قصّة المختفي عبد الله مازن السعود على يد الأمن العسكري
عبد الله مازن السعود من مواليد 3 أيّار/مايو 1989، من معرّة النعمان في ريف إدلب، كان طالباً في جامعة حلب، كليّة الآداب-قسم علم الاجتماع، السنة الثانية، وهو أعزب. شارك عبد الله في الانتفاضة السوريّة منذ بدايتها، وقد تمّ اعتقاله للمرّة الأولى بتاريخ 5 آذار/مارس 2011، بسبب بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لمدة شهرين في فرع أمن الدولة بحلب.
تحدّث عبد الرحمن السعود [1]شقيق عبد الله لسوريّون من أجل الحقيقة والعدالة عن يوم اختفائه قائلاً:
” في يوم الثلاثاء الموافق لـ 21 شباط/فبراير من عام 2012 كنّا أنا وعبد الله مسافرين إلى حلب في سيّارتنا، وتوقّفنا للتزوّد بالوقود في كازيّة الأهرام على طريق حلب الدولي، حيث كانت هناك دوريّة تابعة للأمن العسكري تتواجد في هذه المحطّة بشكل دائم، بعض عناصر الدوريّة كانوا يلبسون اللباس العسكري (زيتي اللون) والبعض الآخر كانوا يرتدون الزي المدنيّ، فجأةً اقترب عدد من العناصر منّا وطلبوا بطاقاتنا الشخصيّة، ثمّ طلبوا أن نرافقهم إلى الفرع وقالوا إنّها زيارة روتينيّة ولن تستغرق أكثر من ربع ساعة، وبالفعل تمّ اقتيادنا إلى فرع الأمن العسكري في حلب، واحتجاز سيارتنا الخاصّة (والتي اختفت تماماًبعد الحادثة)، ولكنّ “الزيارة” امتدّت لثلاثة أشهر عوضاً عن “ربع ساعة” بالنسبة لي، أما شقيقي عبد الله فلم يتم الإفراج عنه أبداً، وعرفنا لاحقاً أنّه كان مطلوباً لديهم وبأن هنالك بعض الوشايات ضدّه.”
والدة عبد الله وعبد الرحمن كانت أحد الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم أيضاً أثناء الحديث إلى شقيقه، والتي تحدثت عن فترة اختفائهما قائلةً:
“عندما تمّ اعتقال ولدي الاثنين لم يكن لدينا أيّة معلومات عن ما جرى لهما، أو عن مكانهما أو مكان اختطافهما أو الجهة التي قامت بذلك… لذلك وصفتُ العمليّة بالاختطاف وليس بالاعتقال، وكنت قد ظننتُ في البداية أنّه تمّ خطفهما وقتلهما (وهذا ما كان يحدث بشكل معتاد في المنطقة التي تمّ اختطافهما منها، حيث كانوا يلقون بالجثث على قارعة الطريق). بعد ذلك بدأت بالتواصل مع رفاقهما ليساعدوني في البحث عن جثثهما في الطرقات الواصلة بين مدينة حلب ومدينة سراقب ومعرّة النعمان في ريف إدلب، وبعد ثلاثة أيّام أي في يوم الخميس 23 شباط/فبراير 2012 شاركنا أنا وابني الثالث “عمر” في مظاهرة في ساحة الجامعة في مدينة حلب، وخلال هذه المظاهرة تمّ اعتقال “عمر” لمدّة يومين وأفرج عنه يوم السبت بعد أن استطاع إقناعهم أنّه طالب ولا علاقة له بالمظاهرة، وأثناء عمليّة التحقيق معه قال له المحقّق (ألم تشبعوا من التظاهر في معرّة النعمان أنت وإخوانك فأتيتم لتتظاهروا هنا في حلب أيضاً؟) وعندها أدرك عمر أنّ أخواه موجودان في الفرع ذاته، وبالفعل فقد كانت الصدفة حين التقى عمر بعبد الله في الحمّامات واطمأن عليه وعلى ابني الآخر عبد الرحمن، وهنا تأكّدنا من وجود عبد الله وعبد الرحمن في فرع الأمن العسكري بحلب.”
لقراءة القصة بشكل كامل وتحميلها بصيغة ملف PDF يرجى الضغط هنا.
يضيف عبد الرحمن ويصف ظروف اعتقالهما هو وعبد الله قائلاً:
“بعد اعتقالنا أنا وشقيقي عبد الله تمّ فصلنا ووضعنا في زنزانتين منفردتين منفصلتين، والتقيت به مجدّداً عندما تمّ تحويلنا إلى سجن البالونة في حمص، ومنه إلى فرع الشرطة العسكريّة في دمشق(القابون)، وبعد ذلك تمّ تحويلنا إلى الفرع (215) وهو أحد الأفرع الأمنيّة التابعة لشعبة المخابرات العسكريّة، حيث مكثنا أربعة أيّام بدون تحقيق ولكن تعرّضنا للضرب والتعذيب المتواصل، بعد ذلك تمّ تحويلنا إلى الفرع (291) وهو فرع مخصّص لاحتجاز الجنود ولكن وبسبب اكتظاظ الأفرع الأمنيّة الأخرى كان يتمّ تحويل عدد كبير من المدنيّين إلى هذا الفرع أيضاً.
خلال تواجدنا في الفرع (291) وبعد أن قاموا بفصلنا عن بعضنا البعض بدأت عمليّة التحقيق معنا، حيث تمّ توجيه تهمة التظاهر لي، أمّا شقيقي عبد الله فقد كانت تهمته متعلّقة بكونه ناشطاً في العمل الإعلامي وعضواً في أحد التنسيقيّات إضافةً إلى خروجه في المظاهرات، وكانت آخر مرّة رأيت فيها عبد الله في الفرع (291) مع نهاية شهر آذار/مارس 2012، وتحديداً عندما انتهوا من إجراءات التحقيق معنا.”
انقطعت أخبار عبد الله عن أهله بعد هذا التاريخ لسنتين متواصلتين، قبل أن يتواصل معهم أحد المعتقلين السابقين/المفرج عنهم من منطقة الأتارب في ريف حلب، والذي كان معتقلاً في فرع فلسطين (الفرع 235)، حيث أخبر العائلة أنّه التقى بعبد الله هناك، فتتبّع الأهل أخبار المفرج عنهم من كافّة الأفرع واستطاعوا معرفة الأفرع التي نقل إليها عبد الله ورحلته من الفرع (291) ولاحقاً فرع فلسطين (235) ومنه إلى الفرع الإداري (248)، ثمّ إلى سجن صيدنايا العسكري، علماً أنّ العائلة كان قد وصلها من أحد الأشخاص أنّ ابنهم قد توفّي في المعتقل، وتبيّن لاحقاً أنّ الخبر غير صحيح بسبب تشابه معلومات اسم عبد الله مع معلومات معتقل آخر.
حاولت عائلة عبد الله معرفة أي شيء عنه، فقاموا بالاستفسار لدى جهات عديدة منها فرع الشرطة العسكريّة في دمشق ولكن لم يستطيعوا الحصول على أي معلومة، وكان آخر خبر سمعوه عن عبد الله منذ سنتين (2015) عن طريق شخصين تمّ الإفراج عنهما من سجن صيدنايا العسكري، حيث أخبروا العائلة بوجود عبد الله في المبنى الأحمر داخل السجن.
تعرّضت عائلة عبد الله للكثير من عمليّات الابتزاز المالي، ففي كلّ مرّةٍ كانوا يحاولون فيها إجراء (عمليّة التفييش -وهي عمليّة بحث عن أسماء المطلوبين في قاعدة بيانات الأجهزة الأمنيّة في سوريّا-) كانوا يدفعون مبلغ (100) ألف ليرة سوريّة أي ما يعادل الـ 500$ دولار أمريكي آنذاك، وكانت هذه العمليّة تتمّ عن طريق بعض المحامين.
إضافةً إلى ذلك فقد دفعت العائلة رشاوي كثيرة لبعض عناصر الشرطة العسكريّة في دمشق لمعرفة مصير عبد الله وفيما إذا كان حيّاً أو ميّتاً، وكانت عمليّة الابتزاز الأكبر من قبل أحد ضبّاط القصر الجمهوري ويدعى “عمّار اليونس”، والذي ادّعى قدرته على الإفراج عن عبد الله، وكان يقوم بتزوير بعض الأوراق التي تفيد بتحويل عبد الله بين الأفرع الأمنيّة، مدعياً قدرته على وضع اسم عبد الله ضمن قوائم العفو الذي يصدر عادةً من رئيس الجمهوريّة. وكان الأهل قد قاموا بتعيين محامي لمتابعة أوراق الضابط عمّار، وعندما اكتشف هذا المحامي تزويره لهذه الوثائق قام الضابط باعتقاله. وقد بلغ مجموع ما دفعه ذوو عبد الله لذلك الضابط مليونين ليرة سوريّة أي ما يقارب الـ 10000$ دولار أمريكي آنذاك، وفي آخر مرّة طلب الضابط مبلغ عشرة ملايين ليرة سوريّة أي ما يعادل الـ 50000$ دولار أمريكي آنذاك ليقوم بالإفراج عن عبد الله، وعرف أهل عبد الله لاحقاً عن تعرّض عائلات كثيرة للابتزاز ذاته من قبل نفس الشخص رغم دفعهم للنقود ولكن دون جدوى.
تتحدّث أمّ عبد الله عن معاناتها عقب اختفاء ابنها قائلةً:
“أثّر اختفاء عبد الله علينا كثيراً، حيث كان يتجدّد لدينا الأمل بلقائه خاصّةً عند سماع أيّ خبر عنه أوعندما كانت تصلنا أيّة وعود من السماسرة أو المحامين، ثمّ كان هذا الأمل يتلاشى ويتبخّر مع مرور الوقت، فتصبح كلّ الآمال منصبّة على مجرّد معرفة فيما إذا كان ابني حيّاً أم ميّتاً. معاناتنا لم تكن بسبب الأموال التي دفعناها، فالأموال تأتي وتذهب، ولكنّ المعاناة الحقيقيّة كانت في كلّ مرّة هو زرع الأمل فينا، وإخبارنا من قبل السماسرة أنّه سوف يتمّ الإفراج عن عبد الله خلال أيّام، فنبدأ بترتيب المنزل تحضيراً لاستقباله، ونتوقّف عن إعداد الأطباق التي يحبّها ريثما يأتي لنقوم بتحضيرها له، ولكن كنّا نصطدم دائماً بخيبة أمل بسبب عدم مجيئه.”
أمّا عبد الرحمن شقيق المختفي عبد الله فيؤكّد أنّ المعاناة التي يواجهها المعتقلون كبيرة جدّاً، حتّى وصل به التفكير أن يتمنّى الموت لشقيقه داخل الاحتجاز كي يرتاح من العذاب المرافق له، فيقول:
“ما يعيشه عبد الله بشكل يومي هو أصعب من الموت بآلاف المرّات.”
عندما تمّ نشر صور المعتقلين الذين قضوا في أقبية الأجهزة الأمنيّة السوريّة (صور سيزر/قيصر)، حاولت عائلة عبد الله البحث ضمن الصور عن ابنهم، وبالفعل استطاع شقيقه العثور على صورة شخص شبيه جدّاً بعبد الله، ولكن الشخص الموجود في الصورة كان هزيلاً جدّاً ومشوّه الوجه، ممّا أثار شك العائلة بكون هذا الشخص هو ابنهم، ولأنّ الشخص الموجود في الصورة كان قد خسر وزنه بشكل كبير جدّاً لم تستطع والدة عبد الله الجزم بكون الصورة تعود لابنها.
[1] تمّ إجراء المقابلة في تاريخ 17/7/2017 عن طريق الإنترنت.