قد تتشابه معظم المناطق التي تتعرض للقصف من قبل قوات النظام السوري، مع التي فرض عليها حصارا صعبا، من حيث معاناة الأهالي وحجم الدمار وما يرافقهما من تجويع وأمراض ووفيات، إلا أن مدينة “دير الزور”، شرقي سوريا، تزيد عن ذلك بأن الأهالي تنقسم معاناتهم بين حصارين، حصار قوات النظام، وحصار تنظيم الدولة.
بين حصارين
فرض تنظيم الدولة مع دخوله وسيطرته على أجزاء من المدينة منذ أكثر من سبعة أشهر، حصارا على الأجزاء التي تخضع لسيطرة النظام وتحديدا منذ الخامس من شهر كانون الثاني/ يناير، وهو الوقت الذي فرض فيه التنظيم حصارا من نوع آخر على المدنيين الذين يعيشون في الأحياء الخاضعة لسيطرته.
يقول “جلال الحمد”، الناطق باسم حملة “معا لفك الحصار عن دير الزور”، وهي حملة شبابية للتضامن مع معاناة أهالي المدينة وتوثيق الانتهاكات بحقهم:” تبلغ نسبة سيطرة قوات النظام من 15 إلى 20 % من مدينة دير الزور وهي تمثل أحياء ” الجورة، و القصور، وهرابش، و البغيلية “، وقد فرض التنظيم حصارا شديدا عليها، بإغلاقه كل منافذ التهريب، واشترك مع النظام في منع إدخال المواد الغذائية والتموينية إلى هذه الأحياء عبر الحواجز.
ويضيف “الحمد” في حديث خاص لـ”عربي21” أما النسبة المتبقية، من 80 إلى 85 %، من أحياء المدينة وهي تمثل الأحياء الفقيرة والعشوائية، والتي تعرضت للتدمير بشكل كبير بسبب القصف المتكرر من قبل قوات النظام عليها، فهي تقبع تحت سيطرة التنظيم، التي قد لا تكون تعاني من نقص في الغذاء والدواء مثل الأحياء التي تقبع تحت سيطرة النظام، إلا أنها تعاني من حصار من نوع آخر يتمثل بالتضييق على الأهالي في الخروج والدخول وتقييد الحريات واللباس، فالنساء قلما يخرجن من بيوتهن، إضافة إلى فرض الضرائب الباهظة وإجراءات أخرى “.
معيشيا ..في مناطق سيطرة النظام
ففي الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام، التي تعاني من الحصار الفعلي، يقبع نحو 230 ألف مدني، ويوضح الناشط “جلال الحمد”: “يعيش هؤلاء وسط ظروف معيشية صعبة، مع نقص كبير للمواد الغذائية، وارتفاع أسعارها إن وجدت، لا سيما أسعار الخضروات، كون هذه الأحياء، أحياء حضرية لا توجد فيها مساحات للزراعة، ومعظم المواد الغذائية تدخل إليها عن طريق التهريب وتشرف عليها قوات النظام وتبيعها بأسعار خيالية للأهالي”.
ويبين “الحمد” أن سعر الكيلو الواحد من مادة البطاطا قد يصل إلى 2500 ليرة سورية، وكيلو البندورة لـ( 1000 ليرة) ، وأما الأرز فسعر الكيلو الواحد (1500 ليرة) والسكر قد يصل سعر الكيلو لأكثر من (2000 ليرة) في حين يصل سعر كيلو اللحمة إلى (5000 ليرة)، وأما مادة الخبز فهي وحدها الأكثر توفرا بسعر من ( 100 إلى 150 للربطة الواحدة التي تحوي سبعة أرغفة )، كون النظام يستطيع جلب الطحين عن طريق المساعدات التي تصله عبر إلقاء سلال مساعدات غذائية من مظلات طيران النظام، لكن النظام قلل من كميات المواد الغذائية التي يدخلها عبر طائراته للتجار المرتبطين به بعد إصابة طائرة “اليوشن الوحيدة” في مطار دير الزور، واعتماد النظام على طائرة صغيرة كبديل لها، ما جعل الأسواق في الأحياء المحاصرة شبه فارغة وزاد ارتفاع الأسعار، ما جعل أيضا المواد الغذائية الأساسية لا تتوفر سوى مرة أو مرتين في الأسبوع الواحد وبكميات لا تكفي أكثر من 25 % إلى 40 % من المدنيين الموجودين في هذه الأحياء.
ويضيف الناطق باسم الحملة: “ما زاد الطين بلة، انعدام أنابيب الغاز وقلة الحطب الذي يمكن استخدامه في الطهو.
صحيا:ثمانية أشخاص توفوا بسبب الجوع وانتشار فيروس الكبد A
أما من الناحية الطبية، فتعاني الأحياء المحاصرة الخاضعة لسيطرة النظام من نقص كبير في الأدوية والعلاج، وانتشار الأوبئة والأمراض، وندرة في الموارد المائية، ووثقت الحملة وفاة ثمانية أشخاص بسبب الجوع، ثلاثة رجال وثلاثة أطفال وامرأتان، حيث سجلت الحملة خلال شهر تموز/يوليو الماضي وفاة طفلين رضيعين بسبب نقص حليب الأطفال وطفل ثالث يبلغ من العمر 11 سنة “.
ويقول الناشط “جهاد الشامي” عضو حملة معاص لفك الحصار: “تحولت المستشفيات في الأحياء المحاصرة إلى مستوصفات خالية من الأدوية والأطباء الاختصاصيين بعد نزوح معظمهم”، فقد وثقت الحملة وفاة شخصين، بينهم امرأة، بعد إصابتهم بجلطة دماغية بسبب المشقة والتعب والحر الشديد أثناء خروجهم من الأحياء المحاصرة وعدم تلقيهم العلاج اللازم، إضافة إلى وفاة رجل أخر بسبب إصابته بالجلطة “.
ويضيف: “كما وثقت الحملة كذلك في الشهر الماضي العشرات من حالات فيروس (الكبدA) بسبب تلوث مياه الشرب، والذي لا يمكن مواجهته بالشكل المطلوب لانعدام أساليب الوقاية والأدوية اللازمة.
أما من ناحية الخدمات في الأحياء المحاصرة فهي تصل إلى درجات متدنية مع غياب كامل للتيار الكهربائي وندرة الموارد المائية وتلوثها، إضافة إلى ارتفاع أسعار المحروقات”.
ويوضح “الحمد” أن “سعر الوقود مرتفع، إذ يصل سعر ليتر المازوت إلى 1300 ليرة سورية، وكذلك الكاز، فيما قد يتجاوز سعر ليتر البنزين حاجز الـ “2000 ليرة سورية”، مشيرا إلى أن هذه الأسعار المرتفعة تمنع الأهالي من استخدام المواصلات وكذلك المولدات الكهربائية.
أمنيا
يعمل أمن النظام على ملاحقة الشباب البالغين من العمر بين (16 و45) لسوقهم إلى الخدمة الإلزامية وخدمة الاحتياط، كما وجه تنبيها إلى العائلات في الأحياء المحاصرة، بضرورة تسليم أبنائهم إلى الشرطة العسكرية وذلك للدفاع عن المدينة في مواجهة الإرهاب كما يدعي النظام.
من جانب آخر استمر تنظيم الدولة بقصف الأحياء المحاصرة بشكل يومي بقذائف محلية الصنع إضافة إلى استهدافه هذه الأحياء بالقذائف المدفعية، حيث وثقت الحملة مقتل امرأة بتاريخ 24 تموز/ يوليو 2015 نتيجة القصف إضافة إلى مقتل فتاة وامرأة بتاريخ18 تموز/ يوليو 2015 بنيران قناصة قوات النظام التي ادعت قتلهم بالخطأ، كما قضى رجل وزوجته بتاريخ 21 تموز/ يوليو 2015.
وسجلت الحملة في شهر تموز/يوليو الماضي وحده وفاة شخصين من محافظة دير الزور تحت التعذيب في سجون النظام بعد اعتقالهم من قبل الفروع الأمنية.
ومن جهة أخرى شهدت الأحياء المحاصرة اشتباكات دارت بين عناصر أمن النظام ومليشيات العشائر الموالية دون معرفة السبب، فيما تستمر الاشتباكات بين قوات النظام وتنظيم الدولة بشكل متقطع، وتستمر قوات النظام وطيرانه باستهداف الأحياء التي تقبع تحت سيطرة تنظيم الدولة.
500 ألف ليرة للهروب جوا من الحصار
في ظل هذه الظروف القاسية والصعبة، يمنع النظام الأهالي من الخروج، وقد واصل عناصر أمن النظام استغلالهم للحالة المعيشية السيئة ورغبة المدنيين بالخروج، ليفرض رسوما للخروج (للهروب من الحصاد)، ويؤكد الناشط “جهاد الشامي” أن المبلغ الواجب دفعه لفرع الأمن العسكري للخروج برا من الأحياء المحاصرة، وصل إلى “50 ألف ليرة سورية” للشخص الواحد، فيما وصل المبلغ للراغب بالخروج جوا إلى 250 ألف ليرة سورية، مع استمرار منع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 45 عاما من الخروج، إلا في حال دفع مبلغ وصل في بعض الأحيان إلى 500 ألف، بمن فيهم المطلوبين للخدمة العسكرية”.