جفاف بعض السّدود المخزِّنة للماء نتيجةَ سنواتِ الجفاف الّتي تمرّ بها البلاد وقلّة الأمطار ما سبّب شُحّاً في المياه.
بالإضافة إلى وجود عوامل أخرى تتجلّى بالضّغوط الّتي تتّبعها بعض الدّول من خلال تخفيض نسبة المياه المتدفقة في نهرَي دجلة والفرات وبناء السّدود من أجل تخزينها للاِستفادة منها في توليد الطّاقة الكهربائيّة.
يتحدث أبو خالد (اسم مستعار) عن معاناته مع نقص المياه في قرية “الجيعة” في الرّيف الغربيّ لديرالزور : “جفّت أشجار الزّيتون الّتي كانت تعتبر مصدر رزقٍ لي لأنَّ المياه لا تصل إلى أرضي، هلكت الكثير من هذه الأشجار الّتي زرعتها بيدَيَّ منذ عشرات السّنين”.
صهاريج بديلة لشبكات المياه:
في ظلِّ هذا الوضع الصعب يسعى الكثير من أهالي المنطقة إلى تأمين مصادر للحُصولِ على مياه الشّرب وذلك عن طريق صهاريج المياه بتكلفةٍ مرتفعةٍ تصلُ إلى (2000) ليرة سوريّة للبِرميل الواحد سعة (200) ليتر، وهو ما يشكّل عبئاً كبيراً على كاهل السّكان.
يقول عُدي (اسم مستعار) من سكّان بلدة “محيميدة” في ريف دير الزّور الغربي “إنَّ مصدر دخلي الوحيد هو راتبي الوظيفي الّذي يبلغ (260) ألف ليرة سوريّة أيْ ما يعادل (60) دولار، استهلك شهريّاً مابين (60) و (70) ألف ليرة سوريّة لشراء الماء فقط، وهي بالكاد تكفي أسرتي شهريّاً”.
حفر الآبار لسدِّ النّقص الحاد في المياه:
لجأ العديد من الأهالي في الأرياف إلى حفر الآبار من أجل تعويض فقدان وصول جمعيّاتِ الرّي إلى أراضيهم الزراعيّة بالإضافة لحاجات الاستخدام الشّخصي.
سالم (اسم مستعار) قام باستخدام جزءٍ من مدّخراته الشخصيّة من أجل حفر بئر يستخدمه في سقاية بستانه الصّغير حول منزله بالإضافة للاستخدام الشّخصي لمياه هذه البئر.
يتحدّث سالم: “لقد تخلّيت عن الكثير من الأشياء الأساسيّة الّتي نحتاجها في موسم الصّيف من أجل رصد هذا المبلغ لحفر هذه البئر”.
مشكلاتٌ خدميّة:
تعتمد البنيّة الأساسيّة العاملة لإمدادات المياه برمّتها على الكهرباء، إلا أنَّ معدل مجيء الكهرباء يومياً حوالي (6) ساعات خلال (24) ساعة وهذا يعني بالمقابل مجيءَ المياه بنفس المدّة مما يؤدي إلى ضغطٍ على شبكة المياه وعدم اكتفاء الأهالي بكميّة المياه المتوفرة.
يقول محمود(اسم مستعار) وهو من سكان بلدة “محيميدة” في ريف دير الزّور الغربي: “منذ بداية النّزاع لم نستطع الوصول إلى مياه الشّرب عن طريق محطة المياه الموجودة في المنطقة والّتي كانت تزوّدنا بالماء وذلك بسبب التجاوزات من قِبَل الأهالي وعدم انتظام التّيار الكهربائي، فأَضطرُّ إلى تخصيص من (20%) إلى (25%) من دخلي الشهري لتعبئة الماء بواسطة أصحاب الصّهاريج.”
صورة للخزّانات الّتي تستخدم في المنازل بسعة 1000 ليتر– تاريخ الصّورة 25 تموز/يوليو 2022 – بلدة محيميدة غربي ديرالزّور
مُشكلاتٌ صحيّة:
يلجأ الناس بسبب نقص المياه الصالحة للشرب إلى بدائل أقلّ جَودة وقد تكون ملوّثة، الأمر الّذي يتسبّب بتداعياتٍ صحيّة، ويعتبر الأطفال من الفئات الأكثر تأثّراً بها.
تشهد قرى دير الزور وخاصّة الّتي تعتمد على مياه نهر الفرات للشرب حالاتِ إسهالٍ حادّة والتهاب الأمعاء والطّفح الجلدي يُرجعها أطباء المنطقة إلى تلوّث مياه نهر الفرات.
وفي ظلِّ تلوث مصادر المياه يلجأ البعض وخاصّة مَنْ يملكون القدرة الماليّة على شراء المياه المعدنيّة تجنّباً لأيِّ إصابة بالأمراض، فالمياه النقيّة ضرورةٌ أساسيّةٌ للنّمو السّليم كما أنّها تحمي الأطفال من انتقال الأمراض إليهم من خلال المياه الملوّثة كالتّيفوئيد.
حلولٌ بديلة
انتشرت مؤخراً العديدُ من محطات فلترة المياه الّتي يلجأ إليها الأهالي من أجلِ الحصول على مياهٍ نظيفةٍ صالحةٍ للشّرب، حيث يعتبر سعرها أقلَّ تكلُفة من المياه المعبّأة بشكلٍ آلي، فقد يصل سعر بيدون الماء بسعة (25) ليتراً إلى (500) ليرة سوريّة أيْ حوالي (0.11) دولار وهو سعرٌ قليل بالنسبة لثمن علبة المياه المعدنيّة سعة (1) ليتر بسعر (1200) ليرة سوريّة وبنفس الجَودة تقريباً.
جهاز لتنقية المياه في قرية الصعوة غربي ديرالزور- تاريخ الصّورة 20 تموز/يوليو 2022.
حصلت كاتبة المقال على الصّورة من عاملٍ في محطّة تنقية المياه
يقول أبو علي (اسم مستعار) والّذي يمتلك سيّارةً يعمل بها في تعبئة المياه المُفلترة أنّهُ
لاحظ إقبالاً شديداً في الآونةِ الأخيرةِ على تعبئة المياه المُفلترة من قِبَل الأهالي وذلك بسبب اِنتشار الأمراضِ الناتجة عن تلوّث المياه”.
دور منظّمات المجتمع المدني:
ساهمت منظّمات المجتمع المدني في العديد من المحاولات من أجل مدِّ يَد العون لسكّان المنطقة. حيث قامت منظّمة كونسيرن بتوزيع مادة الكلور(حُبيبَات) للأهالي لوضعها في خزّانات المياه ممّا يساهم في تنقيةِ المياه وجعلها صالحةً للاستخدام نوعاً ما، بالإضافة لإعادة تأهيل وصيانة محطّات المياه مثل محطّة مياه بلدة “محيميدة” من خلال صيانة فلاتر المحطّات بالإضافة للصّيانات الخارجيّة (السّور) وإقامة مصبّات خارجيّة، بالإضافة لصيانة ثلاث محطّات لضخِّ المياه في المنطقة الممتدّة من “هجين” حتّى بلدة “الباغوز” في الرّيف الشّرقي لدير الزّور.
محطّة المياه في بلدة جزرة البو حميد- تاريخ الصّورة 18 تموز/يوليو 2022
حصلت الكاتبة على الصّورة من أحد موظفي المحطّة
كما قامت مَنظومةُ التّدخل المبكّر بإعادة تأهيلِ محطّة قرية “شقرا” للمياه وكذلك محطّة بلدة “الحصان” في محاولةٍ لحلِّ مشكلةٍ تُعتبر من مقوّمات الحياة الأساسيّة.
لكلِّ شخص الحقّ في الماء، ووفق الشّبكة العالميّة للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة “يعدُّ الماء[3] عنصراً أساسيّاً للتّمتع بحياةٍ كريمةٍ وعاملاً حيويّاً لإعمال العديد من الحقوق الأُخرى مثل الحق في الصّحة والحياة والتّمتع بمستوىً معيشيٍّ لائق”، كما أقرّت[4] الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة بحقِّ كلِّ إنسان بالحصول على مياهٍ نظيفة وبثمنٍ معقولْ.
[1] أزمة المياه في سوريا: بعد عشر سنوات من الحرب ..مياه الشرب أقلّ بنحو 40%، اللّجنة الدّولية للصّليب الأحمر 1 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
[2] شمال شرق سوريا:الملايين يواجهون نقص المياه والخدمات الصحيّة المعطّلة، اللّجنة الدّولية للصّليب الأحمر، 21 أيار/مايو 2020.
شمال شرق سورية: الملايين يواجهون نقص المياه والخدمات الصحية المعطلة | اللجنة الدولية للصليب الأحمر (icrc.org)
[3] الحقّ في الماء، الشّبكة العالميّة للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافية.
الحق في الماء | الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (escr–net.org)
[4] السّلام والكرامة والمساواة على كوكب ينعم بالصحّة، الأمم المتّحدة..
المياه | الأمم المتحدة (un.org)