تشهد مناطق سيطرة قوّات سوريا الديمقراطيّة في محافظة دير الزور نزاعات يوميّة في ظل الحالة الاقتصاديّة المترديّة وضعف الخدمات وعدم الاستقرار الأمني، هذه الأخيرة تختلف من منطقة إلى أُخرى حيث تتحسّن في الريف الغربي مثل ناحية الكسرة. تعمل القوى الأمنيّة على التخفيف من الانفلات الأمني الذي تشهده مناطق المحافظة إلّا أنّ الجهود المبذولة لم تنعكس نتائجها حتى الآن.
تتعدّد أسباب النّزاعات في المحافظة كما ظهرت أسباب جديدة بعد العام 2011. يمكن تقسيم الأسباب إلى: ماديّة، تنافس عشائري، خلافات سياسيّة وإيدلوجية، نزاع على الموارد المائيّة والأراضي الزراعيّة والموارد النّفطيّة، النّزاع على إدارة الدعم المقدّم من منظّمات المجتمع المدني، الاتجار بالمخدّرات، النّقص الحاد في الخدمات، النّزاعات بين المقيمين والنّازحين، النّزاعات التي سبّبتها انتهاكات القوى التي تعاقبت على السيطرة على المحافظة.
النّزاعات التي تشهدها المنطقة نوعان من حيث إمكانيّة حلها:1- معقّدة ويستغرق حلّها وقتاً طويلاً ومنها القتل والثّأر، الخطف، النّزاعات على الإرث وإدارة الموارد النّفطيّة وملكيّة الأراضي الزراعيّة والعقارات إذا تعدّد أطرافها، قضايا الشّرف، الانتهاكات التي ارتكبها عناصر محليّون من تنظيم الدولة، النّزاعات بين الأهالي والسّلطات المحليّة.2- قابلة للحل: ومنها النّزاعات الماليّة، النّزاعات العائليّة المتعلّقة بالزواج والطلاق والمهور، النّزاعات التّجاريّة، النّزاعات على رَي الأراضي الزراعيّة، الميراث، حوادث السّير.
أكثر الجهات القائمة على جهود الوساطة في النّزاعات المحليّة هم زعماء، ووجهاء العشائر، وأئمّة المساجد، والمثقّفين. بعد العام 2011 ظهرت جهات جديدة كمجالس العشائر ولجان للصّلح، لجان شرعيّة، مجموعات شبابيّة، أصحاب رؤوس الأموال، قادة أمنيين وعسكريين وشخصيّات مدنيّة تعمل في مؤسّسات الإدارة الذاتيّة أو مقرّبة منها. تضاف منظّمات المجتمع المدني إلى هذه الجهات والتي بدورها تقدّم الخدمات والمساعدات الإنسانيّة وتساعد في حل النّزاعات الناشئة عن ذلك، وتوظّف علاقاتها وخبرات كوادرها ومواردها الماليّة في دعم مسارات الحوار المحليّة.
تواجه الأطراف النّاشطة في حل النّزاعات المحليّة تحديات عديدة أبرزها: الفوضى الأمنيّة، عدم توفير الدعم لجهودها من قبل السّلطات المحليّة، العصبيّة القبليّة وانتشار حمل السّلاح، ضعف الثّقة بمؤسّسات الإدارة الذاتيّة خاصّة المحاكم فضلاً عن الفساد المستشري في هذه المؤسّسات.
اعتمدت الورقة البحثيّة أداة بحثيّة وحيدة وهي مقابلات مع أشخاص مفتاحين في بلدتي الكسرة في الريف الغربي وهجين في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور. تم اختيار هذه الأداة بالتحديد لأن الهدف هو معرفة مشكلات محدّدة مع كافة تفاصيلها وهذا لا يلبيه إلّا أشخاص ذوو معرفة واسعة في المنطقة. بناءً على خبرة المنظّمة في العمل البحثي الخاص بالبنية المجتمعيّة واستخدامها لمعظم الأدوات البحثيّة، صمّمت المنظّمة الأداة الخاصّة بالمقابلات مع الأشخاص المفتاحيين بالاعتماد على هدف التقييم والمتمثّل بالبحث في أسباب النّزاع الأكثر شيوعاً والتي أدّت إلى نزاعات محلّية.
استمرت عملية التقييم ابتداء من تطوير الأداة ومروراً بجمع البيانات وتحليلها والخروج بالنتائج والانطباعات والميول المجتمعية وعكسها في التقرير فترة زمنيّة امتدت من بداية شهر شباط/فبراير 2021 وحتى نهاية شهر حزيران/يونيو 2021 في بلدتي الكسرة وهجين في ريف دير الزور.
توصي منظّمة العدالة من أجل الحياة بالعمل على مسارين: الأوّل طارئ يعمل على حل النّزاعات القائمة بمساهمة القوى المجتمعيّة المؤثّرة، أمّا الثاني فهو وقائي يهدف إلى التقليل من عدد وحدّة النّزاعات وهذا يتطلّب تحسين الحالة الأمنيّة وتعزيز المشاركة المحلية في صنع القرار وتطوير عمل مؤسّسات الإدارة وعلى رأسها المحاكم.
الأهميّة:
تأتي الورقة في ظل زيادة وتيرة العنف في مختلف المناطق التي شملتها الورقة في دير الزور لتوضّح دوافع النّزاعات وأنواعها وتضع توصيات لأطراف ذات تأثير حول التّدخل بالاعتماد على إمكانيّات كل طرف ومسؤوليّاته. تسلّط الورقة الضوء على الأسباب القريبة والبعيدة للنّزاعات وتدعو إلى التعامل مع مختلف الأسباب وتظهر القصور الذي يعتري الجهود المنصبّة على الأسباب المباشرة فقط، ترى الورقة في إيجاد آليّات للتعامل مع مختلف الأسباب مدخلّاً لا بد منه للتقليل من النّزاعات والتضييق من تداعياتها.
المشاركون في الورقة يكسبونها أهميّة إضافيّة حيث إنّهم أشخاص على اطلاع مباشر وتفصيلي على النّزاعات في مناطقهم، حيث إنّ مقابلات منطقة الكسرة نفّذها أعضاء لجنة السّلام المجتمعي التي تشكّلت بدعم من منظّمة العدالة من أجل الحياة، وفي منطقة هجين نفّذ المقابلات نشطاء ذوي خبرة وحضور مجتمعي وهو ما أعطى النقاشات حول النّزاعات المحليّة عمقاً إضافيّاً.
سيتم نقاش نتائج الورقة وتوصياتها وما تضمنته من معلومات خاصة النّزاعات المتكّررة في جلسات نقاشيّة يقودها أعضاء لجنة السلام آنفة الذّكر للحديث عن سبب تكرار هذه النّزاعات وأفضل سبل التّدخّل.
تتوقّع منظمة العدالة من أجل الحياة في نهاية النّقاشات وضع آليات واقتراحات تدخّل مبنيّة على نتائج هذه الورقة ومخرجات الجلسات الحواريّة.
الهدف:
تأتي هذه الورقة في إطار التعاون بين منظّمة العدالة من أجل الحياة (JFL) ومعهد صحافة الحرب والسلم (IWPR) في مشروع تعزيز المشاركة المحليّة في صنع القرار بما في ذلك جهود بناء السلام والمصالحة المحليّة وتحقيق الاستقرار، وذلك دعماً للجهود المحليّة في تعزيز التعايش والتفاهم بين مختلف الأطراف والمكوّنات المحليّة في دير الزور.
تبحث الورقة في أسباب النّزاعات التي تشهدها محافظة دير الزور ودوافعها والجهات الأكثر انخراطاً في حلّها، كما تظهر الورقة التحديات التي تعّقد مساعي الحل وطرق التّغلب عليها. توضّح الورقة تأثير الحالة الاقتصاديّة والأمنيّة الحاليّة على المجتمع المحلّي ودورها في زيادة النّزاعات بين الأفراد والمجموعات المحليّة. تبيّن الورقة أنواع النّزاعات الأكثر تكراراً في محافظة دير الزور بناء على إجابات الأشخاص المفتاحيين وما أوردوه من أمثلة عن نزاعات في مناطق تواجدهم. تفرّق الورقة بين النّزاعات القابلة للحل وأُخرى صعبة الحل وذلك بتبيان الظروف والعوامل التي تعقّد من نزاع ما أو تسهّل التعامل معه.
تركّز الورقة على دور منظّمات المجتمع المدني العاملة في محافظة دير الزور في المساهمة في حل النّزاعات وكيف يمكن الاستفادة من موارد هذه المنظّمات الماليّة والبشريّة لتحقيق ذلك. تجيب الورقة على التساؤل التالي: هل باتت منظّمات المجتمع المدني طرفاً قادراً على التّدخل وإرساء السلم الأهلي؟ أم أن حداثة عملها ودورها في المنطقة يحتّم عليها بذل المزيد من الجهود لإقناع المجتمع المحلي وباقي الأطراف الفاعلة بهذا الدور؟
تُضمّن الورقة توصيات الأشخاص المفتاحيين الذين قابلهم فريق منظّمة العدالة من أجل الحياة، وقد أجابت التوصيات بشكل واضح عن الأطراف المفضلين محليّاً ويتمتعون بالثقة في جهود الوساطة، وبيّن المشاركون في توصياتهم ضرورات التدخّل والسلبيّات التي تنعكس على المجتمع في حال تعطّل الوساطات الهادفة لحل النّزاعات.
لقراءة الورقة البحثيّة: Conflicts in Deir Ezzor