فرحان المحمد – دير الزور
“أودُّ كثيراً الذهاب إلى المدرسة والتعلّم، لا أستطيع الجلوس إلّا بمساعدة أمّي وهذا يعيقني في حياتي كثيراً، أودّ أن أُصبح طبيبةً أُساعد الأطفال المرضى ليذهبوا إلى المدرسة”، تقول نور وهي طفلةٌ تبلغ عشرة أعوام، تعاني من إعاقةٍ في الحركة في الأطراف السفليّة إثر إصابتها بشظيّةٍ في ظهرها أدّت إلى تضرّر العمود الفقري.
قالت منظّمة الصّحة العالميّة والمنظّمة الدّولية للأشخاص ذوي الإعاقة في تقريرٍ صدر نهاية عام 2017 “هناك ثلاثون ألف مصابٍ كلّ شهرٍ بسبب الحرب في سوريا، وأنّ الحرب خلّفت مليوناً ونصف المليون مصابٍ بإعاقةٍ دائمةٍ من أصل ثلاثة ملايين شخصٍ أُصيبوا منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من ست سنواتٍ”. لم نتمكن من الحصول على أيّ إحصاءٍ آخرَ صادرٍ عن منظمةٍ دوليّة بعد عام 2017. تتحمّل أطراف الحرب السوريّة جميعها، وعلى مدى سنواتٍ طويلة مسؤوليّة هذا العدد الهائل من ذوي الإعاقة في البلاد، بالإضافة للقتل والتهجير والفقر الشديد وعددٌ كبيرٌ من الانتهاكات الّتي طالت ملايين السوريين.
هناك إهمالٌ شديد يطال ذوي الإعاقة في سوريا، ورغم ارتفاع عددهم فإنّ مستوى الخدمات، والعناية المقدمة والاستجابة من قِبَل المنظّمات وسلطات الأمر الواقع المسيطرة على مختلف المناطق السورية تبدو ضعيفةً جداً.
التقينا نور وعائلتها، وهي نازحةٌ من بلدة “المسّرب” الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وتُقيم في بلدة “الكسرة” منذ عام 2017. يقول والدها: “تعاني نور من إعاقةٍ في الحركة في الأطراف السفلية إثر إصابةٍ في العمود الفقري أثناء هروبنا من القصف في قريتنا، كنّا جالسين في منزلٍ ننتظرُ الوقت المناسب للهروب الى منطقةٍ آمنةٍ، بدأ الطيران بالقصف وأصيبت نور بشظيةٍ في ظهرها، قدّمنا لها الإسعافاتِ الأوليّة البسيطة، ولم نستطع نقلها إلى المشفى بشكل فوري”.
يشرح الوالد كيف حصلت نور لاحقاُ على كرسي متحرك من مركز HI في المنطقة، يقول حزيناً: “أخبرني الأطباء بأنّ التّأخر في إسعاف نور كان سبباً في هذه الإعاقة”.
يخبرنا المعالج الفيزيائي علي (اسم مستعار)، بأنهم في مركز “الكسرة” التّابع للمنظمة، يقدمون خدمات متعدّدة لذوي الإعاقة، يقومون أيضاً بتعليم ذوي المريض كيفية تنفيذ التمارين اللازمة كي يتابعوا العلاج في المنزل على المدى الطويل. يضيف علي: “لدى منظمتنا مراكز في كافة مناطق شمال وشرق سوريا، وفي دير الزور لدينا ثلاثة مراكز، نقدم العلاج الفيزيائي والدعم النفسي بشكل أساسي”.
تتحدث نور لنا بابتسامتها اللطيفة، عندما زرناها في منزل أهلها كانت مستلقيةً في سريرها بغرفة الجلوس وخلفها وسادة تساعدها على الجلوس، يحيط بها اخوتها نسرين وسهى ومحمد تقول نور: “أودّ كثيراً الذهاب الى المدرسة والتعلّم، لا أستطيع الجلوس إلّا بمساعدة أمي وهذا يعيقني في حياتي كثيراً، يقول لي والدي أنًّ المدرسة لا تناسب وضعي الصّحي لأنّ الجلوس لوقتٍ طويلٍ على كرسيّي المتحرك يرهقني، لا نملك الكثير من المال لأحصل على دروسٍ خصوصيةٍ، لكنّ والدي دائماً يحاول تعليمي هو وأختي نسرين أتمنى أنْ أستطيع الذهاب للمدرسة كبقيّة الأطفال في يومٍ ما لأكمل دراستي أودّ أن أُصبح طبيبةً أُساعد الأطفال المرضى ليذهبوا للمدرسة”.
تقول الوالدة: “نور تحبّ الحياة كثيراً دائماً أرى ذلك في رغبتها بالتعلّم والتعرّف على كل ما هو جديد، أصبحتْ خجولةً بعد إصابتها وتميل للصمت وتشعر أنًّ حياتها اختلفت “.
يروي ناصر عمره (38) عاماً وهو من قرية “الصعوة” بدير الزور، متزوج و لديه ستّة أطفال تعرّض لإصابةٍ بطلقٍ ناري في كتفه الأيمن جرّاء الاشتباكات العسكريّة في قريته عام 2014 “كان هناك اشتباكاتٌ في الحيّ الّذي أسكن به، كنت جالساً صباحاً قرب منزلي مع صديقي وأصابتني رصاصةٌ في كتفي الأيمن، تمّ إسعافي على الفور إلى مدينة الرقة، خضعت لعملٍ جراحيٍ لاستخراج الرصاصة وْلكنْ بعد العملية لم أستطع أن أُحرّك يدي اليمنى، أخبرني الأطباء أنّ العصب تضرّر وأنّني بحاجةٍ الى زرع عصبٍ لكنّ الأمر مكلفٌ ولا يمكن القيام بهذا النوع من العمليات الجراحيّة في المنطقة لعدم توافر الإمكانيات، كان من الممكن إجراء العملية في العاصمة دمشق، أو في تركيا لكنّني لا أستطيع الذهاب إلى دمشق بسبب الوضع الأمنيّ، وهي أيضاً مكلفةٌ للغاية فوضعنا المادي سيءٌ جداً، كنت أعمل بالزراعة ولا أُتقن غيرها، وبعد إصابتي لم يعد بمقدوري العمل، مع الوقت أصبحتُ أُعاني من قصورٍ في يدي اليمنى ولن يتحسن وضعها إلا بزراعة عصب”.
توقف ناصر عن تلقي العلاج، لم يعد قادراً على دفع التكاليف العالية، فيما لا تقدّم الجمعيات والمراكز الصحيّة الدعم للحالات المماثلة لحالته. يملك ناصر بقرةً تربيها زوجته، تعيش العائلة بأكملها وتؤمن قوتها بالاعتماد على هذه البقرة، يقول ناصر “أشعر بالعجز عندما لا أستطيع تأمين احتياجات أطفالي”.
يقول السيد أحمد المحمد رئيس الديوان العام بلجنة الشؤون الاجتماعيّة والعمل التابعة لمجلس دير الزور بأنّ هناك مكتباً “لذوي الاحتياجات الخاصة” يتبع للّجنة، ويشرح لنا محاولاتهم في الديوان لإحصاء ذوي الإعاقة في دير الزور، وتزويدهم ببطاقات وتقييم ٍ صحيّ دقيق، لكنّ الفريق العامل على المشروع واجه تحدّيات كبيرة واضطرّ في النهاية لإيقاف إصدار البطاقات بشكلٍ مؤقت والبحث عن حلّ لتنظيم العملية بطريقة أفضل.
يضيف السيد أحمد المحمد: “أكّدت نتائج الكشف ازدياد أعداد ذوي الإعاقة في دير الزور خصوصاً إصابات الحرب، كذلك نسبة كبيرة من الولادات الحديثة والّتي يعاني فيها المواليد من تشوهات خلقيّة بسبب عمليات استخراج وحرق النفط العشوائية على سبيل المثال”.
تنص المادة 17 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أنّ “لكل شخص ذو إعاقة الحقّ في احترام سلامته الشخصية والعقلية على قدم المساواة مع الآخرين”، فيما تركز المادة 24 على حق الأشخاص ذوي الإعاقة بالحصول على التعليم، ومراعاة الاحتياجات الشخصيّة بطريقة معقولة، فيما تركّز المادتان 25 و26 على الرعاية الصحيّة وفرص إعادة التأهيل الجسديّة والنفسيّة.
وقعت سوريا على هذه الاتفاقيّة وهي ملزمة ٌبها، كما أن القوى المسيطرة على الأرض، والمجتمع الدولي بأكمله يتحمل مسؤوليّة تقديم الدعم المناسب للأشخاص ذوي الإعاقة، لأنّهم ومع وجود الرعاية الصحية وأسس إعادة التأهيل السليمة يمكن لهم الحياة بكرامة، والمساهمة الفاعلة في مختلف نواحي الحياة.