نوران أحمد – دير الزور
“لم أذهب للمدرسة من قبل لكنها جميلة ، أمي أخبرتني بذلك ، وقالت لي أيضا بأن فيها الكثير من الألعاب”.
بهذه الكلمات يتحدث حسن، وهو طفل[1] نازح من بلدة “الخريطة” الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية ويقيم حالياً في مخيم “الحوايج” العشوائي في قرية “حوايج ذياب” منذ العام 2015، عن حلمه في ارتياد المدرسة يوماً ما وهو يقف أمام خيمته البالية في المخيّم، تقف إلى جانبه أخته الأصغر وهي تبتسم مؤيّدة كلامه.
يُعاني أهالي ديرالزور منذ ما يزيد عن عشرة أعوام من ويلات الحرب، الأمر الذي انعكس على جوانب حياتهم كافّة على اختلاف أعمارهم، فلا تكادُ تجد أحداً بمنأى عن تبعاتها، إلًا أنَّ الخاسر الأكبر فيها هُم الأطفال.
صورة خاصّة من مخيّم ” الحوايج ” العشوائي في قرية حوايج ذياب -ريف دير الزور
تاريخ الصورة 10 شباط/فبراير 2022
مخيّمات اللجوء في دير الزور
تتوّزع المخيّمات في عدد من مناطق ديرالزور، منها ما افتتحتهُ الإدارة الذاتيّة وبقي تحت إشرافها مثل مخيّم “أبو خشب”، وتقدّم منظّمات مجتمع مدني المساعدات الطبيّة وخدمات التعليم والدّعم النفسي فيها لمختلف الفئات العمريّة، ومنها ماهو عشوائي وهو العدد الاكبر من المخيّمات، ويُقصَد بالمخيّم العشوائي هو تجمّع لعدد من العائلات النازحة من مناطق مختلفة، وهي مخيّمات غير رسميّة ولا تشرف السّلطة المحليّة عليها بشكل مباشر، كمخيم “المقبرة” الواقع بين قرية “جزرة البوحميد” وقرية “جزرة الميلاج”، ومخيم “الحوايج” ومخيّم “محيميدة” الواقع في قرية “محيميدة” في ريف ديرالزور الغربي، ومخيم “العتّال” الواقع على أطراف بلدة “الشحيل” ومخيم “الشحيل” ومخيّم”والصبحة” في بلدتي “الشحيل” و”الصبحة” شرقي دير الزور.
صورة خاصة من مخيم ” الحوايج ” العشوائي في قرية حوايج ذياب – ريف دير الزور
تاريخ الصورة 15 آذار/مارس 2022
استجابة جزئيّة لاحتياجات الطلّاب في المخيّمات العشوائيّة
يلقى الدّعم المقدّم من منظمات المجتمع المدني لقطاع التعليم[2] اهتماماً كبيراً من قبل الأهالي، ومَردُّ ذلك إلى الانقطاع الطويل للطلاب عن التعليم خلال سنوات الحرب، وما يعانيه هذا القطاع من تحدّيات في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في ديرالزور، إضافة إلى دعم القطاعات المعيشيّة والخدمات التي يتم تقديمها للمخيمات العشوائية منها والرسمية.
تتحدث[3] حسنة المقيمة في مخيّم “الحوايج” والقادمة من مناطق السيطرة الحكوميّة و البالغة من العمر (43) عاماً ولديها ثمانية أطفال عن هذه الخدمات “تقوم منظمة (الناس بحاجة) بتقديم خدمات التعليم للأطفال ضمن المخيّم، بالإضافة لمدرسة للإدارة الذاتية القريبة من تجمع بعض الخيام حيث أرسل البعض أبناءَهم إليها، يتلقى الأطفال كل ما يحتاجون إلا أنّ ما يقدّم يستجيب لبعض الاحتياجات وليس كلها”.
أطفالُ مخيّم “محيميدة” الذي يبعد عدة كيلو مترات عن مخيّم “الحوايج” كان لهم نصيبٌ أيضاً من الخدمات التعليميّة من قِبَلِ بعضِ المنظّمات، يتحدث عنها أبو أسعد (44) عاماً المقيم في مخيّم “محيميدة” منذ العام 2015 والقادم من بلدة “الشولا” الخاضة لسيطرة القوات الحكوميّة السوريّة ولديه خمسة أطفال: “أنا أرسل ثلاثةً من أولادي ليتعلموا في مركزٍ تعليميٍّ لمنظمةِ مجتمعٍ مدني محليّة، لا أريد لهذه الحرب أن تسلُبهم حقهم في التعليم”.
أما الطفل عبد الله البالغُ من العمر (13) عاماً يقول عن تجربته في المركز التعليميّ في المخيّم “لقد تعلمت القراءة والحساب في مركز التعليم، المركز جيد، وقدموا لي كل ما أحتاجه من كتب ودفاتر وأقلام، وإخوتي الصغار قدّموا لهم كذلك الأمر، بالإضافة للألعاب والمسابقات والنشاطات التي نفرح جميعا حين نشارك فيها”
الخدمات المقدّمة من منظّمات المجتمع المدني للتعليم في المخيّمات العشوائيّة
يتحدث أحد مسؤولي منظمة “People in Need” عن الخَدمات المقدّمة للأطفال في مخيم “حوايج ذياب” العشوائي: “عَمِلت منظمة “People in Need” على إنشاء مركزٍ تعليميٍّ ودعمٍ نفسي في المخيم، ونستهدف في هذا المركز الفئات العمرية من (6) إلى (17) عاماً ذكوراً وإناثاً ممن لم يتمكنوا من الالتحاق بمدارس التربية، نعمل على برنامج محو أميّة بتدريس مادتين أساسيتين (قراءة وحساب) وإعادة دمجهم بمدارس التربية ليتمكّنوا فيما بعد من متابعة تعليمهم ومواكبة مراحل التعليم المناسبة لأعمارهم، كما نقدم أنشطة هي القراءة والحساب والتعلّم العاطفي والِاجتماعي”.
أيضا يتحدث أحد المسؤولين في منظمة “دان” عن النشاطات والخدمات التي يقدمونها لأطفال مخيم “محيميدة” العشوائي فيقول: “منذ سنتين نستهدف المخيّم بالتعليم الّذي يكون على نوعين، التعليم الرسمي الذي يستهدف كلّ من تتراوح أعمارهم بين (6) و(8) سنوات، وبرنامج للتعليم المسرّع[4] للأعمار التي تتراوح بين (9) و(14) سنة، ونقدم ضمن كل دورة تعليمية قرطاسية و حقيبة مدرسية ومناهج ونقوم بإجراء تقييمات قبليّة وبعديّة للأطفال لقياس مدى التعلم لكل طفل، أما التعليم المُسرَّع فهو مستويات تنتهي بالمستوى الخامس المؤهل للشهادة الإعدادية، ونعمل ضمن منهاج اليونيسف (UNICEF) مع مراعاتنا لوسائلِ الحمايةِ الشخصية من معقماتٍ وكِمَاماتٍ في المركز التعليمي المُؤهَّل من حيث المقاعد والكراسي للأطفال وألواح و وسائل تعليمية حديثة”
صورة خاصة من مخيّم “الحوايج” العشوائي في قرية “حوايج ذياب” ريف ديرالزور
تاريخ 15 آذار/مارس 2022
دعم غير مستمر للمخيّمات العشوائيّة
تَختبئُ وراءَ الخيام العشوائيّة المتناثرة في المخيم العديد من الصعوبات والتحديّات التي يعاني منها قاطِنوها وخاصّة الأطفال.
تتحدث هناء (27) عاماً (اسم مستعار)، أم لثلاثة أطفال ومتواجدة في مخيّم “محيميدة” نازحة من بلدة “الشولا”عن حالة ابنتها “ابنتي الكبرى البالغة (7) سنوات كانت تخاف كثيرا وتعاني الخجل، وتكره ان تلعب مع من هم في عمرها، إلا أنه بعد تواصل بعض مسؤولي الدعم النفسي الذين يزورون المخيم بشكل مستمر فإن هذا الحاجز بدأ يزول تدريجيّا”.
لا تقتصر حاجات المخيّمات العشوائيّة في دير الزور على الخدمات التعليميّة فحسب بل تمتد إلى الأوضاع المعيشيّة الصعبة وقلّة الرعاية الصحيّة. يقول محمد.ج (36) عاماً نازح من بلدة التّبني ويقيم في مخيم “الحوايج” منذ عام 2015 أب لأربعة أطفال في حديثه عن ظروف المخيم “لم نتلقَ دعماً كافياً، كانت منظمة الكونسيرن تقدم لنا بعض الدعم لكنها منذ أربعة أشهر اقتصرت على تقديم الماء فقط”.
إضافة للخدمات في القطاع التعليمي تُقدّم منظمة “دان” خدمات الحماية لمخيّمي “الحوايج” و”محيميدة”، تشمل هذه الخدمات التوعية وإدارة الحالة للأطفال المعنّفين والذين يتعرضون للإساءة على مختلف أنواعها، بالإضافة لبرامج دَعمٍ نَفسي اِجتماعي على حدّ قول المسؤولِ في هذه المنظمة.
تشير العديد من تقاريرِ [5]الأمم المتّحدة باستمرار إلى سوء الأوضاعِ المعيشيّة التي يعيشها سكان المخيّمات، هذه الخيام المتناثرة والّتي يعيش بداخِلِها جيلٌ بأكمَلِهِ يترعرَعُ في بيئةٍ هشّة، يُصارعُ البرد والحرّ والجوعَ والّجهل، هذا الجيل الّذي يُعوّل عليه أن يبني هذا الوطن من جديد.
[1] كافة المقابلات مع الأطفال تمّت بعد أن شرحت كاتبة المقال الهدف من المقابلة بشكل مفصّل، وحصلت على موافقة ذوي الأطفال إضافة إلى حضور أحد أولياء الطفل للمقابلة.
[2] إضراب المعلمين فيديرالزور الأسباب وأهم التوصيات، منظمة العدالة من أجل الحياة ، أيار/مايو 2022.
[3] كافة المقابلات أجريت في النصف الأول من شهر آذار/مارس 2022، باستثناء المقابلة مع ممنظمة “الناس بحاجة” التي أُجريت عن طريق برنامج “الواتس آب” فإن كافة المقابلات أُجريت بشكل شخصي.
[4] استمرار برنامج “التعليم المسّرع” بمحيميدة غربي ديرالزور – دان للإغاثة والتنمية – آذار/مارس 2022.
استمرار برنامج “التعليم المُسرّع” بمحيميدة غربي دير الزور – دان للإغاثة والتنمية (dan–ngo.org)
[5] سوريا: أوضاع مزرية يمر بها المدنيون وخاصة النازحون في شمال البلاد، شرقاً وغرباً – أخبار الأمم المتحدّة
سوريا: أوضاع مزرية يمر بها المدنيون وخاصة النازحون في شمال البلاد، شرقا وغربا | أخبار الأمم المتحدة (un.org)