شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في محافظة دير الزور، والواقعة تحديداً شرق نهر الفرات، العديد من عمليات المداهمة والتوقيف التي طالت عشرات الأشخاص، في إطار الحملة التي شنتها قوات سوريا الديمقراطية تحت مسمّى “ردع الإرهاب” لملاحقة خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية-داعش” في المحافظة.
بدأت هذه الحملة فعلياً بتاريخ 4 حزيران/يونيو 2020، حيث تمّ تنفيذ هذه المداهمات والاعتقالات من قبل أجهزة أمنية تابعة للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية وخاصةً تلك المعروفة بقوات “الهاتHAT”، قوات مكافحة الإرهاب، حيث تمّ بعضها بغطاء من مروحيات قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بحسب ما روى شهود عيان.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد أعلنت بتاريخ 10 حزيران/يونيو 2020، عبر بيان لها عن اعتقال واحتجاز 110 شخصاً بالانتماء لتنظيم “داعش”، عقب انتهاء المرحلة الأولى من حملة “ردع الإرهاب”، وتمشيط مساحات واسعة من ريفي دير الزور والحسكة بحسب ما ورد في بيانها. كما عادت وأعلنت عبر بيان آخر لها في 21 تموز/يوليو 2020، عن اعتقال واحتجاز 31 آخرين عقب انتهاء المرحلة الثانية من الحملة ذاتها، وكشفت عن حصيلة الحملة التي استمرت 4 أيام بريف دير الزور، حيث ذكرت “أنّ القوات المشاركة تمكنت في نهاية المرحلة الثانية من تحقيق الأهداف المخطط لها، مشيرة إلى اعتقال 31 إرهابياً ومشتبهاً بهم، من بينهم مسؤول كبير في تنظيم “داعش”، بحسب وصفهم.
لكن وعلى خلاف ما أعلنته قوات سوريا الديمقراطية من إلقاء القبض على ما مجموعه 141 شخصاً خلال تلك الحملة، وتحديداً الفترة الواقعة منذ 10 حزيران/يونيو وحتى 21 تموز/يوليو 2020، تشير المعلومات التي حصلت عليها منظمة “العدالة من أجل الحياة” و “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، استناداً إلى بحث وتقصّي من قبل المنظمتين، إلى تسجيل احتجاز ما لا يقلّ عن 339 شخصاً اعتقلوا في محافظة دير الزور وحدها على يد تلك القوات، وذلك منذ بدء المرحلة الأولى من حملة “ردع الإرهاب” في 4 حزيران/يونيو 2020 وحتى نهاية شهر آب/أغسطس الفائت، حيث تمّ الإفراج عن أكثر 200 شخصاً منهم، في حين مازال مصير 44 شخصاً غير معروفاً، بينما يخضع حوالي 90 شخصاً آخراً إلى محاكمات.
وقد تركّزت تلك الحملات في عدة بلدات ومناطق في محافظة دير الزور أبرزها “هجين وغرانيج وذيبان والسوسة والشحيل وحوايج ذيبان وبلدة الطيانة والشعفة والباغوز”، مشيراً إلى أنّ من ضمن هؤلاء المحتجزين عدداً من الفتيان الذين لم يتجاوزوا سن ال 18 عاماً بعد.
وقد استطاعت المنظمتين الشريكتين “العدالة” و “سوريون” من توثيق اعتقال ما لا يقلّ عن 29 شخصاً خلال شهر أيلول/سبتمبر 2020. تمّ الافراج عن 23 منهم، في حين مازال 6 آخرين محتجزين في سجن “الكسرة” غرب مدينة دير الزور.
ولغرض هذا التقرير، قامت المنظمتان الشريكتان “العدالة” و”سوريون”، بالتواصل مع مصادر وشهود عيان وذوي ضحايا محتجزين من محافظة دير الزور، من أجل الوقوف على أسباب وطريقة الاحتجاز، حيث تمّ الاستماع لشهادة ثلاثة من ذوي ضحايا، كانوا قد تعرّضوا للاحتجاز خلال حملة “ردع الإرهاب” ومازال مصيرهم مجهولاً حتى تاريخ الانتهاء من إعداد هذا التقرير في نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2020، من ضمنهم طفل (16 عاماً) تمّ احتجازه في شهر تموز/يوليو 2020، بالإضافة إلى حالة ثانية لشاب (وهو المعيل الوحيد لعائلته) حصلت في الشهر ذاته، وحالة ثالثة تمّت بحّق طالب جامعي في حزيران/يونيو 2020، حيث تمّ احتجاز هؤلاء دون ذكر وتوضيح أسباب الاعتقال لذويهم.
يورد هذا التقرير أيضاً، شهادة محتجزين اثنين آخرين، كانا قد تعرّضا للتوقيف والاحتجاز من قبل قوات سوريا الديمقراطية، ثمّ أطلق سراحهما، خلال سنوات سابقة من النزاع السوري، حيث تمّ احتجازهما بتهم مختلفة أبزرها “الانتماء لتنظيم داعش”، حيث أفادا عن تعرّضهم لسوء المعاملة والذي وصل أحياناً حد الضرب والإساءة البدنية.
وكانت لجنة التحقيق الدولية المستقلة والمعنية بالجمهورية العربية السورية قد قالت في تقريرها الصادر في 14 آب/أغسطس 2020، بأنّ الحالة الأمنية في محافظة دير الزور، تدهورت بعد أن زادت قوات سوريا الديمقراطية من المداهمات واعتقالات المدنيين الذين يُزعم أنهم لهم صلات بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، كما ورد في تقريرها:
“وثقت اللجنة ثماني حالات احتجاز تعسفي لعاملين في المجتمع المدني وناشطين سياسيين وأشخاص من أصل عربي على يد قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية/وحدات حماية المرأة التابعة لها، بما في ذلك من قبل مخابراتها العسكرية. واعتُقل مدنيون في بلدات في محافظتي الرقة والحسكة واحتُجزوا في مختلف مباني المخابرات الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وكذلك في سجن غويران وسجن الشدادي، وسجن الأحداث السابق في الرقة، وسجون عايد والعيد وعين العرب (كوباني).”