سناء علي
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2015-07-06 على الصفحة رقم 10 – عربي ودولي
بالطائرة من دير الزور وصلت أم صفاء إلى دمشق. كانت زيارة العاصمة تلك قبل شهرين تقريباً. سألت السيدة يومها عن سبب قدومها فقالت إنها زيارة عمل، والسبب الأهم هو التزوّد ببعض المؤن والطعام! هل الوضع سيئ إلى هذه الدرجة؟ نعم سيئ.. بل هو أكثر من ذلك بكثير.
تعيش دير الزور، أو «ولاية الخير»، كما يطلق عليها مسلحو تنظيم «داعش» حصاراً خانقاً يفرضه هذا الأخير على سكان المدينة تجاوز شهره السادس فعلياً، بالتوازي مع استمرار العمليات العسكرية والمعارك الدائرة بين قوات الجيش السوري ومسلحي التنظيم في محيط مطار دير الزور العسكري والمناطق المحيطة به.
حصار «داعش» لا يقتصر على الأحياء المحسوبة على الدولة وقوات الجيش السوري فقط، بل يشمل جميع المناطق التي تخضع لسيطرته وسيطرة فصائل مسلحة أخرى. لكن المشهد الأكثر قتامة تصوّره أحياء الجورة والقصور، والصناعة، والهرابش، المحاصرة كلياً من قبل «داعش»، فالذبح مصير كل من يحاول إدخال الطعام أو أي نوع من المعونات إلى داخل تلك الأحياء. الاتصالات مقطوعة بشكل شبه كامل. لا طرقات تصل المدينة بالخارج باستثناء بعض رحلات الطيران، معظمها عسكرية، التي ما زالت تعمل على توفير ما بإمكانه تخفيف المعاناة. كما يُمنع منعاً باتاً دخول الغذاء والدواء، وحتى مكاتب المنظمات الإنسانية تعرّضت للاعتداء وحظر نشاطها في تقديم المساعدات للمدنيين المحاصرين.
أسعار المؤن والخضار المتوفّرة بقلة سجلت أسعاراً خيالية تجاوزت الـ 30 ضعفاً بحسب شهادات أهلية من المدينة. ويقول الأهالي «يظلمنا التجار ويزيدون من مأساتنا بجشعهم، لكن أن تتوفر المادة ولو بسعر مرتفع أفضل من عدم توفرها. أسعار المحروقات على سبيل المثال وصلت إلى 1700 ليرة سورية لليتر المازوت الواحد، أما البنزين فـ 2700 ليرة سورية، في المقابل تراوحت أسعار الخضار المزروعة محلياً بين 1100 إلى 2000 ليرة سورية».
التنظيم يفرض حصاراً مشابهاً في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، إلا أنه يسمح بكل ما يمنعه عن الأحياء الموالية مقابل أتاوات تحت مسمّى «الزكاة». قوانين «شرعية» فرضها التنظيم أيضاً خلال شهر رمضان مع لائحة عقوبات لكل من يخالف ليس أقلها الذبح! فهو أعدم ثلاثة رجال في بلدة الكسرة بالريف الغربي لمدينة دير الزور، وقام بصلبهم بعد الإعدام بحسب نشطاء معارضين، كما قام التنظيم بصلب طفلين دون سن الـ 18، على سور مقرّ «الحسبة» في شارع البوكمال بمدينة الميادين، وعلق في رقبتيهما لافتة كتب عليها «إفطار من دون عذر شرعي».
مئات حالات الإعدام الميدانية نفّذها «داعش» بحق أبناء المدينة إلى الآن بتُهم مختلفة، منها التعامل مع النظام أو تهريب الطعام إلى المناطق المحاصرة، أو العصيان والردة والزنى وما إلى ذلك.
أما في المشهد الميداني فلا يبدو أن هناك أيّ تغير في خطوط التماس والمواجهة في المدى المنظور، باستثناء بعض عمليات الكر والفر والمناوشات العسكرية بين قوات الجيش السوري المتواجدة في المدينة ومسلحي التنظيم، إلى جانب بعض محاولات الاختراق التي يعمد إليها «داعش» بين الحين والآخر من خلال السيارات المفخخة أو استهداف الأحياء المحاصرة بقذائف الهاون.
شوارع تحرسها مناظير القناصات. وثورة جياع في شهر الرحمة. صلب وجلد ونهب، وحياة لا تشبه الحياة هناك حيث الفرات الذي ينبع من الجنة «كما كانت تقول الأساطير» يفيض صبراً ليمدّ من بقوا بأمل الفرج القريب.
http://assafir.com/article/429240