نور الأحمدْ
” واجهت الكثير من المضايقات، تنمر عليّ البعض، خاصة من البيئة المحيطة لي، بسبب عملي في المجال الإعلامي”. تقول شذا (اسم مستعار) في حديثها لنا.
بدأت “شذا” العمل في المجال الإعلامي في منتصف العشرينيات من عمرها، وذلك مع انتشار عدّة وسائل إعلامية في شمال وشرق سوريا، منذ إعلان الإدارة الذاتية عام 2014.
ولدت شذا في مدينة القامشلي، وعملت على تغطية الأحداث في مناطق الجزيرة السورية المختلفة، واختارت التركيز على النساء الإيزيديات الناجيات من انتهاكات المجموعات المتطرفة. لكنها كما تقول لم تنجُ من المضايقات ورفض أفراد من المجتمع في البداية لطبيعة عملها في المجال الإعلامي.
تقول “شذا”: “إنّ العمل الإعلامي في بلدٍ تشهدُ الحرب ليس سهلاً، خاصةً إن كانَ في مجتمع يميل لتنميط عمل النساء”.
في سوريا بالعموم يتم تأطير النساء في مجالات عمل معينة، تقتصر على تربية الأطفال أو العناية بالمنزل، أو حتى في وظائف محددة، الأمر الذي يقف عائقاً في وجه تحرر النساء واستقلالهنّ الاقتصادي، ويحد من مساهمتهنّ في تطوير المجتمع. وهذا ما ينافي الفقرة الأولى من المادة (٢٣) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص بأنّ “لكلِّ شخص حقُّ العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفق شروط عمل عادلة ومُرضية، والحماية من البطالة”.
وتؤكد المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنّ الناس جميعاً سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حقِّ التمتُّع بحماية القانون دون تمييز، كما يتساوون في حقِّ التمتُّع بالحماية من أيِّ تمييز ينتهك هذا الإعلانَ ومن أيِّ تحريض على مثل هذا التمييز.
في حين تنص “اتفاقية سيداو“ التي تعنى بالقضاء على كلِ أشكال التمييز ضد المرأة، أن التمييز ضد النساء يشكل انتهاكاً لمبدأ المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، تحفظت الحكومة السورية على عدد كبير من مواد الاتفاقية قبل التوقيع عليها، ولكن الدستور السوري ينص في مادته 33 على ضمان التساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو أي سبب آخر، وفي المادة 23 على تشجيع الدولة لمساهمة المرأة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
لم تكن المضايقات التي تعرضت لها شذا وغيرها من النساء العاملات في المجال الإعلامي، تقف عند حد التمييز المجتمعي بينهن وبين زملائهنّ من الجنس الآخر، اضطرت صحفياتٌ وعاملاتٌ في المجال الإعلامي للاستقالة من العمل، لأسباب متعددة لم تبدأ بالمضايقات ولم تنتهِ بالتحرش.
نسرين (اسم مستعار) لصحفية فضلت عدم الكشف عن اسمها، من مدينة الحسكة، وقد تعرضت هي الأخرى للعديد من المضايقات بسبب عملها في إحدى الإذاعات، وصل الأمر لشتم زوجها والتقليل من رجولته لسماحه لها أن تعمل في الإعلام، تقول نسرين “هذا تحريض على الإعلاميات!”.
اضطرت نسرين لاستعمال اسم مستعار أثناء عملها كمحررة في قسم الأخبار، وفضّلت عدم إجراء أي تغطيات ميدانية تجنباً للمضايقات، تقول نسرين: “العمل في مجال التحرير ساهم بتخفيف المضايقات لكنني تعرضت للتحرش والاستغلال الوظيفي، أصبح هذا الأمر يشكل ضغطاً على زوجي فمنعني في النهاية من العمل”.
تواصلت معدّة التقرير مع نحو إحدى عشر صحفية وعاملة في المجال الإعلامي شمال وشرق سوريا، وفي حديثها معهنّ، أكدت معظمهن على تعرضهن لمضايقات، إما فيزيائية أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
فيما أكدت اثنتان من الصحفيات اللاتي قمنا باستطلاع آرائهنّ أنهن تعرضن للابتزاز والتحرش أثناء عملهنّ في مؤسسات إعلامية مختلفة دون تقديم شكوى.
يقول “دليار جزيري” الرئيس المشترك “لاتحاد الإعلام الحر” الذي يضم عما يزيد عن سبعمائة عضو يعملنّ في الحقل الإعلامي بمناطق شمال شرق سوريا “أنّ الاتحاد لم يتلقى منذ تأسيسه أي شكوى تتعلق بالتحرش”.
يضيف دليار “توجد لجنة قانونية و مستشار قانوني في اتحاد الإعلام الحر، متخصص بمتابعة شكاوى العاملين في المجال الإعلامي في شمال وشرق سوريا، مؤكدًا أن هذه الشكاوى يتم التعامل معها بسرية تامة، وأنّ هناك إمكانية أن تتواصل المشتكيات مع نساء من العاملات ضمن الاتحاد، في حال كنّ يفضلن ذلك، مؤكد أنهم سيتخذون كل الإجراءات القانونية”.
ركزت العديد من المؤسسات الإعلامية العاملة في المنطقة على حماية الصحفيات من أي شكل من أشكال المضايقات ومنها شبكة آسو الإخبارية والتي أكد مديرها العام الصحفي “سردار ملا درويش” على “العمل الصحفي ليس حكراً على جنس معين، يجب أن يعتاد المجتمع على دور النساء واحترام الجندر، فالعمل الصحفي شهد دوراً فعّالاً للنساء، والمساواة في جميع أطر الحياة شيء مرتبط بدعم وتطور المجتمع وتقدمه، وحمايتهنّ يجب أن تكون أولوية لنا ولدى جميع من يهمه الأمر”.
ورغم كل المحاولات لتجنب أشكال المضايقات التي تتعرض لها النساء العاملات في المجال الإعلامي، إلا أنّ الخوف من التقدم بشكوى هو ما يساعد في تفاقمها، وأكدت “الرئيسة المشتركة السابقة لاتحاد الإعلام الحر”، ” أفين يوسف” في التوصيات التي قدمتها من خلال مشاركتها في ندوة موسعة باسم “نساء بلا حدود” في أربيل على أهمية الاهتمام ببرامج تعزيز ثقة الصحفيات بأنفسهن من خلال التدريب والدعم وتوعيتهنّ بحقوقهنّ لضمان عدم التخوف من تقديم الشكاوى، خاصة في حال تعرضهن إلى التحرش.
وبحسب دراسة أجراها مركز إشراك وسائل الإعلام (CME) في جامعة تكساس على 75 صحفية حول العالم، والتي أفادت أن جميع الصحفيات تقريباً تعرضن لنوع ما من المضايقات السيبرانية التي ركزت على شخصهن أو جنسهن، شعرت غالبية المستجيبات بأن مؤسساتهن الإخبارية لم تفعل سوى القليل لمساعدتهن على التعامل مع الهجمات السيبرانية.
ووفقًا للدراسة، فقد ذكرت معظم النساء أنهن يشعرن أن المؤسسات الإخبارية يمكنها أن تفعل المزيد لتدريبهن على كيفية التعامل مع الإساءات ودعمهن بعد حدوثها. هذا يشير إلى الحاجة إلى مدارس الصحافة ودورات التطوير المهني.
من المهم أن تقود الصحفيات السوريات عملية التغيير الاجتماعي وأن تدفعن باتجاه مشاركة نسائية أكبر في المجتمعات المحلية، وفي سبيل ذلك يتوجب على المؤسسات المحلية وسلطات الأمر الواقع في المناطق المختلفة دعم الصحفيات والناشطات السوريات على وجه الخصوص، وتعزيز الالتزام باتفاقية سيداو وشرعة حقوق الإنسان والدستور السوري في كل ما يتعلق بحقوق المرأة السورية.