فرحان المحمد – دير الزور
“مرت عشرة سنواتٍ على الحادثة، مازلت أشعر بالحزن لترك دراستي والاختصاص الذي كنت أحلم أن أصل له وتعبت من أجله، بسبب رصاصةٍ كانت ناتجةً عن فرح أحدهم لكنها السبب في أخذ أحلامي مني”.
هكذا قال أحمد (اسم مستعار) وهو شابٌ مقيم في الريف الغربي بدير الزور، عمره 30 عاماً، أصيب برصاصةٍ طائشةٍ في كتفه خلال الاحتفال بأحد الأعراس في المنطقة، تسببت الرصاصة بأضرارٍ في أربطة كتفه أدت إلى إعاقة جزئية في يده اليمنى.
انتشر السلاح العشوائي في المنطقة بشكلٍ كبيرٍ بعد الحرب، وهذه الظاهرة تعتبر تهديداً كبيراً على أفراد المجتمع، حيث أصبح من السهل الحصول على سلاحٍ دون ترخيص في ظل ضعف القبضة الأمنية، خلف انتشارها العديد من الآثار السلبية منها انتشار العنف وازدياد حالات الوفاة وحالات الإعاقة بسبب الرصاص العشوائي، وعدم شعور أفراد المجتمع بالأمان والقلق حتى في الأعراس والأفراح بسبب استخدام السلاح والخوف من الرصاص العشوائي.
تنص المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه لكلِّ فردٍ الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
كما تؤكد معاهدة تجارة الأسلحة الحق السيادي لأي دولة في تنظيم ومراقبة الأسلحة التقليدية داخل الإقليم التابع لها، وتقر بأن التنمية والسلام والامن وحقوق الانسان امور مترابط يعزز كل منها الاخر. لم توقع سوريا على هذه المعاهدة، ولكن القوانين السورية تضبط استخدام السلاح برخص قانونية، وتفرض أسباباً صارمة على حمل السلاح، الأمر الذي لا يتم التقيد به بسبب حالة الفلتان الأمني العامة في البلاد.
قابلنا أحمد (اسم مستعار) وهو شابٌ يعمل معلماً للمرحلة الابتدائية، يقول أحمد: “منذ عشر سنواتٍ كنت جالساً أمام منزلنا مع أصدقائي وفجأة أحسست بألمٍ في كتفي الأيمن وإذ بها رصاصةُ استقرت في كتفي، تم إسعافي فوراً إلى المستشفى الميداني في قرية الكسرة وإخراج الرصاصة، ذهبت إلى عدة أطباءٍ للاطمئنان عن وضعي الصحي تبين بعد المعاينة والصور أن أربطة الكتف تأذت وتمزقت بشكلٍ كبيرٍ وأنني بحاجةٍ إلى عملٍ جراحي، أجريت بعد فترةٍ قليلةٍ عملية في مدينة الميادين، و بعد مدةٍ ذهبت للمعاينة بسبب شعوري بألمٍ شديدٍ أخبرني الطبيب أن العملية لم تتم بالشكل المطلوب، خضعت بعدها لعملياتٍ جراحيةٍ خلال عدة سنوات لكن لم يكن هناك فائدةُ منها، و بقي وضع يدي كما هو وفقدت الأمل وتوقفت عن البحث عن علاجٍ، وأكتفي الآن بأخذ مسكناتٍ عند الحاجة، أنا الآن لا استطيع رفع يدي كثيراً أو تحريكها كما أٌريد، كان سبب الإصابة رصاصةُ طائشةُ من أحد الأعراس في المنطقة لكن لم نستطع معرفة من هو الشخص الذي أطلق النار كون العديد من الأشخاص كانوا يطلقون النار بشكل عشوائي، أثرت إصابتي عليَّ بشكلٍ كبيرٍ فقد أنهت دراستي كنت حينها طالبُ في السنة الثانية في كلية هندسة العمارة وبهذا الفرع أحتاج يدي كثيراً، حاولت أن أٌكمل لكن كان ذلك صعباً علي بسبب عدم تحكمي بيدي بالشكل المطلوب، بعد عدة سنوات من إصابتي توجهت للعمل بقطاع التعليم وأصبحت معلماً لطلاب المرحلة الابتدائية إلى هذا اليوم، بعد عشرة سنواتٍ من الحادثة أشعر بمشاعر الحزن نفسها عندما اضطررت لترك دراستي والاختصاص الذي كنت أحلم أن أصل له وتعبت من أجله بسبب رصاصةٍ كانت ناتجةً عن فرح أحدهم لكنها كانت السبب في أخذ أحلامي مني”
بحسب تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان ارتفع عدد الاقتتال نتيجة الأخذ بالثأر والاشتباكات العائلية والعشائرية وفوضى انتشار السلاح بشكل عشوائي بين المدنيين، ضمن مناطق الإدارة الذاتية، إلى 92 اقتتال، أسفر عن مقتل 55 شخص بينهم 3 أطفال و 3 سيدات، وإصابة 114 شخص، منذ مطلع العام 2023.
بمقابلةٍ مع خديجة (اسم مستعار) في العشرينيات من العمر مقيمةُ في الريف الشرقي لدير الزور تقول: “في شهر أيار من عام 2019 كنت جالسةً عصراً على سطح منزلي وبجانبي ابنتي التي تبلغ من العمر تسعة أشهر في سريرها، كانت البلدة حينها غير مستقرة وكان هناك اشتباكات بين عائلتين بسبب قضية ثأر، كل عدة أيام نسمع إطلاق نار بين العائلتين، كانت ابنتي نائمةً في سريرها فجأة بدأت اسمع صوت اطلاق نار وقررت أن أنزل من السطح، اقتربت من ابنتي لأحملها، أحسست بشيءٍ غريبٍ حينها لم أكن أدرك ما هو، صدر صوتُ من ابنتي فنظرت لها فرأيت دماءً على ملابسها، اقتربت منها وأيقنت أنها رصاصةُ أصابت صدرها قمنا بإسعافها على الفور إلى المستشفى، لكن كان الأوان قد فات، وتوفيت ابنتي بسبب الرصاصة، قمنا بتقديم شكوى للسلطات لكن لم يكن هناك نتيجةُ بسبب عدم معرفة مصدر الرصاصة فقد كان هناك العشرات من الأشخاص يحملون السلاح ويتم إطلاق النار بشكلٍ عشوائي”.
تنهدت خديجة والدموع قد ملأت عينيها وصمتت قليلاً ثم أكملت: “لا أستطيع نسيان ذلك اليوم الذي فقدت به أغلى ما أملك، كانت أول طفلة لي، ليس لدي سواها ولم أنجب بعدها، كنت أحلم أن أراها تكبر أمامي ويصبح لديها أحلامُ تسعى لتحقيقها، ما قيمة أرضك التي لا تأمن بها على أطفالك حتى وأنت في منزلك، أشعر دائما بالتوتر عند سماع صوت إطلاق النار وأخاف منه بشكل كبير واتذكر ذلك اليوم دائماً”.
أصدر المجلس العام في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بتاريخ 5/4/2023 مجموعة من التعديلات على بعض مواد قانون الأسلحة والذخائر الصادر في عام 2022، مثل تعديل مادة استخدام الأسلحة وعدم ترخيص الأسلحة التي تستخدم رشاً وترخيص الأسلحة التي تُستخدم دراكاً فقط، بالإضافة لعدم ترخيص أي سلاح لا يُرخّص دولياً، وجاء هذا القرار في إطار محاولات الإدارة الذاتية ضبط انتشار السلاح العشوائي في المنطقة.
رغم الآثار السلبية لانتشار السلاح العشوائي، للأسف الجهود المحلية للحد منها خجولةُ جداً وتكاد تكون معدومة، فالأمر يحتاج إلى التعاون والتنسيق على عدة أصعدةٍ للحد منه، لأننا و كما نرى أنه في ازدياد في مناطقنا وغالباً المتأثر الأول، هم أفراد مجتمعنا.