قصة المختفي محمد جودت سمهاني على يد فرع أمن الدولة
المختفي محمّد جودت سمهاني، من مواليد عام 1977 في قرية شلّف بجبل الأكراد في ريف اللاذقيّة، كان يعمل موظفاً حكومياً لدى مديريّة الزراعة في مدينة اللاذقيّة بصفة عامل، وكان قد وصل في تعليمه إلى الشهادة الإعداديّة، وهو متزوّج وأب لستّة أطفال (رهام وتبلغ من العمر 13 عاماً ونيفين وتبلغ من العمر 12 عاماً وأحمد ويبلغ من العمر 10 أعوام وإيمان وتبلغ من العمر 8 أعوام وأمجد ويبلغ من العمر 7 أعوام وتغريد التي تبلغ من العمر 6 أعوام).
بتاريخ 5 تشرين الأوّل/أكتوبر عام 2011 قامت دوريّة تابعة لفرع أمن الدولة في اللاذقيّة باعتقال محمّد من منزله الكائن في قرية شلّف على مرآى وأنظار عائلته، حيث حاصرت المنزل سيّارات تابعة لذلك الفرع، وسمع محمّد وأهله صوت السيّارات وأصوات أقدام العناصر المسلّحة حول المنزل بحسب زوجته[1] التي قامت بإدلاء شهادتها لسوريّون من أجل الحقيقة والعدالة، قامت الزوجة بتخبئة الأطفال في غرفة النوم وأغلقت الباب عليهم، وبقيت هي ومحمّد في غرفة الجلوس حين داهمت الدوريّة المنزل.
اقتحم المنزل ثلاثة عناصر مسلّحة يرتدون الزي المدني حيث قاموا بخلع الباب ودخلوا عنوة، وانهالوا عليهما بالشتائم ثم قيدوا يديّ محمّد إلى الخلف وغطوا رأسه بسترته (كنزة)، فحاولت الزوجة منعهم من أخذه لكنّهم صرخوا في وجهها وأمروها بالسكوت وإلّا سوف يقومون باعتقالها أيضاً، لم يقم العناصر بتفتيش المنزل، فخرجت الزوجة لاحقاً لتشاهد زوجها حيث كان قد وُضع في سيّارة “نوع ستيشن” بيضاء تابعة لفرع أمن الدولة “بحسب ما قيل لها لاحقاً” وكانت الدوريّة عبارة عن ثلاث سيّارات وحوالي عشرة عناصر مسلّحين، حاولت الزوجة معرفة سبب اعتقال محمّد فأخبرها العناصر أنّه كان قد شارك في المظاهرات المعارضة لحكم الرئيس السوري بشّار الأسد.
لقراءة القصة بشكل كامل وتحميلها بصيغة ملف PDF يرجى الضغط هنا.
حاولت عائلة محمّد تتبّع أخباره، فاستعانوا بأحد المحامين من مدينة اللاذقيّة والذي كان يعمل بالتعاون مع أحد الضبّاط بفرع أمن الدولة في اللاذقيّة، فعلم الأهل أنّ محمّد كان قد مكث في فرع أمن الدولة في اللاذقيّة حوالي ثلاثة أشهر تعرّض فيها للضرب أثناء التحقيق معه، ولاحقاً وبعد مرور حوالي العام على اعتقاله أخبرهم المحامي أنّ المحكمة المسؤولة عن قضيّة محمد قد تغيّرت وأصبحت محكمة الإرهاب هي المختصّة، وأنّه لن يستطيع متابعة هذه القضيّة بعد الآن لأنّها قد تضرّ بسمعته ومستقبله، وكانت العائلة قد دفعت للمحامي ما يبلغ 300000 ليرة سوريّة أي ما يبلغ 3000$ دولار أمريكي آنذاك، وبعدها سمع الأهل أنّه كان قد تمّ تحويل محمّد إلى محكمة أمن الدولة في مدينة دمشق ثمّ تمّ نقله إلى سجن صيدنايا العسكري وكان هذا آخر ما وصل إليهم.
تضيف الزوجة:
“استطعنا الوصول لاحقاً إلى بعض الوساطات الذين لهم صلات بمسؤولين في أجهزة الأمن، ولكنّهم طلبوا مبالغ ماليّة كبيرة لتزويدنا بمعلومات مفصّلة عن محمّد، وتأمين زيارة له في سجن صيدنايا العسكري، إلّا أنّنا لم نستطع الوثوق بهم بسبب تعرّض الكثير من الأهالي للنصب والابتزاز بهذه الطريقة.”
وفيما يتعلق بآثار اعتقال محمّد، تقول الزوجة:
“كان اعتقال زوجي بمثابة الصاعقة على أهله وعليّ وعلى الأطفال خصوصاً، وهو لا يزال يعيش في قلوبنا وأرواحنا، ودائما أبقي الأمل في نفوس أطفالي بأنه سيعود إلينا في لحظة ما. فبعد اختفاء زوجي، أصبح وضعنا المادي والمعيشي صعباً للغاية حيث انقطع راتب زوجي من مديرية الزراعة بعد اعتقاله، هذا الراتب الذي كان مصدر دخلنا الوحيد، وبقيت حوالي ثلاث سنوات في منزلي مع أولادي وبعد اقتراب النظام السوري للسيطرة على المنطقة التي كنا نسكن فيها (قرية شلف – جبل الاكراد) تركنا المنزل وانتقلت مع أولادي وأهلي إلى منطقة قرب الحدود السورية–التركية وأقمنا في مخيمات اللجوء وبتنا نعتمد على المساعدات التي تقدمها المنظمات الإغاثية (مخيم قرية عين البيضا). لم أفكر يوماً منذ اعتقال محمد بالزواج مرة أخرى، سأبقى لتربية أطفالي الذين فقدوا العطف والرعاية بفقد والدهم، بعضهم يتذكر معالم وجه أبيه والبعض الآخر لا يتذكره ولا يعرفه إلا من خلال الصور.”
[1] تمّ إجراء هذه المقابلة في 17 تمّوز/يوليو 2017 بشكل شخصي مع زوجة محمّد في منزل أهلها في مخيّم عين البيضا على الحدود السوريّة-التركيّة.