عبد الله الخلف
في الصيف وتحديداً أواخر شهر تموز، ورغم الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، قرر ماهر (اسم مستعار) “32 عاماً” بيع جهاز التكييف الوحيد في منزله، كي يجمع المبلغ المطلوب لإجراء عملية جراحية لوالدته المريضة!
الدخل الذي يجنيه ماهر لا يكفيه هو وعائلته المؤلفة من أب وأم طاعنين في السن، وزوجة وطفلين، يعمل كـ عامل مياومة، يجلس مع رفاقه العمال في ساحة المتحف بمدينة الرقة منذ الصباح الباكر، منتظراً أن يأتي “الرزق”، الذي غالباً ما يكون زهيداً، ولا يتناسب مع الجهد الكبير الذي يبذله في هذه المهنة الشاقة.
يقارن ماهر بين حاله وحال من كانوا يعيشون العبودية في القرون السالفة، قائلاً: “أوضاعنا لا تختلف كثيراً عن العبد الذي كان يعمل منذ الصباح الباكر إلى مغيب الشمس وأجره قصعة طعام لا تشبعه؛ هي تبقيه فقط على قيد الحياة”.
ويستكمل حديثه في وصف أوضاع العمال السوريين في الداخل “نعمل طوال اليوم في سبيل لقمة العيش، وفي حال مرض شخص في العائلة لا تعرف ماذا تفعل، هل تبيع أغراض البيت؟ أم تستدين من أحد، وأساساً لا يوجد من يقرضنا، لأنه يعرف أنه لا قدرة لنا على سداد القرض”.
يتراوح أجر ماهر اليومي بين 20 و30 ألف ليرة سورية، أي حوالي دولارين أمريكيين، ولكن هذا الأجر لا يتوفر يومياً، قد يمر اليوم دون أن يعمل! فعمله غير ثابت ويعتمد على انتظار فرصة عمل قد تأتي أو لا!
تنص المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لكل شخص حق العمل، في شروط عادلة ومرضية، ولكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية تكفل له ولأسرته عيشةً لائقةً بالكرامة البشرية”.
ولكن هذه الحقوق مفقودة لدى معظم العمال في شرقي سوريا، حازم (اسم مستعار) “46 سنة” من دير الزور، يقول إن عشرة آلاف أو عشرين ألف ليرة لا تكفي لسد الرمق، مضيفاً “كل شيء في البلاد يتم تسعيره بالدولار، إلا أجرة العامل ما تزال بالليرة! ماذا عسانا نفعل لنطعم أولادنا؟ هل نسرق أو ننهب؟”.
مع استمرار هبوط الليرة السورية ساء حال العمال بشكل أكبر، لا توجد زيادات في أجورهم، ولا وجود لـ حد أدنى للأجور في شرق سوريا، أرباب العمل هم من يحددون أجور العمال، والتي غالباً ما تكون غير مرضية حسب قول حازم: “المقاول يصرف آلاف الدولارات على مواد البناء، ولكن عندما يتعلق الأمر بأجر العامل لا يدفع إلا الفُتات”.
“إذا ما اشتغلت ما تأكل!” هذه الجملة اختصرت أوجاع حازم، الذي يصف وضعهم بجملة أخرى “قاتلنا الجوع!” يصرف الرجل على زوجته وأطفاله الأربعة، وأولاد أخيه اليتامى الثلاثة، يقول: “في كثير من الأيام لا نجد شيئاً نأكله سوى الخبز! إذا مر يوم لم أعمل به ننام جائعين”.
إجراءات السلامة غير متوفرة للعمال في شرق سوريا، يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة، ومعظم المقاولين لا يقومون بتقديم معدات السلامة لهم، وكثيراً ما يتعرضون للإصابة أثناء العمل، ومؤخراً حدثت عدة وفيات لعمال خلال العمل في الرقة.
يتذكر حازم بحزن صديقه والذي يبلغ من العمر”42 سنة”، والذي توفي قبل نحو شهر أثناء عمله بأحد الأبنية التي يتم تشييدها، ويروي ما حدث ” كان صديقي يحمل كيس إسمنت، وكان الوقت بعد مغيب الشمس وقد حل الظلام، ولا توجد إنارة والقبو غير مسوّر، ليسقط في القبو ويموت على إثر ذلك”.
المقاول لم يعوّض ذوي المتوفى، تم اعتبار الأمر قضاء وقدر! وبقي أطفاله دون معيل حسبما يقول حازم، الذي يضيف “هذه ليست الحادثة الأولى، كل فترة يموت عامل أثناء العمل، بسبب عدم اكتراث المقاولين وعدم وجود حماية أو ضمانات لحقوقنا”.
ويحدد اتحاد “الكادحين” في مدينة الرقة تعويض الوفاة للعامل المنتسب لصندوق الاتحاد بـ “مليون وخمسمائة ألف ليرة سورية”! أي حوالي 1155 دولار أمريكي! يتم دفعها من صندوق الاتحاد.
وبلغ عدد العمال المنتسبين لاتحاد الكادحين في الرقة 12008 عمال بحسب ظاهر العبد الله رئيس الاتحاد، موضحاً أن قسماً منهم يعمل لدى المؤسسات والدوائر التابعة للإدارة الذاتية، والقسم الآخر في شركات وأعمال حرة.
ويشير إلى أنهم سعوا مؤخراً لتقديم خدمات صحية للعمال، حيث تم افتتاح صيدلية تحسم نسبة 15% من قيمة الأدوية للعمال، ويكمل “تم إنشاء صندوق التعاون العمالي، يتم قبض 3000 ليرة سورية شهرياً من كل عامل لصالح الصندوق، لمساعدتهم من حيث الرعاية الصحية”.
يساعد الاتحاد العمال المنتسبين إليه بدفع جزء من قيمة العمليات الجراحية، حيث تتراوح النسبة التي يدفعها الاتحاد بين 40% و60%، حسب نوع العملية، على ألا تتجاوز القيمة الإجمالية للعملية مبلغ مليونين ونصف مليون ليرة سورية.
ويلفت ظاهر إلى وجود لجنة تسمى بـ لجنة الصلح في اتحاد العمال، والتي تعمل على حل الخلافات التي تحدث بين العمال وأرباب العمل سواء بالقطاع الخاص أو العام، “نساعد العمال من خلال هذه اللجنة في حال تم الاعتداء على حقوق العامل، نضغط على رب العامل لإعطاء العامل حقه”.
أكثر من 90% من السوريين في الداخل يعيشون تحت خط الفقر وفقاً لتقرير صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، 12 مليون سوري يعاني من انعدام الأمن الغذائي، بحسب برنامج الأغذية العالمي.