تقدّم هذه الورقة البحثية تحليلًا لتصوّرات ممثلين[1] عن المجتمعات المحلية في منطقتي الكسرة وهجين في دير الزور[2] حول تدابير جبر الضرر التي من الممكن أن تعالج الأضرار التي تعرّض لها الأفراد والمجتمعات في هاتين المنطقتين بسبب أنماط الانتهاكات التي شهدتها خلال سنوات النزاع. تهدف الورقة إلى عرض هذه الآراء والتصورات كحالة دراسية تحلل من خلال النهج التشاركي كيف تنظر المجتمعات المحلية لجدوى وإمكانية تنفيذ تدابير جبر الضرر، بالإضافة إلى المعايير والعناصر التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في كافة مراحل تناول هذه القضية، انطلاقًا من إدراك خصوصية هذه المجتمعات فيما يتعلق بالتجربة خلال النزاع، وكذلك بيئتها الثقافية والاجتماعية.
من خلال مقارنة تصورات المشاركين في هذه الورقة مع المعايير والأدبيات ذات الصلة في أحكام وتفسيرات القانون الدولي والعدالة الانتقالية، بالإضافة إلى آراء الخبراء والممارسين في هذه المجالات، تخلص هذه الورقة البحثية إلى مجموعة من النتائج التي تهدف للمساهمة في نقاش موضوعي عام حول جبر الضرر في سوريا. يمكن تلخيص أهم النتائج الرئيسية على النحو التالي:
- إن مناقشة تدابير جبر الضرر على الرغم من استمرار النزاع وعدم جهوزية عناصر العدالة الانتقالية الأخرى لا يعني استغناءً عن تلك التدابير أو فرضًا لأولويات على عكس المصلحة أو التوجهات العامة. يعزز التفكير في جبر الضرر وعي وتمسك الضحايا والمجتمعات المحلية بحقوقهم الأصيلة في الانتصاف الفعال، ويؤكد على المسؤوليات القانونية لأطراف النزاع وفي مقدمتهم الدولة السورية.
- لا بد أن يتم تصميم وتنفيذ برامج العدالة الانتقالية رسميًا على المستوى الوطني عندما تتحقق الشروط اللازمة لذلك وأهمها تحقيق الانتقال وإيجاد الإطار الذي يضمن اليقين القانوني لتلك البرامج والاستحقاقات التي تقدمها. يشكل الانخراط مع المجتمعات المحلية في حوارات مفتوحة ومشاورات موضوعية قائمة على المعرفة المستنيرة حول تدابير جبر الضرر و/أو غيرها من عناصر العدالة الانتقالية شكلًا من أشكال إشراك الضحايا والمجتمعات المحلية، ويضمن إعدادًا لشكل ومضمون برامج العدالة الانتقالية.
- قد تلعب تدخلات “تخفيف الضرر” في ظل الوضع الراهن وعلى الرغم من استمرار النزاع عاملًا جوهريًا في تخفيف حدة النزاع وتحفيز الضحايا على أخذ المبادرة في المشاركة الفعالة في الحياة العامة وتوسيع نطاق الوصول لمجتمع الضحايا.
- إن النهج الشمولي المتكامل للعدالة الانتقالية لا يتعارض مع تصميم تدخلات على أساس نهج “التخصيص” تستهدف مجتمعات محلية محددة وتراعي وتستجيب لخصوصية تجربتها وبيئتها الثقافية والاجتماعية. يساهم هذا النهج في تجاوز العديد من التحديات التي تواجه تصميم وتنفيذ تدابير جبر الضرر كإنشاء سجلات الضحايا وتحديد أنماط الانتهاكات والاستحقاقات المناسبة لمعالجة آثارها.
- إن النطاق الواسع ومتعدد المستويات لأنماط الانتهاكات أدى إلى التماهي بين الضرر الفردي والجماعي في المجتمعات المحلية. هذا يستوجب تصميم برامج لجبر الضرر تراعي هذا الأثر، ولكنها في الوقت ذاته لا تتعارض مع الحقوق الفردية في الجبر. ينبغي لجهود المساهمة في “تخفيف الضرر” أو ما يسمى أحيانًا “جبر الضرر المؤقت”[3] ألا تسبب معضلات قانونية في المستقبل كالادعاء بإقرار الأفراد الذين استفادوا من استحقاقات معينة لتخفيف الضرر أنهم تنازلوا عن حقهم في الجبر وأعفوا السلطة المكلفة بتنفيذ برامج العدالة الانتقالية من تلك المسؤولية.
- قد تساهم التدابير والهياكل المجتمعية التقليدية إيجابًا في تصميم وتنفيذ تدابير جبر الضرر المخصصة للمجتمعات المحلية نظرًا لاستقرار دورها والتقبل المجتمعي له. إلا أن هذا الدور يجب ألا يكون بمعزل عن اعتبارات متعددة لضمان عدم تسببه بمزيد من النزاعات أو زعزعة دور سيادة القانون أو حقوق الإنسان للأفراد والمجتمعات.
- تعتبر إعادة التأهيل من أهم التدابير التي تقدم استحقاقات جوهرية لجبر الضرر فرديًا وجماعيًا، وهي تتقاطع مع تدابير أخرى وتساهم في إنجاحها كتلك المرتبطة بالوضع الاقتصادي والمعيشي، رد الحقوق، التعويض، وتخليد الذكرى. يجب التعامل مع تدابير التعويض المالي على وجه التحديد بحساسية تراعي الخلفيات الثقافية والاجتماعية السائدة في كل مجتمع محلي، وبما يضمن ألا تشكّل بيئة تنافسية تؤدي إلى الانحراف عن أهداف جبر الضرر الرئيسية.
- تكتسب تدابير جبر الضرر شرعيتها من المشاركة الفعالة للضحايا والمجتمعات المحلية في تصميمها وتنفيذها ومراقبتها. يجب ألا تكون هذه المشاركة مجرد شعار أو أن تقتصر على التشاور الشكلي، كما يجب أن تستوفي شرطًا أساسيًا مسبقًا هو مشاركة المعرفة المستنيرة. يعتبر دعم مجموعات وشبكات الضحايا والعائلات استراتيجية فعالة في تحقيق مشاركتهم الفعالة لقدرتهم على الوصول والتواصل ومشاركة المعرفة المستنيرة ومناقشة أولويات الجبر بوسائل مبسطة ومقبولة قائمة على التعاضد والتجارب المشتركة.
- على الرغم من تعدد العناصر المشتركة بين العمل الإنساني والتنموي وما يُعرف بالتعافي المبكر من جهة، وتدابير جبر الضرر من جهة أخرى، إلا أن الدور الذي يمكن أن تلعبه الجهات القائمة على تلك التدخلات يجب أن يكون متمايزًا وقائمًا على أساس حقوقي وليس مجرد استجابة للحاجات.
- تلعب منظمات المجتمع المدني الدور الرئيسي في مناقشة وتصميم تدابير جبر الضرر في أي مرحلة، مع ضرورة أن تصمم تدخلاتها على أساس التخصص والنهج التشاركي مع المجتمعات المحلية.
لقراءة الورقة كاملة: مِن منظور المُجتمعات المحليّة في سوريا الكسرة وهجين كحالة دراسيّة – جبر الضرر