تنقسم محافظة دير الزور (شرق سوريا) بين الحكومة السورية وتنظيم “الدولة الاسلامية”، آذ تسيطر القوّات الحكوميّة على جزء من المدينة الغربيّة ومطارها المدنيّ، إضافة إلى سجنها المركزيّ والمباني الرسميّة ومقرّ اللّواء 137 ومعسكر الطلائع. بينما يسيطر التنظيم على بقيّة أجزاء المدينة الشرقيّة وكامل ريفها.
وتبلغ مساحة دير الزور المحاذية للحدود العراقيّة حوالى 33 ألف كيلومتر مرّبع، وهي تشكّل 18 في المئة من مساحة سوريا، ويسيطر تنظيم “الدولة” منذ تمّوز/يوليو من عام 2014 على 80 في المئة من مساحتها، الّتي تشمل الريف الشرقيّ حتّى الحدود السوريّة العراقيّة وبلدات موحسن والبوكمال والميادين، والريف الغربيّ إلى بلدة معدان التابعة لمحافظة الرقّة. كما يفرض سيطرته على الجزء الشرقيّ من المدينة، الّذي يشمل أحياء الحميديّة والشيخ ياسين والحويقة والعمال، في حين لا تسيطر قوّات الحكومة السوريّة إلاّ على 20 في المئة من مساحة دير الزور، وتنحصر في الأحياء الغربيّة، وهي: القصور والجورة وهرابش وأجزاء من حيّي الموظّفين والجبيلة، إلاّ أنّها محاصرة منذ حوالى سنة وأربعة أشهر من قبل تنظيم “الدولة”.
وذكر مدير مرصد “العدالة من أجل الحياة في دير الزور” جلال الحمد أنّ “التنظيم بدأ بحصار الأحياء الّتي تسيطر عليها قوّات الأسد منذ 5/1/2015، بعد أن أغلق كلّ المعابر البريّة والمائيّة المؤديّة إليها، وهو يمنع دخول الموادّ الغذائيّة والطبيّة وخروج المدنيّين ودخولهم”.
وأصدر مرصد “العدالة من أجل الحياة”، وهو منظّمة مدنيّة حقوقيّة تعمل فيها مجموعة من الناشطين والإعلاميّين من مدينة دير الزور، في 28 آذار/مارس من العام الجاري تقريراً بعنوان: “420 يوماً على حصار دير الزور“.
جاء في مضمونه: “أنّ التنظيم يهدّد حياة أكبر كتلة بشريّة غير مسلّحة تمّت محاصرتها في سوريا”، وعمد عناصره إلى “قطع الكابل الضوئيّ الخاص بالإتّصالات الخلويّة وشبكة الإنترنت وقطع التيّار الكهربائيّ عن المدينة، إضافة إلى قصف تلك الأحياء بقذائف الهاون والصواريخ المحليّة الصنع بين الحين والآخر، ممّا تسبّب بوقوع عدد من الضحايا المدنيّين”، بحسب التقرير.
ولدى حديثه مع موقع “المونيتور” كشف جلال الحمد أنّ “عدد القتلى منذ شباط/فبراير سنة 2015 لغاية آذار/مارس من عام 2016 بلغ 63 قتيلاً، من بينهم 14 امرأة و25 طفلاً من جراء قصف التنظيم على الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام”.
كما وثّق مراسلو المرصد وفاة 32 مدنيّاً في الأحياء المحاصرة بسبب سوء التغذية وانتشار الأمراض.
وقال الحمد: “لا يعمل في الأحياء المحاصرة سوى مستشفى الأسد الحكوميّ، ولا تتوافر فيه الكوادر الطبيّة، وهناك أيضاً المستشفى العسكريّ، إلاّ أنّه لا يستقبل إلاّ العساكر”.
بينما تكيّف المدنيّون في دير الزور، وفي ظلّ انعدام الموادّ الغذائيّة ومصادر الدخل، مع الواقع الجديد من خلال خفض عدد الوجبات اليوميّة إلى وجبة واحدة في اليوم، إضافة إلى خفض كميّة الطعام في الوجبة الواحدة إلى أقلّ من نصف الكميّة المعتادة والاعتماد على صنف واحد من الطعام حسب توافره في الأسواق من ناحية، وقدرة العائلة الشرائيّة من ناحية ثانية.
وأشارت امرأة تدعى مريم ذكرت اسمها الأوّل فقط، وأرسلت رأيها عبر برنامج المحادثة (ويتس آب) الى مراسل “المونيتور”، وهي تعيش في حيّ القصور الخاضع لسيطرة الحكومة إلى أنّها “تضطرّ للوقوف في صفوف لساعات من أجل الحصول على حصّتها من الخبز، إذ يعيش أغلب السكّان على الخبز والماء والحشائش”.
وعن ارتفاع الأسعار، قالت مازحة: “منذ حوالي ثلاثة أشهر، لم نأكل سلطة الفتّوش نظراً لغلاء البندورة، وهو أضعف الايمان”.
ونفذت الأمم المتحدة في 10 نيسان/ابريل الماضي من العام الحاليّ، ثاني عمليّة إنزال موادّ إغاثة في المظلاّت لمساعدة المدنيّين الّذين يحاصرهم مسلّحو تنظيم “الدولة”، ويقدّر عددهم بنحو 200 ألف مدنيّ بحسب المنظّمة الدوليّة، الّتي أشارت أيضاً إلى أنّ “العالقين في المناطق المحاصرة يواجهون ظروفاً تتدهور باستمرار، وثمّة تقارير تتحدّث عن وجود حالات خطيرة بسبب سوء التغذية ووفيّات نتيجة الجوع”.
كما يمنع الطرفان- النظام والتنظيم – خروج المدنيّين “من والى” مناطق سيطرتهم، فتنظيم “الدولة” يستجوب ويمارس مضايقات بحق الراغبين في ترك المدينة ويصادر وثائقهم، بينما تشترط الحكومة السوريّة الحصول على موافقات أمنيّة من أجهزة المخابرات على الراغبين في المغادرة برّا أو جوّاً.
وتقع مدينة دير الزور في قبضة تنظيم “الدولة” منذ سنتين، فتدهور وضع سكّانها المعيشيّ حتّى أنّهم باتوا يقتاتون على العشب والنباتات البريّة في طعامهم، بحسب ما أكّده برنامج الغذاء العالميّ.
وذكر تقرير صدر عن “مرصد العدالة من أجل الحياة في دير الزور” نشر في 24 نيسان/إبريل من الشهر الفائت، أنّ أسعار الموادّ الغذائيّة الأساسيّة والوقود في مناطق سيطرة تنظيم “الدولة” شهدت ارتفاعاً قارب الثلاثة أضعاف، مقارنة مع أسعارها قبل سيطرة التنظيم.
ومن جهتها، قالت امرأة لموقع “المونيتور” طلبت عدم الكشف عن اسمها وهويّتها الحقيقيّين، وهي تعيش في حيّ الحميديّة بوسط مدينة دير الزور، والّذي يخضع لسيطرة التنظيم: “إنّ الأوضاع المعيشيّة في مناطق التنظيم تزداد تدهوراً، لأنّ تقلّبات أسعار صرف الدولار تلهب أسعار الموادّ الغذائيّة والخضار”.
أضافت: “إنّ حليب الأطفال مفقود تماماً، ورفوف الصيدليّات باتت شبه خالية من الأدوية”.
ورأى المعارض السوريّ رياض درار، وهو ابن مدينة دير الزور، أنّ “هذه المدينة منسيّة رغم فظائع تنظيم داعش والنظام السوريّ”.
وفي إفادة صحافيّة لموقع “المونيتور”، أشار إلى أنّ معاناة الأهالي مزدوجة نظراً لحصار التنظيم من جهة، وقصف النظام من جهة ثانية، لافتاً إلى أنّ معركة دير الزور “ستكون متأخّرة لأنّها ليست في دائرة الحدث بالوقت الحاليّ، فكلّ الجهود الدوليّة تتركّز على مواجهة داعش في الرقّة، وبالتّالي سيطول الحصار أكثر على دير الزور”.
وطالب رياض درار بتدخّل إنسانيّ عاجل من كلّ الجهات الدوليّة، و”بالحدّ الأدنى تأمين مستلزمات المدنيّين الضروريّة وحاجاتهم الأساسيّة لتخفيف عبء الحصار المضاعف عليهم”.
إنّ مدينة دير الزور هي الأكثر كثافة سكانيّة بين نحو 15 منطقة محاصرة في سوريا، وأوضحت الأمم المتحدة أن 400 ألف شخص يعانون محّنة الحصار من قبل أطراف النزاع في سوريا، وتلجأ كلّ القوى العسكريّة المتصارعة إلى استخدام المدنيّين كسلاح في حروبها المفتوحة.