تأثير عمليات التحالف الدولي
على اقتصاد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا
كانون الأول 2015
تنفيذ وإشراف:
مرصد العدالة من أجل الحياة في دير الزور
إعداد:
فيصل دهموش المشهور
تجمع سوريون من أجل الديمقراطية
المحتويات …………………………………………………………………………. 3
مقدمة …………………………………………………………………………….. 4
اقتصاد تنظيم الدولة الإسلامية ……………………………………………………….. 4
الموارد الأساسية لتنظيم الدولة الإسلامية ………………………………………………. 5
1-الطاقة
2-الآثار
3-الضرائب والرسوم الجمركية
4-الزراعة والثروة الحيوانية
5-مصادر أخرى
ضربات التحالف الدولي وأثرها على اقتصاد تنظيم الدولة الإسلامية ………………………… 9
التدخل الروسي واستراتيجية التحالف الدولي …………………………………………… 10
تكيّف تنظيم “الدولة الإسلامية” حيال الضربات العسكرية ………………………………… 12
خلاصة ………………………………………………………………………….. 13
مقدمة:
يمثل تنظيم “الدولة الإسلامية” شكلاً جديداً ومختلفاً للتنظيمات الأصولية التي تجاهد لأهداف محددة، فالتنظيم المتطرف يمتلك رؤية استراتيجية بعيدة المدى، هي إقامة دولة الخلافة الإسلامية التي تستمد قوانينها وفقاً للرؤية الفقهية للتنظيم المستندة إلى الشريعة الإسلامية، وتحويلها إلى واقع فعلي.
بعد سيطرته على مناطق شاسعة يتوفر فيها العديد من الموارد الطبيعية “نفط، غاز، زراعة” في سوريا والعراق، وتحكّمه النشاطات التجارية فيها، بات تنظيم الدولة الإسلامية، التنظيم الأيديولوجي الأغنى في العالم، إذ تبلغ ميزانيته وفقاً لمصادر عديدة حوالي (2،2) مليار دولار أمريكي سنوياً.
تنظيم الدولة الإسلامية يختلف عن باقي التنظيمات، خصوصاً تنظيم “القاعدة”، فقد أدرك الخطورة على استمرارية التنظيم المتأتية من الاعتماد على مصادر تمويل خارجية، وسعى لأن يمتلك موارده المالية مستقلاً عن مصادر الدعم والتمويل التقليدية (التبرعات) التي طالما تغيرت تحت ضغوط سياسية، وأثرت في استراتيجيات التنظيمات الأخرى. فعمل التنظيم للسيطرة منفرداً على المناطق الغنية بالموارد التي من شأنها تأمين التمويل اللازم لتحقق الاكتفاء الذاتي الذي يساعده لبناء اقتصاد دولته المنشودة، بما يضمن استقرار، واستمرار “دولته” التي أعلنها على المساحة التي سيطر عليها.
تعتبر مناطق سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا الأكثر أهمية بالنسبة للتنظيم، إذ يسيطر فيها على (11) حقلاً نفطياً في محافظات: “دير الزور، الحسكة، الرقة، حمص” حيث أكبر حقلين نفطيين إنتاجيين في سوريا: “حقل العمر، حقل التنك” في محافظة دير الزور، بالإضافة لعدد من محطات توليد الطاقة الكهربائية، وصوامع الحبوب، ومساحة شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة المنتجة للقمح والشعير، والغنية بالمواقع الأثرية.
- اقتصاد تنظيم “الدولة الإسلامية”:
ثمة تغييراً نوعياً أحدثه تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد إبّان سيطرته عليها. إذ ساد في تلك المناطق، قبل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وخصوصاً محافظة دير الزور شكلاً من اقتصاد الحرب، لا مركزي، تديره بجزئه الأكبر، الفصائل العسكرية المسيطرة على الموارد النفطية وطرق التهريب، وتوظفه لاستمرار حربها ضد نظام الأسد، ويدور في فلكه تجار الحرب المحليين. ما أدّى لازدهار حركة تجارية غير منضبطة تعتمد على التهريب بشكل رئيسي: “السلع الغذائية، السلاح، المخدرات، الآثار”، يضاف إلى ذلك أموال التبرعات والدعم الإغاثي والعسكري. وفي خضم هذا المشهد حافظ نظام الأسد على استمرار دورته الاقتصادية في تلك المناطق بحدّها الأدنى([1])،
بعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على المنطقة الشرقية عمل التنظيم على ضبط تلك الدورة الاقتصادية الهجينة، بالتوازي مع بناء منظومته الاقتصادية المركزية التي يسيطر فيها على الموارد كافة، وخصوصاً النفطية منها، ويديرها بالتزامن مع ضبط الحركة التجارية في المنطقة من خلال فرض الضرائب والتسعير الإجباري ومنع الاتجار بالمواد الممنوعة، وحصر شبكات التهريب عن طريق عناصر التنظيم، والاستثمار غير المعلن.
هذه الموارد المتنوعة في مناطق سيطرة التنظيم، والعوائد المالية الضخمة المتأتية منها، وفرت للتنظيم إمكانية بناء تدريجي، مالي وإداري، لاقتصاد بسيط لدولته، بما يخدم نشاطاته العسكرية والمدينة. وساعده في ذلك ظروف الحرب في سوريا، إذ تنخفض التكاليف غير العسكرية (الإدارة، الخدمات) فيها إلى حد الكفاف، وهذا مناسب جداً لتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يتحكم بموارد مالية ضخمة. كما وفر للتنظيم، هذا الاستقرار النسبي، إمكانية عقد اتفاقيات تبادل مع “نظام الأسد”، خصوصاً في قطاعي: “النفط، الغاز”([2]).
يعتبر النمط الاقتصادي لتنظيم الدولة الإسلامية الأكثر تطوراً لمثيلاته من التنظيمات الأيديولوجية، إذ استفاد التنظيم من التجارب السابقة لتنظيم القاعدة الذي كان يعتمد في جزء كبير من مصادر تمويله على التحويلات البنكية من المجموعات الأهلية، الخليجية خصوصاً، والتي يسهل تطويقها وخنقها، ما جعل التنظيم يغير من استراتيجية تعاملاته المالية التقليدية من التعامل بالتحويل البنكي عبر النظام المالي الرسمي إلى تهريب الأموال واستلامها نقداً عبر الحدود، واستخدام طرقاً غير رسمية في النظام المصرفي، وهذا جعل من الصعوبة بمكان تتبع المصادر المالية للتنظيم وتقويضها.
تدريجياً، طور التنظيم منظومته الاقتصادية سعياً منه لتحقيق الاكتفاء الذاتي لتمويل حروبه وتأمين رواتب مقاتليه، مع تقديم خدمات طفيفة للسكان بحدودها الدنيا (النظافة، الكهرباء، الهاتف، دعم الخبر).
- الموارد الأساسية لاقتصاد تنظيم “الدولة الإسلامية”:
يمتلك تنظيم “الدولة الإسلامية” مصادراً متعددة تموّل اقتصاده الناشئ، وأهم تلك الموارد:
- الطاقة:
وأهمّها، النفط والغاز والكهرباء، ويعتبر النفط المصدر الرئيسي لتمويل التنظيم، وعصب اقتصاده، وخصوصاً الذي يعود على التنظيم بكتلة مالية تقدر بـ(50) مليون دولار أمريكي شهرياً([3]). إذ يبيع التنظيم النفط الخام للدول والمناطق المجاورة: “تركيا، إيران، كردستان العراق، نظام الأسد، ريف حلب، إدلب” عبر مجموعة مافيوية ووسطاء يشرفون، ويتحكمون بشبكة تهريب إقليمية([4])، وتشكل وسيطاً تجارياً بين التنظيم وأسواق التصريف، كما يوفر التنظيم جزء من النفط للبيع في السوق المحلي لتجار وأصحاب مصافي تكرير النفط البدائية، ولتأمين الوقود لآلياته ومقاتليه. يبيع تنظيم “الدولة الإسلامية” برميل النفط بسعر متوسط (20-25) دولار أمريكي.
رفع التنظيم كمية النفط الخام المنتج عمّا كان عليه أثناء سيطرة كتائب الجيش الحر على تلك الحقول والآبار، إذ عمل التنظيم على تأمين قطع الغيار لصيانة الحقول وأنابيب النفط، وتشغيل محطات المعالجة، وربط قسم من الآبار ببعضها إلى محطات الضخ، واستثمار الآبار غير المستثمرة سابقاً.
ويتحكم التنظيم بأهم معملين منتجين للغاز ينتج منهما الغاز المنزلي: “معمل غاز كونيكو، معمل الشدادي”، كما يتحكم بعدد من الحقول النفطية الرطبة المنتجة للغاز المرافق الذي يضخه لصالح نظام الأسد إلى محطات توليد الكهرباء. ويبيع التنظيم أسطوانة الغاز الواحدة بسعر (1.25) دولار أمريكي.
كما يسيطر التنظيم على منشآت حيوية تعتبر مصدراً للطاقة الكهربائية: “سد الفرات، سد تشرين، المحطة الحرارية، حقل التيم”. يستفيد منها التنظيم بإنتاج الطاقة الكهربائية وبيعها للسكان المحليين، بالإضافة إلى إبرامه صفقات مع نظام الأسد لتبادل الطاقة الكهربائية.
أهم حقول النفط التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا([5])
المحافظة | عدد الحقول | متوسط الإنتاج قبل القصف | متوسط الإنتاج بعد القصف | ملاحظات |
دير الزور | 5 ([6]) | 44)-(47 ألف برميل | 26)-30) ألف برميل | |
الحسكة | 4 ([7]) | 11000 برميل | 7500 برميل | |
الرقة | 2 ([8]) | 1700 برميل | 1000 برميل |
أهم حقول الغاز التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا
المحافظة | المنشأة | متوسط الإنتاج قبل القصف | متوسط الإنتاج بعد القصف | ملاحظات |
دير الزور | معمل كونيكو | 4700 أسطوانة | 2300 أسطوانة | |
الحسكة | معمل الشدادي | – | – | |
الرقة | معمل توينان | غاز طبيعي | غاز طبيعي | |
حمص | الهيل | غاز طبيعي | غاز طبيعي |
- الآثار:
يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على العديد من المواقع الأثرية، أهمّها: مدينة تدمر الأثرية، بالإضافة لكافة المواقع الأثرية في محافظتي دير الزور والرقة.
يعمل التنظيم بالتنقيب في أغلب المواقع الأثرية في مناطق سيطرته، ويستعين بخبراء تنقيب مرتبطين بشبكات تهريب ومافيات تهتم بالتراث والآثار، ويعتمد عليها بتهريب القطع الأثرية وانجاز صفقاته، ولا يتوفر معلومات عن اللقى التي استخرجها التنظيم، ولا عن مستوى التخريب الحاصل في هذه المواقع بسبب منع التنظيم الأهالي والناشطين من الاقتراب منها.
كما أنشئ التنظيم ديواناً للركاز ضمن هيكليته الإدارية، يهتم بالمواقع الأثرية، إذ يسمح التنظيم للراغبين بالتنقيب عن الآثار في المواقع التي يحددونها تحت إشراف عناصر الديوان بعد تقديم طلب لديوان الركاز، ودفع الرسوم، حيث يفرض التنظيم نسبة (20-25)% من قيمة اللقى الأثرية المستخرجة.
- الضرائب والرسوم الجمركية:
تشكل منظومة الضرائب والرسوم([9]) التي يفرضها التنظيم في مناطق سيطرته أهمية قصوى ضمن منظومته الاقتصادية، ويستغل التنظيم سيطرته على شبكة التجارة المحلية([10]) في مناطقه، بالإضافة لسيطرته على خطوط التجارة والنقل من العراق إلى سوريا وبالعكس، وفرض منظومة قانونية مستمدة من الشريعة الإسلامية تتعلق بالمخالفات الشرعية: “التدخين، التأخر عن الصلاة، عدم الالتزام باللباس الشرعي، الاختلاط بين الجنسين” ويفرض من خلالها غرامات على المخلين بتلك القوانين، وجني الأموال من التجار وأصحاب المهن والسكان المحليين. وفي الحقيقة يعمل التنظيم بشكل دائم على سن القوانين الناظمة لتلك الضرائب.
بالإضافة إلى الرسوم الجمركية التي يتقاضاها التنظيم من عمليات المرور الحدودية ومرور الترانزيت عبر أراضيه([11]) ويساعده على ذلك المساحة الشاسعة التي يسيطر عليها التنظيم في العراق وسوريا، بالإضافة لإدارته لمكاتب التحويلات النقدية غير الرسمية التي يقوم بها معيلو العائلات الساكنة في مناطق سيطرة التنظيم.
جدول بأهم الضرائب المفروضة في مناطق سيطرة التنظيم في سوريا([12])
الضريبة | معادلها قبل القصف | معادلها بعد القصف | ملاحظات |
الزكاة | 10-2،5))% | 10-2،5))% | من نصاب الأموال والأملاك |
فاتورة الماء | 1$ | 1،25 $ | شهرياً عن كل منزل |
فاتورة هاتف | 1$ | 1،25 $ | شهرياً عن كل منزل |
فاتورة الكهرباء | 1،5$ | 2،5 $ | شهرياً عن كل منزل |
فاتورة ريّ المحاصيل | 12،5$ | 25$ | عن كل هكتار بالموسم |
المخالفات القانونية | (50-400) $ | (100-500) $ | عن كل مخالفة |
ضرائب جمركية | (300-400) $ | (400-600) $ | عن كل شاحنة |
تختلف قيمة الضرائب والرسوم من ولاية لأخرى ومن مدينة لأخرى وفقاً لتقدير المسؤولين فيها، إذ رغم أن التنظيم أنشئ ما يشبه الإدارات المحلية في هذه الولايات والمدن إلا أنها لا ترتبط بحكومة مركزية.
- الزراعة والثروة الحيوانية:
تعتبر من المصادر الرئيسية التي ترفد اقتصاد تنظيم “الدولة الإسلامية، ويجني منها أموالاً طائلة، فهو يسيطر على صوامع الحبوب في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وريف حلب الشرقي([13])، والتي تقدر كميات القمح فيها بحوالي (1.2) مليون طن، بالإضافة لاستثماره مساحات من الأراضي الزراعية لزراعة القمح كأراضي حوض الفرات والمزارع العائدة ملكيتها للدولة وأراضي البادية، والاتجار بتهريب الأغنام إلى الأراضي التركية.
- مصادر أخرى:
بالإضافة للموارد الرئيسية السابقة، يضاف لموارد تنظيم “الدولة الإسلامية” موارد لا تتوفر عنها معلومات دقيقة لغاية الآن، إذ يتاجر التنظيم بالأعضاء البشرية([14])، والمبالغ التي يجنيها التنظيم جراء إطلاق سراح الأسرى والمختطفين لديه([15])، والعائدات المتأتية من مصادرات العقارات والممتلكات من السكان، بالإضافة للتبرعات التي يحصل عليها التنظيم من المناصرين لفكرة إقامة دولة الخلافة الإسلامية.
- ضربات التحالف الدولي وأثرها على اقتصاد تنظيم الدولة الإسلامية:
منذ إعلان التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، عملت استراتيجية التحالف الدولي وفق محورين: الأول، هو استهداف قيادات التنظيم ومقراته وقوافله العسكرية بالدرجة الأولى، من خلال الاعتماد على معلومات استخباراتية، ومراقبة تحركات عناصره واتصالاتهم. والثاني، يقوم على تجفيف مصادر تمويل التنظيم وموارده الرئيسية، والتي أهمّها تجارة النفط. فعمل التحالف على استهداف منشآت ضمن حقول النفط الواقعة تحت سيطرة التنظيم بشكل محدود، وبدون أن تستهدف الآبار وأنابيب النفط بشكل مباشر، ونفذت عملية إنزال على حقل “العمر” النفطي بدير الزور([16]). بالتزامن مع محاولة سدّ منافذ التهريب من خلال السيطرة الشريط الحدودي في مناطق الشمال السوري، فأنشئ تحالفاً مع القوى العسكرية الكردية التي استطاعت السيطرة على مدينة “عين العرب-كوباني” في كانون الثاني 2015، ومدنية “تل أبيض” في حزيران 2015.
وعملت بشكل موازي على برنامج لتدريب المعارضة السورية المعتدلة من أجل محاربة التنظيم على الأرض في مناطق: “ريف حلب، بادية تدمر”، لكن هذا البرنامج مني بالفشل الذريع.
وفقاً لخارطة ضربات طائرات التحالف الدولي، فإنّ الضربات تركزت على استهداف قوافل الإمداد العسكري للتنظيم، وجبهات قتال التنظيم مع القوى العسكرية الكردية في الشمال السوري بشكل كثيف، وبشكل أقل كثافة استهداف طيران التحالف لمقرات التنظيم في المدن والقرى، والتي تميزت بعدم الدّقة، خصوصاً في المدن، ممّا سبب سقوط قتلى من المدنيين إلى جانب عناصر التنظيم.
وتشير إحصائيات أعداد القتلى، بعد مضي عام على بدء ضربات التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، عن سقوط (4166) قتيل، منهم (3712) قتيل من عناصر التنظيم غالبيتهم العظمى سقطوا في العمليات العسكرية القتالية في الشمال السوري وعدد قليل باستهداف مقرات التنظيم وقوافله العسكرية في المدن والقرى، بالإضافة لمقتل (299) مدني بينهم (81) طفل، و(53) امرأة([17]) جراء الاستهداف العشوائي للمدن والقرى الواقعة تحت سيطرة التنظيم. بالإضافة لحدوث حالات تهجير ديموغرافي للسكان العرب من أهالي المناطق التي سيطرت عليها القوات الكردية، وعمليات سلب للممتلكات، ونزوح آلاف العائلات من المنطقة.
من جهته، تنظيم “الدولة الإسلامية”، تأقلم مع تلك الغارات، واستمرّ باستخراج النفط بشكل متقطع مع زيادة الإنتاج عند غياب الغارات الجوية لطيران التحالف، بدون أن تتأثر إيراداته النفطية بشكل واضح. بالإضافة إلى استقطابه لمناصرين ومقاتلين جدد، مستفيداً من حساسية السكان اتجاه التدخل الأمريكي ودعمهم للأكراد.
- التدخل الروسي واستراتيجية التحالف الدولي:
شكّل الاحتلال الروسي المباشر للأراضي السورية بذريعة محاربة الإرهاب([18])، تغيّراً في استراتيجية التحالف الدولي في الحرب على التنظيم، وخصوصاً فيما يخص تطويق موارده المالية. إذ أصبح استهداف محيط الآبار أكثف من ذي قبل، بالإضافة لاستهداف مباشر وعنيف لمصافي وأسواق بيع النفط الداخلية، وضرب قوافل النفط وخطوط الإمداد والتهريب، وفرض عقوبات على الجهات التي تشتري النفط من التنظيم. بالإضافة لتوسيع تحالف التشكيلات العسكرية الكردية في الشمال السوري، والتي شكلت فيما بعد عصب ما يسمّى “قوات سوريا الديمقراطية”([19]) لانتزاع السيطرة على حقول النفط في شمال سوريا من التنظيم، ونجح هذا التحالف في انتزاع مناطق: “عين عيسى، سلوك” في ريف الرقة الشمالي، وحقل “تشرين” النفطي في منطقة “الهول” في ريف الحسكة، وانتزاع منشأة “سد تشرين” في ريف حلب الشرقي من سيطرة التنظيم، والعمل على تشكيل قوى عسكرية تحت مسمى “جيش سوريا الجديد” من مقاتلين من محافظة دير الزور للبدء بعمليات ضد التنظيم انطلاقاً من البادية السورية.
في البداية ظهر التسابق ما بين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وقوات الاحتلال الروسي لانتزاع السيطرة على مناطق سيطرة التنظيم، كلّ لمصلحة حلفائه، لكن بعد تقدم قوات “سوريا الديمقراطية” في الشمال السوري، برز التنسيق ما بين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وقوات الاحتلال الروسي، إذ خفت كثافة الغارات الجوية لطيران التحالف الدولي على مناطق التنظيم، وتركزت على جبهات التماس ما بين تنظيم “الدولة الإسلامية” وقوات سوريا الديمقراطية في الشمال، بينما تولى الطيران الحربي الروسي استهداف مواقع التنظيم في مناطق: “ريف حلب الشرقي، ريف حمص الشرقي، دير الزور”، بالإضافة لاستهداف أسواق بيع المحروقات، ومواقع تكرير النفط، والمدن والقرى الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، معتمداً على قوات نظام الأسد للسيطرة على مناطق التنظيم، وحصل تقدم واضح في ريف حلب الشرقي (محيط مطار كويرس العسكري) وهو قاب قوسين أو أدنى من تطويق “المحطة الحرارية” بحلب. بالإضافة لاستعادة قوات نظام الأسد السيطرة على بلدة “مهين” في ريف حمص الشرقي، بالإضافة لاستعادة قوات نظام الأسد للجزء الواقع تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” من حقل “جزل” في ريف حمص.
أدت هذه الإستراتيجية إلى تراجع ملحوظ في مقدرة التنظيم على إنتاج النفط، إذ تراجع الإنتاج بنسبة (35)% عمّا كان قبل الاحتلال الروسي، وخصوصاً في حقول: “العمر، التنك” النفطيين اللذان بلغ إنتاجهما (13 و 11) ألف برميل/اليوم على التوالي، وانخفض إلى (9 و 7.5) آلاف برميل/باليوم، وفي فترة اشتداد القصف الجوي إلى (5.5 و 4) آلاف برميل/باليوم على التوالي. كما أحدثت ضربات الطيران الحربي ضرراً في بعض مفاصل حقول النفط والغاز: “التنك، الورد، العمر، كونيكو”، خصوصاً حقل “العمر” النفطي، ومعمل غاز “كونيكو”، ولا يتوفر لدى التنظيم الخبرات اللازمة لإصلاح الضرر الذي سببته الغارات، بالإضافة إلى تدمير البنى التحتية (مبان حكومية، جسور، معامل، صوامع حبوب) بسبب قصفها من قبل الطيران الحربي.
كما تراجع أيضاً مستوى العمل في تكرير النفط، في مناطق سيطرة التنظيم خصوصاً، مما انعكس سلباً على المستوى المعيشي للسكان العاملين في قطاع النفط، وأدى إلى ارتفاع في أسعار المشتقات النفطية في مناطق سيطرة التنظيم وخارجها، ما جعل التنظيم ينقل كميات من النفط العراقي إلى الأراضي السورية لتغطية احتياجات السوق المحلي في مناطق سيطرته في سوريا([20]).
وقد أوقع التدخل الروسي في مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (2371) قتيلاً، منهم (655) قتيل في صفوف التنظيم، و(792) قتيل من المدنيين، بينهم (180) طفلاً و(116) امرأة.
ويبدو التنسيق واضحاً ما بين قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وقوات الاحتلال الروسي. إذ بات التحالف يركز عملياته العسكرية على مناطق الشمال السوري ودعم قوات سوريا الديمقراطية، بينما تتولى قوات الاحتلال الروسي العمليات العسكرية ضد التنظيم في مناطق: “ريف حلب، ريف حمص، القلمون، دير الزور” لدعم قوات نظام الأسد.
- تكيّف تنظيم “الدولة الإسلامية” حيال الضربات العسكرية:
يتمتع تنظيم “الدولة الإسلامية” بالمرونة حيال الوقائع المستجدة ميدانياً، كما يتميّز اقتصاده الناشئ بالتنوع بحيث يستطيع من خلاله التكيف مع انخفاض إيرادات النفط الحاصلة بسبب عمليات التحالف الدولي والطيران الحربي الروسي. إذ يتبع التنظيم بعض الاستراتيجيات منها:
1-التغلغل بين السكان: إذ عمل التنظيم على تغيير مقراته ونقل آلياته العسكرية لتفادي ضربات الطيران الحربي، يساعده على ذلك أنه لا يعتمد مقرات ثابتة لمكاتبه الإدارية. كما نقل مخزونه من الأموال والقمح والقطع الأثرية إلى أمكان سرّية، ويستخدم لهذا الغرض طرقاً برية عبر البادية.
2-رفع الضرائب: توفّر منظومة الضرائب والرسوم المفروضة على السكان، وقطاع الأعمال التجارية غير النفطية، مجالاً واسعاً لتعويض فاقد الإيرادات في قطاع النفط. عمل التنظيم على رفع الرسوم الجمركية المفروضة على شحنات العبور ورفع نسبة الضرائب الأخرى بما فيها ضريبة “الزكاة” إلى نسبة (10)% تحت ذريعة ظرف الحروب التي يخوضها التنظيم.
3-تخفيض الرواتب: حيث عمل التنظيم على خفض الإنفاق على مقاتليه وعائلاتهم، إذ استثنى أسطوانات الغاز من المعونات التي يقدمها لمقاتليه، بالإضافة لتخفيض مستحقاتهم المالية الشهرية بنسبة (25-50)% خلال الشهرين الماضيين.
4-تعويض المقاتلين: يعمل التنظيم من خلال آلته الإعلامية، والاستفادة من التناقضات الاجتماعية والسياسية في المنطقة بالإضافة للحرب القائمة في سوريا على استقطاب مقاتلين جدد، وبعد بدء عمليات التحالف الدولي وضربات الطيران الروسي، كسب عدداً من المناصرين بسبب حساسية السكان اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة للحساسية الإثنية في المنطقة.
5-البحث عن موارد جديدة: وذلك من خلال البحث عن السيطرة على موارد أخرى كمحاولته للسيطرة على حقل “جزل” النفطي، أو التخلي عن تقديم بعض الخدمات كرفع الدعم عن الخبز في مناطق سيطرته وطرح الأفران للاستثمار، أو محاولة السيطرة على طرق بديلة لتسهل تحركات التنظيم، كمحاولته السيطرة على مدينة دير الزور.
-خلاصة
مقارنة بقدرات قوات التحالف الدولي العسكرية، والفترة الزمنية التي انقضت على بدء العمليات ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، تبدو النتائج لغاية الآن متواضعة، وليس لها تأثير فعال على استمرارية التنظيم. خصوصاً أنها تركز على تقويض الموارد النفطية للتنظيم فقط، دون أن تؤثر على موارد التنظيم غير النفطية، والتي يمكنه من خلالها تعويض جزء كبير مما يفقده جراء استهداف قطاع النفط. كما لا يجدي فرض العقوبات الاقتصادية على الأطراف والجهات التي تتعامل مع تنظيم “الدولة الإسلامية” دون أن تكون هذه الأطراف ملتزمة بجدية بعدم التعامل مع التنظيم، وخصوصاً نظام بشار الأسد الذي يوفر مورداً هامّاً للتنظيم بشكل غير رسمي عبر النظام المصرفي، والدول التي تسهل أو تغض النظر عن الصفقات التجارية الخاصة بالتنظيم.
هذا وإن تجاهل العمل على التناقضات الداخلية التي يعاني منها تنظيم “الدولة الإسلامية”، والاعتماد على الحرب بالأسلوب الذي تتبعه قوات التحالف الدولي تولّد بيئة خصبة للتطرف بشكل أكبر، ما يمكّن التنظيم الاستفادة منها للبقاء متمسكاً بمناطق الموارد التي تدعم اقتصاده وعملياته العسكرية. وطالما تنظيم “الدولة الإسلامية” يتحكم بموارد اقتصادية متنوعة وغنية فإنه قادر على التعويض والاستمرار في دعم أنشطته العسكرية والمدنية سيبقى التأثير محدوداً بالقدر الذي يمكن للتنظيم تحمله واستيعابه والتكيف معه. إلا إذا كان للولايات المتحدة الأمريكية، التي تقود التحالف الدولي، أهدافاً سياسية أخرى تقتضي التعامل بهذا الأسلوب مع التنظيم المتطرف، فإنّه لحين تحقيقها، من سيتحمل حجم الدمار المادي والمعنوي الذي سيحصل حينها.
([1]) استمرّ نظام الأسد بتقديم الرواتب للموظفين في القطاعات الحكومية الخارجة عن سلطته.
([2]) حيث يضخ التنظيم الغاز عبر أنابيب الضخ إلى محطة “جندر” لتوليد الكهرباء بحمص, كما هناك تقارير تؤكد إرسال نظام الأسد ورشات صيانة إلى حقل “توينان” للغاز. بالإضافة لشراء نظام الأسد النفط الخام والمازوت من التنظيم.
([3]) وفقاً لتقديرات مرصد العدالة من أجل الحياة في دير الزور.
([4]) هي شبكة التهريب التي أنشأها الرئيس العراقي الراحل “صدام حسين” لكسر الحصار المفروض على العراق آنذاك.
([5]) كميات إنتاج النفط والغاز في الدراسة وفقاً لمقابلات أجراها مرصد العدالة من أجل الحياة مع مهندسين وعاملين تركوا العمل في قطاع النفط مع التنظيم في شهر آب 2015.
([6]) حقول: “العمر, التنك, التيم, الجفرة, الورد”, ومحطات: “الخراطة, ديرو, T2”.
([7]) حقول: “الجبسة, كبيبة, تشرين, مركدة”.
([8]) حقلي: “الصفيح, الحباري”.
([9]) مستمدة من مفاهيم: “الزكاة, الجزية, الصدقات” وفق الشريعة الإسلامية الناظمة لأيديولوجية التنظيم.
([10]) هناك تجار موالون للتنظيم, وتجار شركاء لأعضاء في التنظيم.
([11]) تقاضى التنظيم نسبة 25% من حمولة شاحنات القمح التي نقلها نظام الأسد من محافظة الحكسة إلى محافظة طرطوس.
([12]) وفقاً لتوثيقات أجراها مرصد العدالة من أجل الحياة مع السكان الخارجين من مناطق سيطرة التنظيم.
([13]) يسيطر التنظيم على صوامع حبوب: “7 كم في دير الزور, البوعاصي, عين عيسى, تل حاصل, دير حافر, الراعي, أخترين, الباب, منبج, كفرجوم”
([14]) الأعضاء البشرية للمعتقلين لديه الذين يعدمهم دون أن يسلم جثامينهم لذويهم.
([15]) كما حدث بإطلاق الأسرى الآشوريين لدى التنظيم مؤخراً, حيث أطلق سراح ثلاث دفعات لقاء مبالغ مالية.
([16]) تمت مصادرة أموال طائلة, إذ كان الحقل مركزاً لتجميع واردات النفط في المحافظة.
([17]) وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان, وهي أرقام قريبة من إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
([18]) هذا الاحتلال يأتي في سياق دعم بقاء نظام الأسد المتآكل عسكرياً, وتقويض تقدم فصائل المعارضة.
([19]) تتكون من: “التحالف العربي السوري, غرفة عمليات بركان الفرات, جيش الثوار, قوات الصناديد, تجمع ألوية الجزيرة, المجلس العسكري السرياني, وحدات حماية الشعب الكردية, وحدات حماية المرأة”.
([20]) وثق مرصد العدالة من أجل الحياة حالات تسمم جراء تكرير النفط العراقي بمناطق سيطرة التنظيم في سوريا.