عبد الله الخلف
لم يكن صالح “42 سنة، من الرقة” على علم بالقرار الذي أصدرته الإدارة الذاتية قبل عام بعدم استلام محصول الذرة الصفراء من المزارعين. صالح مثل جميع المزارعين في المنطقة الذين زرعوا أراضيهم بالذرة وتكبدوا خسائر فادحة بسبب القرار المفاجئ.
يقول صالح: “تعرضنا لخسائر كبيرة، لم يقولوا لنا مسبقاً أنهم لن يشتروا المحصول، قبلها بعام اشتروا المحصول بأسعار جيدة، ولكن تفاجئنا برفضهم استلام المحصول لعام 2022، ووقعنا ضحية لاستغلال التجار وبعنا المحصول بأرخص الأسعار”.
ويردف صالح بأنه يجب على الإدارة ألا تتخذ قراراتها بمفردها دون علم المزارعين، ويضيف “لا توجد مشاركة بالقرارات، لا أحد يأخذ رأي الفلاحين أو يعلمهم بالقرارات التي ستصدر، لا يوجد من يمثلنا لكي نكون مشاركين في رسم السياسات العامة للزراعة في البلاد”.
حـــق ضــائـــع..
“لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرةً وإما بواسطة ممثلين يُختارون في حرية”. هذا هو نص الفقرة (1) من المادة (21) الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
حق المشاركة العامة والذي سعى السوريون لتحقيقه منذ بداية الحراك في ربيع عام 2011، واعتقل وعُذّب وهُجّر وقُتل الكثيرون لمطالبتهم به، ما يزال صعب التحقيق في الوقت الحالي، في مختلف مناطق السيطرة على الأرض السورية، وفقاً لتقارير منظمات حقوقية.
تحكم “الإدارة الذاتية” مناطق شمال شرق سوريا، ورغم الوعود بتحقيق الديمقراطية وإتاحة المشاركة للجميع عبر الانتخابات، لم يتم ذلك إلى اليوم، ويرى ياسر الخلوف وهو ناشط مدني من الرقة، أن المشاركة العامة والسياسية ليست متاحة في الوقت الحالي بالمنطقة.
يستدرك بأنها قد تكون موجودة في بعض النواحي البسيطة مثل اختيار “كومين” للحي أو القرية، وحتى هذه الأمور متباينة حسب رأيه والمشاركة ليست متاحة فيها دائماً، ويكمل “ولكن المشاركة غير موجودة بإصدار وصياغة القرارات الرئيسية، وكيفية تأثيرها على المجتمع والحياة العامة، لا توجد في الوقت الحالي مشاركة فاعلة لكافة فئات المجتمع في مناطق شمال شرق سوريا”.
غياب المشاركة والفئات الأكثر تهميشاً..
يؤثر عدم إتاحة الحق في المشاركة على مختلف شرائح المجتمع، وبشكل خاص الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة؛ حيث يرى حسين “30 سنة، من دير الزور” أن عدم مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة باتخاذ القرارات التي تؤثر بشكل مباشر على حياتهم أدى لمفاقمة الصعوبات التي يعانون منها.
يطالب حسين بضرورة وجود تمثيل لفئة الأشخاص ذوي الإعاقة وجميع فئات المجتمع في المجالس التشريعية التابعة للإدارة الذاتية للمشاركة للمساهمة في رسم السياسات العامة، ويتابع “لا يوجد قانون في مناطق الإدارة الذاتية للأشخاص ذوي الإعاقة، الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقات الدولية لا يتم العمل عليها هنا، لذا من الضروري أن تكون هناك مشاركة لنا”.
عقد اجتماعي وانتخابات!
في عام 2021 شكّلت الإدارة الذاتية لجنة مؤلفة من أعضاء من الإدارة نفسها وممثلين عن أحزاب سياسية في المنطقة وشخصيات مستقلة لتعديل مسودة العقد الاجتماعي، والذي يعد بمثابة دستور للمنطقة، قبل البدء بانتخابات محلية.
ولكن لم يتم إلى الآن إصدار العقد الاجتماعي، والذي يفترض أن جميع فئات وشرائح المجتمع قد شاركت في إعداده وتم عرضه عليها، وعن العقد الاجتماعي يقول الناشط ياسر: “نحن نسمع عنه منذ سنتين وأكثر، ولكن هو برأيي عبارة عن ورقة ضغط تستخدمها الإدارة عندما تكون هناك مفاوضات مع جهة ما، ولكن هل شاركت جميع أفراد المجتمع في هذا العقد؟ الجواب لا، هم يختارون من يشاركون فيه بشكل عشوائي، ولا أحد يعرف أين وصلت الأمور بالعقد الاجتماعي، ومتى سيتم الانتهاء منه”.
ويشير ياسر إلى أنه تم عقد لقاء مؤخراً بين نشطاء ومسؤولين في الإدارة الذاتية لمناقشة القضايا السياسية والخدمية في المنطقة، وتم التطرق خلال اللقاء إلى حق المشاركة، ويقول: “تناقشنا مع أحد المسؤولين الكبار في الإدارة، الذي وعد بإجراء انتخابات محلية وسياسية في الفترة المقبلة، ولكن لم يحدد تفاصيل عن زمانها وكيفية إجراءها، ونحن بالانتظار، نتمنى أن يحدث ذلك قريباً”.
سعي للوصول إلى حق المشاركة..
ناشطون ومنظمات مجتمع مدني مستقلة في شمال شرق سوريا يسعون للوصول إلى حق المشاركة العامة، عبر مشاريع ومبادرات تقوم هذه المنظمات بتنفيذها؛ جلال الحمد المدير التنفيذي لمنظمة العدالة من أجل الحياة، قال إن أحد الأهداف الاستراتيجية للمنظمة هو تعزيز الحق بالمشاركة بالشأن العام لمختلف الفئات الاجتماعية، وخاصةً الفئات الأكثر تهميشاً مثل النساء واليافعين والأشخاص ذوي الإعاقة.
ويضيف بأن المنظمة عملت على عدة مشاريع، “المشروع الأول هو لجنة الحوار والمشاركة المجتمعية، والتي تأسست عام 2019، وتضم مجموعة شخصيات فاعلة في دير الزور، والهدف من اللجنة هو العمل على إشراك أكبر قدر ممكن من الأهالي في النقاشات العامة، وتم عقد عدد كبير جداً من الحوارات والتدريبات”.
ويستكمل “المشروع الثاني هو بيت دير الزور لحقوق الإنسان والديمقراطية، والذي يركّز على إفساح المجال للنساء والشباب واليافعين للتعبير عن آرائهم والدفاع عن حقوقهم، عن طريق نقاشات ومقالات يتم نشرها عبر موقع المنظمة”.
من جانبها تعمل منظمة إمباكت على مشروع “إصلاح الحكم المحلي والثقة العامة” في مناطق شمال شرق سوريا، والذي تضمن تأسيس لجنة المشاركة والشفافية العامة، والتي تضم خبراء محليين ونشطاء مدنيين من مختلف مناطق شمال شرق سوريا.
يهدف المشروع إلى تعزيز نهج المشاركة المجتمعية في السياسات العامة عن طريق إجراء تدريبات لأعضاء اللجنة عن المشاركة، ومن بعدها عقد لقاءات مع الإدارة الذاتية للمشاركة في رسم السياسات واتخاذ القرارات، وفقاً لـ برزان عزم منسق برنامج الحوكمة في منظمة إمباكت.
ويقول برزان: “حالياً نستهدف السياسات الزراعية، من خلال السعي للمشاركة بقرارات الإدارة المتعلقة بالزراعة، وتم تقديم مجموعة من التوصيات والرسائل لأصحاب القرار بخصوص زراعة القطن، كما تم تنفيذ فعاليات حوارية ولقاءات شملت جميع أصحاب المصلحة المحليين، وممثلين عن السلطات، لتعزيز المشاركة باتخاذ القرارات، وبالفعل انعكس ذلك على بعض القرارات التي تم اتخاذها”.
ويرى أحد أعضاء اللجنة الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن المشروع كان جيداً وساهم بفتح نافذة ولو كانت صغيرة في جدار مصادرة حق المشاركة العامة حسب تعبيره، ويقول: “من خلال اللقاءات مع السلطات، والتوصيات التي رأينا كيف تحققت وهي بالأساس توصيات من فلاحين وأصحاب مصلحة رئيسيين من الأهالي، شعرنا أنه هناك أمل، ولو كانت البداية من الزراعة، فـ هي خطوة جيدة جداً، نأمل أن يتم المضي قدماً للوصول إلى الديمقراطية التي نسعى إليها”.
“إرادة الشعب هي مناطُ سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت”، الفقرة (3) من المادة (21) في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.