تترك مخلّفات الحرب غير المتفجّرة أثررها على المدنيين في مناطق شمال شرق سوريا وتحوّلت إلى كابوس يومي حيث لا يمر أسبوع إلا وتنتشر أخبار عن إصابة أو وفاة بانفجار مقذوف أو لغم. أكثر المناطق التي تسجّل سقوط ضحايا بانفجار مخلّفات الحرب هي تلك التي شهدت معارك عسكريّة وقصفاً لفترة طويلة، آلاف من القذائف غير المتفجّرة والألغام المزروعة تسبّب نزفاً يوميّاً وتقف عائقاً أمام توسيع تقديم الخدمات وعودة المدنيين النازحين إلى مناطقهم.
ما المقصود بمخلفات الحرب القابلة للانفجار؟
وفق اللّجنة الدوليّة للصليب الأحمر ICRC فإن هذا المصطلح يصف[1] “مجموعة كبيرة من الأجسام المتفجّرة، أجسام غير متفجّرة أو متروكة، التي تبقى في منطقة معيّنة بعد انتهاء النزاع المسلّح”. وفق اللّجنة الدوليّة كذلك فإنّ هذه الأجسام تشمل “قذائف المدفعيّة والقنابل اليدويّة وقذائف الهاون والذخائر الصغيرة والصواريخ والقذائف وغيرها من الأجهزة القابلة للانفجار”.
ضحايا المخلّفات الحربيّة:
إن إعداد ضحايا المخلّفات الحربيّة من الأطفال مرتفع وهذا يعود إلى عدم إدراكهم ماهيّة الذخائر غير المتفجّرة و مدى خطورتها وكيفيّة التعامل معها الأمر الذي يجعلهم عرضة لخطرها بشكل أكبر.
خلال لقاءات[2] أجرتها كاتبة المقال تحدّث عدد من الشهود[3]عن الانتشار الواسع لهذه الأجسام غير المتفجّرة والاستهتار في التعامل معها، والعدد الكبير من الإصابات والوفيّات الذي تسبّبه.
الطفل (س.ع) البالغ من العمر (15) عاماً لم يكن يعلم أنّه سيتسبّب بمقتل أفراد من أُسرته بسبب عبثه بجسم غير متفجّر. أحضر رأس مقذوف وجدها أثناء اللعب مع أصدقائه في القرية ووضعها تحت المدفأة بغرض تذويبها، انفجرت وأدّت إلى مقتل جميع من كانوا بالغرفة.
صورة خاصة لصاروخين منفجرين وبقايا مخلفات حربيّة -تاريخ الصورة 6 كانون الثاني/يناير 2022.
في حين تسببت جسم غير متفّجر ببتر قدمي الطفل ( م.خ.د) ذو ال (9) سنوات، عثر عليه الطفل أثناء رعي الأغنام في قريته التابعة لمحافظة الحسكة، والتي كانت كغيرها من المناطق السوريّة مسرحاً للنّزاعات والحروب التي تركت وراءها الكثير من المخلفات الحربية، ليقوم بحملها واللّعب بها وضربها بالحجر ما أدّى إلى انفجارها وبتر قدميه بالإضافة لبعض الجروح والحروق في جسده.
أما المدعو( ح.ب) البالغ من (33) سنة يعمل في الرعي، عثر على لغم أرضي خلال في بادية القرية الواقعة في ريف دير الزور الشمالي والمليئة بالمخلّفات الحربيّة، ضرب اللغم بالحجر لكسره وإخراج المواد المتفجّرة في داخله ليستخدمها في صيد الأسماك، انفجر اللّغم على الفور وبتر إحدى قدميه.
على الرغم من خطورتها، يتخذ العديد من الأطفال مع ذويهم من جمع الخردة من مكبّات القمامة مهنة لهم يكسبون منها قوت يومهم، وذلك لاحتوائها على مخلّفات حربيّة يمكنهم إخراج النحاس منها وبيعه.عثر عدد من الأطفال في قرية في ريف ديرالزور على جسم غريب في مكب للنفايات، قاموا بضربه ما أدّى إلى انفجاره ومقتل أربعة منهم وبتر يد آخر.
صورة خاصة لأدوات تساعد في انفجار الألغام البدائيّة أو محليّة الصنع – تاريخ الصورة 6 كانون الثاني/يناير 2022
أرقام حول إصابات المخلفات الحربية:
بعد عشر سنوات من الصراع في سوريا بيّنت اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر[4] أن أكثر من (11) مليون شخص يعيشون خطر الإصابة بمخلّفات الحرب المتمثّلة بالألغام الأرضيّة وغيرها من الأجسام القابلة للانفجار، وأن مساحات واسعة من سوريا تحوّلت إلى حقول ألغام.
وفي تأكيد لما ذكرته اللّجنة ذكر تقرير صادر عن منظّمة العدالة من أجل الحياة حمل عنوان “أثمان الحرب الباهضة”[5] أنّ (20%) من إصابات الحرب التي وثّقتها المنظمة في محافظة ديرالزور فقط سببها انفجار ألغام أرضيّة. أشار تقرير للأمم المتحدة[6] “المدنيون هم الضحايا الرئيسيون للأسلحة، حيث يمثلون ثمانية من كل 10 ضحايا، ويشكّل الأطفال ما لا يقل عن نصف القتلى أو المشوّهين”.
صورة خاصة لبقايا ألغام متفجّرة – تاريخ الصورة 6 كانون الثاني/يناير 2022.
حيث تؤثر هذه الإصابات على القدرة على الحركة والوقوف واللعب والعمل،إضافة إلى التداعيات النفسيّة من اكتئاب وغضب متواصل، وأُخرى إقتصاديّة من فقدان فرص العمل وارتفاع تكاليف العلاج .
مناطق انتشار المخلّفات الحربيّة
تعد أبرز مناطق انتشار هذه المخلفات في شمال وشرق سوريا هي مدينة دير الزور وريفها الشرقي وخاصة مناطق (هجين، العشفة، السوسة، والباغوز) والتي شهدت حتى عام 2019 المعارك الأخيرة لطرد تنظيم الدولة، ومناطق مدينة الرقة وريفها وريف الحسكة. تعاني هذه المناطق من انتشار كثيف لهذه المخلفات الحربيّة والألغام. يلاحظ تواجد هذه الأجسام بكثرة على أطراف نهر الفرات وفي الآبار وبعض الأبنية المهجورة التي استخدمت مقار عسكريّة، والخنادق والجسور ومناطق العبور.
تشل الألغام شبكة الطرق وسبل الوصول إلى المواقع السياحيّة والإقتصادية الرئيسيّة بالإضافة إلى الحد من إمكانيّة الحصول على الإحتياجات الأساسيّة.
دور المنظمات والسلطات المحليّة
حملات عديدة يتم تنفيذها بهدف إزالة المخلّفات الحربيّة من وقت لآخر وتم اتخاذ خطوات فعليّة للحد من ظاهرة انتشارها وتقليل المخاطر التي يتعرض لها السكان المدنيون، تقوم السلطات المحليّ شمال وشرق سوريا والمنظمات العاملة في مجال التوعية وإزالة الألغام على نشر الوعي بين السكان عن كيفيّة التعامل مع هذه الذخائر والمخلفات والابتعاد عنها وعن أماكن تواجدها، بالإضافة إلى تجنب المناطق المهجورة والمواقع العسكرية.
أحد العاملين في منظمة Action For Humanity في شمال وشرق سوريا[7] يقول عن جهود المنظمات المحليّة والدوليّة في هذا الإطار”تقوم فرقنا الجوّالة بعمليات توعية للمدنيين المعرّضين لخطر هذه المخلّفات، من خلال نشر الوعي عن مخاطر هذه المخلفات وكيفيّة التعامل معها وأخذ الاحتياطات اللازمة والابتعاد عن أماكن تواجدها”.
ويضيف “تعمل فرق NTS[8] على عمليات مسح غير تقني ورسم الخرائط للمناطق الملوّثة، لتقوم فرق الإزالة فيما بعد بإزالة هذه المخلّفات عبر عمليّة المسح التقني، حيث يتم إتلافها وإزالتها بحرفيّة عالية ومهنيّة”.
إلا أنّ العديد من المصابين بانفجار هذه المخلّفات يشتكون من غياب الدعم الطبي باستثناء بعض المنظمات التي خصّصت جزءاً من عملها للعلاج الفيزيائي والنّفسي. وفق توثيق منظمة العدالة من أجل الحياة فإن (68%) من إصابات الحرب تحمّل علاجها ذوو المصاب، وذكرت المنظمة في تقرير بأن انتشار مخلفات الحرب تنذر بزيادة كبيرة في أعداد الإصابات، وأن ضعف الإمكانيّات الماليّة لمساعدة مصابي الحرب وقلّة عدد الأطباء المتخصّصين يزيد من عبئ الإصابات على المصاب وذويه[9]. عام 2003 اعتمد بروتوكول[10] بشأن المتفجرات من مخلّفات الحرب والذي دخل حيّز التنفيذ عام 2006 وأُلحق باتفاقيّة حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليديّة معيّنة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر[11].
[1] مخلفات الحرب القابلة للانفجار :الإرث القاتل للنزاعت المسلّحة الحديثة – اللّجنة الدوليّة للصليب الأحمر-تشرين الأول/أكمتوبر 2007.
[2] واجهت كاتبة المقال صعوبات في الوصول إلى الشهود بسبب الحالة الأمنيّة المتراجعة في مناطق شمال وشرق سوريا. طلب الشهود إخفاء معلوماتهم الشخصيّة.
[3] أجرت كاتبة المقال (4) مقابلات مباشرة مع شهود وذوي ضحايا في ناحية الصور وقرية البومصعة في ريف ديرالزور وبلدة تل تمرفي ريف الحسكة.
[4] اللجنة الدولية تدعو إلى إيجاد حل فعال لمشكلة التلوث بالأسلحة في سوريا – اللجة الدولية للصليب الأحمر- نيسان/أبريل 2021.
[5] أثمان الحرب الباهظة – منظمة العدالة من أجل الحياة – آذار/مارس 2021.
[6] عدد ضحايا الألغام الأرضية “مرتفع بشكل استثنائي” وسوريا وأفغانستان الأكثر تضرّراً – أخبار الأمم المتحدة – تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
https://news.un.org/ar/story/2021/11/1087222
[7] أجري اللقاء بشكل مباشر بتاريخ 1 شباط/فبراير 2022.
[8] فرق مختصة بإزالة الألغام تابعة لمنظمة Action For Humanity
[9] تقرير أثمان الحرب الباهظة.
[10] نص البروتوكول.
http://hrlibrary.umn.edu/arab/b206.html
[11] اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980 بشأن أسلحة تقليدية معيّنة.
https://www.icrc.org/ar/document/1980-convention-certain-conventional-weapons