عبد الله الخلف – الرقة
عاد عبد الله (اسم مستعار) إلى جدته باكياً، يشكي لها ما تعرض له من تنمر من نظرائه الأطفال في الحي، كانوا يهتفون خلفه “داعشي.. داعشي”! عبد الله طفل يبلغ من العمر سبعة أعوام، لا ذنب له سوى أنه ولد لأم سورية ووالد من المقاتلين العرب الذي انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” قبل سنوات في سوريا.
لا يعرف هذا الطفل سبب تنمر بقية الأطفال عليه، فهو مجرد طفل لا يختلف عنهم، لا يريد سوى أن يلعب ويمرح معهم، توفيت أمه ووالده في قصف لطيران التحالف الدولي خلال معركة طرد تنظيم داعش من الرقة عام 2017، ولم يتبق له سوى جدته التي تتولى رعايته حالياً.
تقول جدته إنها لا تعرف أحداً من ذوي والده لكي تتواصل معهم للمساعدة في تربية وإعالة الطفل، وهو حالياً لم يدخل المدرسة مثل باقي الأطفال لأنه لا يمتلك أوراقاً ثبوتية، مضيفةً “الكثير من الجيران في الحي ينظرون لنا نظرة سيئة لأنني أربي ابن بنتي التي كانت متزوجة من المقاتل بتنظيم الدولة، يقولون لأطفالهم لا تلعبوا معه هذا ابن داعشي! هذا الكلام يقتلني من الداخل ويجرحه، هو مجرد طفل لا ذنب له”.
وتشير جدة الطفل إلى أنها حاولت تسجيل عبد الله على اسم أحد أخواله، ليتمكن من دخول المدرسة، ولكنهم رفضوا خوفاً من الملاحقة الأمنية، وتردف “لا أعرف ماذا أفعل لأربي هذا الطفل، ليس لديه أوراق وغير معترف به من قبل السلطات، ومستقبله غامض لا أعلم ماذا سيحدث له وكيف سيعيش!”.
تنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، كما تنص المادة السادسة على أنه لكل إنسان، في كل مكان، الحق بأن يعترف له بالشخصية القانونية.
ولكن القانون السوري يميّز على أساس الجنس في حق منح الجنسية، فـ يحرم المرأة السورية المتزوجة من أجنبي من حق منح جنسيتها لأطفالها، ففي المادة الثالثة الفقرة (أ) من قانون الجنسية السوري الذي تم تفعيله عام 1969 عبر المرسوم التشريعي رقم 276، فإن حق منح الجنسية محصور بالذكور، وبعض الحالات الأخرى.
حيث تنص المادة على أنه يعتبر عربياً سورياً حكماً من ولد في القُطر أو خارجه من والد عربي سوري، ومن ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً، ومن ولد في القطر من والدين مجهولين وحالات أخرى.
ومؤخراً أصدر الرئيس السوري مرسوماً تشريعياً يقضي بتنظيم شؤون الأطفال مجهولي النسب، وتهيئة البيئة الداعمة لتربيتهم وتعليمهم، وتمتعهم بكافة الحقوق دون التمييز عن غيرهم، وإنشاء ما تسمى “بيوت لحن الحياة” لرعايتهم، ليكون هذا المرسوم مكملاً لمرسوم عام 1969 وينظم الرعاية لهؤلاء الأطفال.
وعما إذا كان أبناء السوريات من مهاجرين أجانب قد يستفيدون من هذا القانون ويحصلون على الجنسية، يقول القاضي السابق محمد الدعيّل: “في حال كانت السيدة لا تعرف الاسم الحقيقي لزوجها أو جنسيته، يحق لها هنا أن ترفع دعوى ويحصل ابنها على الجنسية السورية”.
إلا أنه يلفت إلى أن الأمر ليس سهلاً، بسبب الظروف الأمنية وخوف السيدات من التوجه لمناطق سيطرة الحكومة السورية لرفع الدعوى خشية الاعتقال بتهم تتعلق بالإرهاب، مضيفاً “هذه الصعوبات الأمنية ليست فقط في سوريا، حتى في الدول الأخرى إذا كان الزوج من دول الخليج أو المغرب العربي على سبيل المثال، تجد أن أقربائه في الغالب لا يمدون يد العون لزوجات وأطفال أبنائهم خوفاً من الملاحقة الأمنية”.
تسعى منظمات مجتمع مدني بالتعاون مع وجهاء عشائر ونشطاء وحقوقيين إلى إيجاد حلول مؤقتة لمساعدة السيدات اللواتي كن متزوجات من عناصر أجانب ولديهن أطفال منهم، وبشكل خاص النساء الخارجات من مخيم الهول بريف الحسكة، بهدف إعادة دمجهم في المجتمع.
منظمة شباب أوكسجين قامت بتأسيس لجنة حل النزاع في الرقة في عام 2021، وتقوم اللجنة بتقديم خدمات إغاثية واجتماعية وقانونية، بالإضافة لحل المشاكل المتعلقة بالعائلات العائدة من مخيم الهول إلى الرقة.
الدعيّل هو أحد أعضاء هذه اللجنة، يقول إنهم سعوا لحل مشكلة الأوراق الثبوتية من خلال إصدار بطاقات هوية مؤقتة من الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، “هذه الأوراق تسهّل دخول الأطفال إلى المدارس، وحصولهم على بعض المساعدات من المنظمات، وتسيير بقية أمورهم في مناطق شمال شرق سوريا”.
لا توجد إحصائيات رسمية لعدد أبناء السوريات من عناصر التنظيم الأجانب، ولكن وفقاً للجنة حل النزاع فقد تم الوصول إلى 14 سيدة، لديهن 33 طفلاً من آباء “مهاجرين” في مدينة الرقة فقط، لتقديم الخدمات لهن ولأطفالهن.
وبحسب منظمة شباب أوكسجين فإن العدد الحقيقي أكبر بكثير، كون الكثير من النساء تخشى الإفصاح عن الأمر، والجدير بالذكر أننا تواصلنا خلال إعداد هذه المادة مع عدد من السيدات، ولكن رفضن التحدث إطلاقاً بسبب المخاوف الأمنية، وبحسب مجلس الرقة المدني فقد عادت نحو 900 عائلة من مخيم الهول إلى الرقة بين عامي 2018 و2021، ويبلغ عدد أطفال هذه العوائل أكثر من 3000 طفل.
أما في شمال غرب البلاد فقد وثّّقت حملة “مين زوجك”، التي أطلقها ناشطون سوريون لحصر عدد الأطفال المولودين من زيجات بين سوريات وعناصر أجانب من التنظيمات الجهادية، والتوعية بتبعات هذه الزيجات، وثّقت 1735 حالة زواج لسوريات من مقاتلين أجانب، وبالتحديد في مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام، من بينهم 1424 امرأةً ممن أنجبن أطفالاً وصل عددهم إلى 1826 طفلاً.
وعلى الرغم من أنه لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، ولا يجوز تعسفاً حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته، بحسب نص المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلا أن هؤلاء الأطفال، لا يتمتعون بأي من هذه الحقوق ما يجعل مستقبلهم مجهولاً.