سناء العلي – دير الزور
“طلب مني الرجل مبلغاً من المال مقابل أن يكفلني.. أنا لا أملك هذا المال، ليست لدي القدرة على دفع أي مبلغ، أُجبرت على الاستدانة لكي أحصل على كفيل”. يقول علي (اسم مستعار) متحدثاً عن معاناته في الحصول على بطاقة الوافد.
تفرض الإدارة الذاتية متمثلة بهيئة الداخلية شمال شرق سوريا، نظاماً أطلقت عليه اسم “بطاقة الوافد”. بموجب هذا النظام، يتوجب على الأشخاص المقيّدين في دوائر الأحوال المدنية خارج مناطق سيطرة الإدارة الذاتية والراغبين بالإقامة أو بزيارة -أو العبور من خلال- مناطق تحت سيطرتها أن يحصلوا على “بطاقة الوافد”، وتمنع الإدارة أي شخص من الدخول إلى مناطق سيطرتها إلا بعد الحصول على هذه البطاقة.
قالت الإدارة الذاتية في بيان أصدرته بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2022، أن تطبيق نظام “بطاقة الوافد”، هو إجراء لمنع الخلايا النائمة لتنظيم الدولة من انتحال هويات المواطنين السوريين.
صورة عن البيان الصادر عن هيئة الداخلية لشمال وشرق سوريا التابعة للإدارة الذاتية – مصدر الصورة موقع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا على الفيس بوك
ينطبق نظام “بطاقة الوافد” في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، حتى المواطنين الذين يسكنون في هذه المحافظات منذ عشرات السنوات، بحسب تقارير صحفية فإن هناك العديد من العائلات المستقرة منذ سنوات طويلة في المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية حالياً، ولديهم عقارات، ومنازل، وأراض زراعية، إلا أنهم كانوا ملزمين بالحصول على بطاقة الوافد، و التعرض للمساءلة في حال عدم التزامهم بالنظام الجديد.
للحصول على بطاقة الوافد، يتوجب على المواطنين الحصول على كفالة من شخص من أهالي المنطقة التي يرغبون بالإقامة فيها، ولا يحق للكفيل كفالة أكثر من سبعة أشخاص. يتوجب على المواطنين أيضاً الحصول على براءة ذمة من الأسايش (الأمن العام في المنطقة)، وتصريح من مختار الحي في المنطقة، ويتوجب على المواطنين تجديد بطاقة الوافد كل ستة أشهر، تحت طائلة المساءلة.
يسكن علي في إحدى قرى الرقة، هو نازح من محافظة دير الزور، زرته في منزله الصغير، وتحدثت معه ومع أولاده وزوجته.
يعتمد علي وعائلته في حياته اليومية على المساعدات التي يتلقاها من المنظمات الإنسانية، ويحاول أن يعمل في الأراضي الزراعية للسكان المحليين، بأجر زهيد، عندما يكون ذلك متاحاً.
يقول علي في حديثه لنا: “هربنا من الاشتباكات العسكرية في قريتي بـ دير الزور، تم قصف منزلي وتهدم بالكامل، وكان عليّ مغادرة القرية بالتأكيد لحماية عائلتي وأطفالي”.
قوات سوريا الديمقراطية لم تسمح لعلي وعائلته بالبقاء في الرقة، إلا بعد حصوله على كفيل من السكان المحليين، يطلب الكفلاء مبالغ مالية من “الوافدين” مقابل كفالتهم. استطاع على تأمين المبلغ المطلوب منه عبر استدانته من أحد الأشخاص، ولكن ذلك ليس كافياً، يقول علي: ” يجب عليّ أن أجدد بطاقتي كل سنة، بالتالي فإن الكفيل يطلب مني الأموال في كل مرة، وعليّ في كل مرة الاستدانة وتدبير المبلغ لأنني ببساطة لا أملكه!”.
يطلب الكفلاء مبالغ مالية على الوافدين تأمينها، وفي حال عدم تأمينها يواجه هؤلاء مشكلة عدم تجديد البطاقة في الوقت المناسب، الأمر الذي يعرضهم لدفع غرامة مالية.
يبدو الأمر وكأنه دوامة لا تنتهي من الإجراءات الإدارية التي تسمح بقصد أو بغير قصد باستغلال من تطلق عليهم الادارة الذاتية اسم “الوافدين”. فـ نظام بطاقة الوافد يسمح للكفلاء باستغلال “الوافدين”، وتقاضي الأموال منهم بدون وجود قواعد أو رسوم واضحة. كما أن المواطنين لا يستطيعون تغيير الكفيل إطلاقاً، إذ أنه وبحسب نظام بطاقة الوافد لا يتم تغيير الكفيل إلا في حالة وفاته.
دوامة الدخول إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية
عندما يرغب أحد الأشخاص بالدخول إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، عليه توقع رحلة طويلة وشاقة تمر بالعديد من الإجراءات المعقدة، يستثنى من هذه الدوامة سكّان بعض المناطق، وأهالي المناطق الأصليين أو المولودون فيها.
تُفرض الكفالة على الزائرين تماماً كما تٌفرض على الراغبين في الإقامة، تستثني الإدارة الذاتية القادمين من مناطق تل أبيض في ريف الرقة ومنطقة عفرين ورأس العين في ريف الحسكة من تطبيق نظام الكفالة، رغم أن تلك المناطق ليست تحت سيطرتها. ويُفرض على الراغبين بالإقامة لمدة تتجاوز مدة الزيارة، الحصول على بطاقة وافد تجدد سنويًا.
تعيش السيدة فاطمة في الرقة، وتخبرنا عن معاناتها في زيارة والدتها بدير الزور :”لم ألتق بوالدتي منذ سنوات، قالوا لي أن على الحصول على بطاقة الوافد كي أتمكن من زيارة والدتي”. تعيش فاطمة في الرقة مع ابنتها الصغيرة، زوجها يعمل خارج البلاد، ذهبت إلى مركز الوافدين الواقع في منطقة “السبعة كيلو” في دير الزور، كي تقدم طلباً للحصول على بطاقة الوافد.
تقول فاطمة: ” طلبوا مني جلب عقد زواجي، وهوية زوجي، ودفتر عائلة، وسند إقامة، وطلبوا مني جلب شاهدين من أبناء المنطقة، في الحقيقة أنا لم ولن أتمكن من تأمين هذه الأوراق كلها، أخي حاول مساعدتي في ذلك ولكنه لم يستطع أيضاً”.
تنتظر فاطمة فرصة أخرى لزيارة والدتها في دير الزور، وتتأمل الحصول على بعض التسهيلات في وقت قريب.
بطاقة الوافد تخالف القوانين الدولية
حرية الحركة أو حرية التنقل أو حرية السفر هي أحد حقوق الإنسان التي تحميها الدساتير والقوانين المحلية في الكثير من الدول، وفي سوريا على وجه التحديد، فـ مواطني أي دولة لهم حرية السفر والإقامة والعمل في أي مكان يرغبون من تلك الدولة دون التعدي على حريات وحقوق الآخرين، ولهم الحق بأن يغادروا تلك الدولة وأن يعودوا لها في أي وقت.
تنص المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لكل فرد حق في حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة”، كما و«لكل فرد حق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده”.
وتؤكد المادة (12) منّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
“لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته”.
تقول نور الملواح، وهي ناشطة في المجتمع المدني التقينا بها للحديث حول بطاقة الوافد: “كيف يُطلب من الشخص بطاقة كفيل في وطنه؟” وتضيف “أنا أحمل هوية شخصية، متضمنة كافة البيانات من حيث الاسم والمواليد والرقم الوطني ومكان الولادة لماذا يجب أن أحصل على بطاقة أخرى تسمح لي بزيارة مدينة مجاورة، أو السكن فيها؟”.
كما أن مسودة العقد الاجتماعي الخاص بشمال وشرق سوريا تنص على حقوق المواطنين السوريين في العيش الكريم و الحق بالتنقل بحرية ما لم يكن هناك مانع قضائي بحقهم ما يعزز حقوق المواطنة لكافة السوريين.
[1] بطاقة الوافد في شمال شرق سوريا، شباط/فبراير 2022، منظمة العدالة من أجل الحياة.
[2] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/
[3] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية