الكثير من أبناء محافظة ديرالزور، والمتابعين لما يجري من أحداث في هذه المحافظة، يضع إشارات استفهام وتعجب، لطريقة تعاطي وسائل الإعلام مع الوقائع التي تحدث فيها.
إشارات الاستفهام والتعجب هذه ليست على وسائل الإعلام الدولية والإقليمية فحسب، إنما على وسائل الإعلام المحلي عموماُ، بشقيه البديل والموالي للنظام السوري، والذي من المفروض وخاصة الإعلام البديل، أن يتعاطى بكثير من الاهتمام مع الأحداث التي تجري فيها، ونقل أخبار هذه المحافظة المسيطر عليها من قبل النظام السوري وتنظيم الدولة اللذين يعيثون فيها فساداً.
في الأمس القريب، حدثت مجزرة راح فيها عدد كبير من المدنيين قتلى وجرحى، حين استهدف طيران النظام حي الحميدية، وهو حي يقطنه مدنيون، لم تتعاطَ وسائل الإعلام ومنها الإعلام البديل مع مجزرة الحميدية كما يجب، وكأن هذه المجزرة جرت في بلد آخر خارج سورية، أو في قارة أخرى أو ربما في كوكب آخر ولم يسمع بها هذا الإعلام، والأمر الغريب أن هذه ليست المرة الأولى ولا حتى العاشرة التي لا تهتم بها وسائل الإعلام مع الأحداث التي تقع في المحافظة، وخاصة المجازر التي ترتكب بحق المدنيين، وكأن الأمر هو أمر اعتيادي ومن غير الضروري ذكره أو تسليط الضوء عليه.
رب قائل يقول أن الأحداث في حلب أو في مناطق أخرى، غطت على ما جرى أو يجري في ديرالزور، إلا أن هذا الكلام غير مقبول نهائياً، فما يحدث في حلب لم يغط على ما يحدث في مناطق أخرى جرى فيها مجازر أقل مما جرى ويجري فيها، ثم إن تجاهلها ليس تجاهلاً حديث الزمن، إنما هو قديم نسبياً، وهذا التجاهل لم يكن فقط فيما قبل عام 2011، وإنما ما بعد عام 2011 وهو مستمر حتى الآن، فمثلاً خرج مئات آلاف المتظاهرين في حماة ودير الزور، لكن الإعلام سلط على المظاهرات التي خرجت في حماة، فيما تجاهل مظاهرات ديرالزور بالتزامن مع مظاهرات حماة.
البعض يرى أن هذا التجاهل أسس له النظام على مدار عقود من الزمن، وأن سببه -أي التجاهل- هو أن النظام عتم إعلامياً عليها وهي الغنية بخيراتها وفراتها ونفطها وقوة ديمغرافيتها وتاريخها وآثارها، ليستمر في حلبها حتى آخر نقطة فيها وكان ما أراد له، وأن استمرار هذا التجاهل في زمن ما بعد عام 2011 يأتي باقتناع الجميع برؤية النظام ومقولاته عنها، بأن هذه المحافظة بالفعل هي غير مهمة، كما روج لذلك النظام وأنه لا يوجد فيها شيء من الممكن الاستفادة منه، وأن البعض اقتنع بأنها محافظة غير مهمة وأنها عالة على الدولة والمجتمع السوريين، الغريب بالأمر أن النظام أسس لتجاهله هذا بأسباب منطقية – بالنسبة له طبعاً – إلا أنه وبعد عام 2011 بقي هذا التجاهل موجوداً، لأسباب غير مفهومة وخاصة من الإعلام البديل.
ومن غير الصحيح القول بأن محافظة ديرالزور هي غير مهمة، ولو جاز لنا القول لقلنا إنها محافظة مكتفية بذاتها وليس هذا فقط إنما هي مصدرة لمنتوجاتها، فإن قلنا زراعياً وحيوانياً فإنها كانت تمد كل سورية بإنتاجها الزراعي والحيواني ومازالت حتى فترة قريبة، وإن قلنا الثروات الباطنية فإنها تزود سورية وتصدر انتاجها من النفط، على الرغم من عدم استفادتها من وارداته في تطوير بنيتها التحتية إنما تأثرت بأضراره فقط، ومع كل ذلك لم تشتك بل بالعكس كانت معطاءة وكريمة حتى الذروة في هذا المجال، إضافة إلى مرور نهر الفرات في أراضيها والذي يكفيها ماءه للشرب وللزراعة لمئات السنين مستقبلاً، وإن قلنا آثارياً فإن فيها من الآثار الكثير من المواقع الذي تم اكتشافه، وغيرها مازال موجوداً في باطن الأرض غير مكتشف، ناهيك عن وجود مئات السياسيين والمثقفين والشعراء والفنانين التي أجادت بهم.
إن الترويج بأن محافظة ديرالزور غير مهمة بالصراع السوري، هو ترويج خاطئ وغير صحيح وغير منطقي ومعقول، ولو كانت كذلك لتخلى النظام عنها منذ البداية، بل بالعكس فإن النظام متمسك بها حتى رمقه الأخير، وقد استشرس للبقاء فيها وبالفعل فها هو يسيطر على حيين فيها كالغريق المتمسك بقشة ولا يريد التنازل عنها، في المقابل فإن تنظيم الدولة يعرف قيمتها جيداً لذا قام بالسيطرة عليها ولو أنه يدرك بأنها غير مهمة لما قام بالسيطرة عليها.
من جانب آخر فإن من الضروري إجراء عملية تفكيك لتهميش ديرالزور، حيث امتد بلا وعي السوريين بأن المنطقة الشرقية ومنها محافظة ديرالزور هي منطقة عراقية الهوى، وهذا غير صحيح، إنما هي سورية بوعيها ولا وعيها، لكن النظام السوري منذ سبعينيات القرن الماضي وقبل ذلك حاول ربطها بالعراق لقربها الجغرافي منه والاجتماعي واللهجوي بسبب نزاع البعث العراقي والسوري، وإن أهلها هم غير سوريين، فنأى عنها باقي المجتمع السوري، وفي الواقع فإن أهالي ديرالزور يعانون من هذا التهميش والتعتيم والتضليل، وهم يحاولون إثبات عكس ذلك عبر إثبات سوريتهم مرتين، الأولى بالجغرافيا والثانية بالطرح السياسي، وهي محاولة صعبة ومكلفة معنوياً ونفسياً.
من المهم التذكير بأن وسائل الإعلام وخاصة البديل منها لم تهتم منذ وقوع مجزرة الحرس الجمهوري التي حصلت في نهاية ايلول سبتمبر 2012، حتى مجزرة الصالحية 24 كانون الثاني/يناير 2017، وما بينهما من مجازر مثل: مجزرة الشعطيات، مجزرة القورية، مجزرة البوليل، مجزرة فرن العمال، مجزرة ساحة العيد والسوق المقبي في الميادين، مجزرة جامع عمر بن الخطاب في البوكمال، مجزرة منطقة الخان في التبني ومجزرة خشام، وغيرها الكثير من المجازر لا يتسع ذكرها في هذه المقالة، وللأمانة الصحفية فإن بعض هذه المجازر جاء ذكرها في وسائل الإعلام، إنما كرفع عتب وكأن الأمر لا يعينها، فيما لم يأت هذا الإعلام على ذكر بعضها الآخر إطلاقاً، إن هذا التجاهل هو مجزرة أخرى بحق الضحايا، وبحق أبناء هذه المحافظة تضاف إلى المجازر التي وقعت وتقع فيها.
لابد هنا من ذكر من أن مرصد العدالة من أجل الحياة في ديرالزور، لم يألُ جهداً في التواصل مع مختلف وسائل الإعلام المحلية والعربية، وحتى التركية الناطقة باللغة العربية والأجنبية –المسموعة منها والمقروءة والمرئية- لإحداث نقلة تراكمية ونوعية ولإحداث هزة في جمود التعاطي مع ما يجري في ديرالزور، إلا أن هذه الجهود قوبلت بردود جافة وغير منطقية ولا مسؤولة، فعلى سبيل المثال فإن أحد الإعلاميين أكد لأحد مسؤولي المرصد على إن “مسألة حصار أحياء في ديرالزور مسألة لا تعنينا”، والسؤال إذا كانت ديرالزور في معاناتها الحالية لا تعني الإعلام المحلي الثوري خاصة، فهي تعني من إذن، هل تعني إعلام موازمبيق مثلاً؟؟!!
وغير ذلك من مصائب لهذا الإعلام، فالمرصد حينما يُسأل عن أوضاع المحافظة فإنه يُسأل عن أحداث قديمة وليست مستجدة، وهو ما يعني أن هذا الإعلام ليس لديه أدنى مسؤولية للاهتمام بتحديث معلوماته عنها، مما يضطر المرصد للخروج عن سياقات الأسئلة للفت نظر هذا الإعلام إلى آخر الانتهاكات التي جرت فيها، والتي يُفترض أن يكون هو أول من يعلم بها، وهذه معاناة أخرى يواجهها المرصد مع وسائل الإعلام.
ما هو مؤكد حتى الآن للمرصد، بأن عدم الاهتمام من قبل وسائل الاعلام، بقصد منه أو دونه هو مشاركة في تهميشها، وإبقائها صندوقاً أسوداً لا يخرج منه إلا ما يريده منتهكو حقوق الإنسان من تنظيم الدولة والنظام وغيرهما، وتجاهلاً للمجازر التي تقع بحق المدنيين. إلا أننا لو نظرنا إلى الموضوع من زاوية أخرى، سنشاهد إن طريقة التباكي على ما يجري في ديرالزور في الإعلام البديل، ومختلف وسائل الإعلام الأخرى لم تعطِ أي نتيجة، ولم تكشف للعالم حجم الكارثة الحاصلة في ديرالزور، فعلى سبيل المثال فأن الكثير من المنظمات الإنسانية والحقوقية المحلية منها والدولية، وبسبب التقصير الإعلامي لم تكن على علم بتفاصيل الحصار المفروض على بعض الأحياء، أو أن هذا الحصار هو بمشاركة الحكومة السورية وبقرار على أعلى المستويات فيها، كما أن وسائل الإعلام لم ترصد أو تهتم بمعاناة نازحي ديرالزور سواء في مناطق المعارضة أو من مناطق النظام أو مناطق سيطرة وحدات حماية الشعب التابعة للإدارة الذاتية.
إضافة إلى كل ما سبق فإن هناك أسباباً ذاتية لعدم تقديم ديرالزور إلى واجهة الأحداث، منها خلافات الناشطين الإعلاميين، وكذلك سيطرة جهات معارضة للنظام على قنوات الاتصال مع الفضائيات العربية المهتمة بما يحدث في سورية، ودور هذه الجهات السلبي بعدم وصول هذا الإعلام لوجهات نظر أخرى متباينة مع توجهات تلك الجهات المعارضة التي تمسك بزمام أمر تلك القنوات، كما إن الخلافات ما بين الناشطين الإعلاميين، أعاق تشكيل واجهة إعلامية للمحافظة، تستطيع من خلالها ايصال صوتها وتوضيح ما يحدث فيها ونقل مأساتها ومعاناتها للعالم.
يحق لأبناء ديرالزور الذين يواجهون حقيقة ذي حدين، بأن التغييب الذي استمر من قبل النظام على مدى عقود من الزمن واستمراره إلى ما بعد عام 2011 وحتى اللحظة، يحق لهم أن يتساءلوا لماذا هذا الإعلام هو إعلام أعمى ؟؟.
وفي معرض رده على سؤال لماذا دير الزور مغيبة؟ أجاب أحد سياسي ديرالزور القدامى قائلا: إن
هذا التغييب هو تغييب مدروس و ممنهج، لأن كل من خرج منها ترك أثرا وبصمة، والنظام لا يريد تكرار هذا الشيء .. فيما أكد أحد الحقوقيين السوريين الناشطين في هذا السياق على منهجية هذا التهميش للمحافظة الكريمة والمعطاءة والتي حين طُلب منها سابقاً ويطلب منها حاضراً ومستقبلا ًما لها إلا أن تجيب وتقدم بسرعة ما يجب أن تقدمه بنخوة أهلها.
وأخيراً .. علينا كأبناء ديرالزور ونخص الناشطين الحقوقيين والإعلاميين والسياسيين، ألا ننتظر قدوم الاهتمام، بل علينا نحن أن نتحرك قُدماً في التعريف عن قضية ديرالزور ومعاناتها حتى تستطيع محافظتنا النهوض على قدميها، والمشي في ركب ما يحدث في سورية عموماً للمشاركة فيه وللمشاركة فيه بفعالية.