شهد المحمد – دير الزور
جمانة (اسم مستعار) امرأة تعيش في إحدى قرى دير الزور في العقد الثالث من عمرها، تعيش مع أسرتها المكونة من أمها وأخوتها الأربعة وزوجاتهم وأطفالهم، كانت حياتها بائسة وبدون طموح، بل وكانت مصادرة الرأي وجل ما تعرفه هو الأعمال المنزلية فقط فهي لم تتابع تعليمها بعد أن حرمها والدها وهي صغيرة من الذهاب الى المدرسة بحجة أن مصير المرأة هو في بيت زوجها ولن تنفعها الدراسة ولا العمل.
كرّست جمانة حياتها للعمل في المنزل وخدمة أخوتها وعائلاتهم كما أن الحظ لم يحالفها لتتزوج فكانت هي المسؤولة عن الأعمال الشاقة في المنزل كتربية المواشي والزراعة والحصاد في الأرض وبالتأكيد حالها كحال العديد من النساء.
تحكي جمانة قصتها قائلة: “أنهيت عملي الاعتيادي الشاق مع المواشي ودخلت للمنزل لأتفاجأ بأخوتي يتناقشون بموضوع ميراث العائلة وآلية تقاسم ما تركه لنا أبي، حيث سمعت أخي الأصغر يتساءل عن حصتي وهل سأحصل على حصة من الميراث!”.
ليأتي الرد بالنفي القطعي من الأم “ستقتسمون الميراث أنتم الأربعة فقط أما جمانة فلن تحصل على شيء لأنها غير متزوجة ولا يوجد لديها عائلة أو أطفال ومسؤولية، كما أنها امرأة والمرأة لا ترث من أهلها بحكم عاداتنا وتقاليدنا!”.
تكمل جمانة كيف اتخذت موقفاً حاسماً تجاه حقها في الميراث “رويت ما حدث معي لصديقتي والتي كانت ممن حالفهن الحظ بإكمال تعليمهن و تعمل كموظفة في إحدى الدوائر الرسمية، فأخبرتني بأن لي حق مثلي مثل أخوتي وشجعتني على أن أطالب بحقي، حسمت أمري وقررت عدم التراجع حتى الحصول على كامل حقي من الميراث على الرغم من شعوري الدائم بالخوف من نظرة المجتمع وأهل القرية لي لأنه كان من غير المعتاد أن تقاسم المرأة أخوتها في الميراث”.
تكمل السيدة جمانة:” لم أتردد وأخبرت أخوتي بأني أملك الحق في الميراث وأن القانون والشرع يضمنان لي هذا الحق، رفض أخوتي مطلبي وأيدتهم أمي بذلك فهي ترى أن الأمر مخجل ومخزي عندما تطالب الأخت بحصتها من ميراث أهلها”.
أصرت جمانة على الاستمرار في طريق المطالبة بحقها والحديث مع أخوتها ووالدتها وفي ذلك تقول: “بعد جدال طويل وعندما تيقنت عائلتي بأنني مصرة على المضي قدماً للحصول على حقي من الميراث تقبلوا الأمر وأخبروني بأني سوف أحصل على حقي كاملاً وحسب الشرع، أحسست بأنني إنسانة ولي حقوق ورأي وقادرة على الدفاع عن نفسي عند سلب حق من حقوقي، كما أنني لا أريد أن يصل الأمر بيني وبين أخوتي الى المحاكم لأنني حينها سأصبح حديث الناس في القرية”.
وبعد أيام حضر لمنزل عائلة جمانة رجل بزّي رسمي ليقوم بالإجراءات القانونية اللازمة لحصول جمانة وأخوتها على حقهم في الميراث:” أخبرني أخي أنه المحامي وسوف يقوم بالإجراءات اللازمة لضمان حصولي على كامل حقوقي وبشكل نهائي وقانوني، أعطاني المحامي أوراق وطلب مني أن أبصم عليها وكان ذلك بحضور أخوتي جميعهم، وباعتباري لم أكمل تعليمي من الصغر فلم أكن قادرة على الكتابة والقراءة فبصمت على الأوراق دون معرفة ما هو مضمونها وكان وقتها يغمرني شعور بالسعادة لتنقلب تلك السعادة وتصبح شعور بالخذلان بعد أن تبين لي أنني تنازلت عن حقي من الميراث لصالح أخوتي الذين لم أكن أعرف ما كانوا يخططون له ولم أكن أتوقع منهم هذا الظلم والخداع والمحزن أيضاً أن أمي كانت شريكة معهم في هذه القصة وللأسف لم يكن بوسعي أن أفعل شيئاً إلا أني رضخت للأمر الواقع”.
” أنا رضخت للأمر الواقع وظلمت من أهلي، أنصح كل الفتيات أن يكملن تعليمهن لأنه الأساس وأن لا يسكتن عن حقوقهن الصغيرة قبل الكبيرة حتى لا يتعرضن لنفس الظلم الذي واجهته، وأقول لكل من له تأثير في مجتمعنا إن للنساء الحق في الميراث شرعاً وقانوناً ويجب الالتزام به”.
تُظهر قصة جمانة أن الحصول على الحق في القانون وردع من يحاول خداع النساء غير المتعلمات ليس مهمة سهلة، لكنها ضرورية تحتاج لإجراءات صارمة تضمن حقوق النساء في الميراث كما أن إصرار جمانة على المطالبة بميراثها هو مصدر إلهام لجميع النساء اللواتي حُرِمنَ من حقوقهن بسبب الأعراف المحية.