يمنى الخلف – دير الزور
منذ عشر سنوات وحتى يومنا هذا، يبحث الشباب في دير الزور عن ملاذٍ[1] تتوافر فيه شروط الأمان ويمنحهم فرصاً للعمل أو استكمالاً لتعليمهم. المئات من الشباب تركوا مقاعدهم الجامعيّة وأعمالهم إثر الحرب حيث ازدادت الملاحقات الأمنيّة من مختلف القوى المسيطرة خاصة للشباب وذلك إما لمشاركتهم في الحراك المدنيّ المطالب بتغيير نظام الحكم في سوريا، أو المواقف المناهضة للفصائل المسلّحة، أو لأسباب تتعلق بالتجنيد الإلزامي.
بعضٌ من الشباب المهاجرين توجّهوا إلى سوق العمل في دول اللّجوء لأسبابٍ ماديّة لتأمين احتياجاتهم واحتياجات عوائلهم في سوريا، وازداد الطلب على العمل مع طول مدّة الحرب في سوريا ونفاذ المدّخرات والأزمة الاقتصادية في سوريا، ممّا أثّر على حُلْم مواصلة التعليم أو الحصول على مقاعدَ جامعيّة في دول المهجر، أو الحصول على عمل مناسب للشهادة العلميّة أو الخبرة لدى الشاب المهاجر.
انعكس هذا الوضع سلباً على دير الزور الآن، تشهد المحافظة نقصاً حادّاً في الكفاءات العلميّة نتيجة الهجرة، ويؤثر هذا النقص على قطاعات أساسيّة كالتّعليم[2] والصّحة[3] والخدمات.
ضاعت أحلام أبنائي:
أبو محمد في العقد السادس من عمره يعيش مع زوجته في بلدة “الحصان” في ريف دير الزور الغربي يتحدث عن رحلة نزوحه، هذه الرّحلة التي لم تنتهِ بعد وأوصلت العائلة للموافقة على قرار ولديها الشّابين بالهجرة من سوريا. يقول أبو محمد “هربنا من مناطق سيطرة الحكومة السّورية إلى الرّيف لحماية عائلتي وخاصّة أبنائي الّذين بلغوا سنّ التّجنيد الإلزامي، لديَّ شابان الآن يقيمان في تركيا أحدُهما كان يدرس الطّب في السنة الخامسة والآخر كان في الثامنة عشر من عمره، وهما يعملان في تركيا وقد تعلما مهنة الخياطة باحتراف”. يواصل أبو محمد حديثه بحسرة قائلاً: “كنت أحلُم أن يكملوا تعليمهم وأن أرى عيادة ابني في دير الزور”. ولدا أبي محمد يُعيلان العائلة بإرسال مبلغٍ شهريٍّ ولولاهما-وفق أبو محمد-لما تمكّنت العائلة من تأمينِ مستلزمات المعيشة الأساسيّة وعلى الأخص مصاريف الرّعاية الصّحيّة لوالدتهما.
أمهات يفتقدن أبنائهن:
عبير(اسم مستعار)، في الخمسين من عمرها، نازحة تقيم في قرية “الجنينة”، ، أمٌّ لثلاثة شبان تتكلّم عن فراق أولادها الشباب: “ربيت أولادي (كل شبر بنذر) وتعبت عليهم حتى حصلوا على شهادات جامعيّة اثنان منهم في الهندسة والثالث درس الحقوق، عندما بدأتِ الحرب لم أجد لهم مكاناً آمناً في هذا الوطن سوى السّفر إلى تركيا ومن هناك إلى أوروبا، حاليا يقيمون في ألمانيا في بلدٍ حفظ لهم حقوقهم وكرامتهم والأهمّ من ذلك أنهم يعيشون بأمان، على الرّغم من شوقي الكبير لرؤيتهم وكلَّ يومٍ أعيش على أملِ أنْ يجمعنا لقاء في هذه الدنيا”.
منال (اسم مستعار)، في العقد الرابع من عمرها، وهي أمٌّ لأربعة أطفال تسكن في قرية “الصعوة” في ريف دير الزور، تعيش في ظروف جيدة على حدِّ قولها رغم شوقها لزوجها وابنها، تقول منال: “زوجي وابني يعملان في ورشة زخرفة للمنازل في لبنان منذ سبعِ سنوات، سافرا إلى لبنان وكان ابني لم يكمل الرابعة عشرَ من عمره بسبب عدم وجود عمل، حيث فقدنا موردنا الماليَّ الوحيد بسبب الحرب والنّزوح” تتابع حديثها، أتى زوجي لرؤيتنا منذ سنتين أما ابني فمنذ سفره لم أره، يرسل لنا كلّ شهر مصروفاً كاملاً كي نعيش بكرامة”.
نسب وإحصائيات
كانت وجهة اللّاجئين السّوريين أولاً إلى تركيا بحكم اشتراكها بحدود طويلة حيث قالت مصادر حكوميّة[4] بأنَّ عددَ اللّاجئين تجاوز (3) ملايين شخص حتى نهاية نيسان 2022، وفي لبنان يبلغ عدد اللّاجئين السّوريين ما يقارب (860) ألف وفق المفوضيّة السّامية لشؤون اللّاجئين[5] حتى نهاية العام 2020، وتهدّد[6] السّلطات بإعادتهم إلى سوريا وقد فرضت لبنان تأشيرة دخول للسّوريين منذ مطلع عام ٢٠١٥ منعاً من اِستقبال المزيد من اللّاجئين.
وفي الأُردن يوجد (670) ألف لاجِئ مسجّلين لدى المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين، تمكّن الآلاف منهم من الانخراط في سوق العمل بفضل تصاريح أصدرتها الحكومة الأردنيّة[7]. واتجّه سوريون إلى أوروبا كخيار أكثر استدامة ويمكن تحصيل إقامة بشكل قانونيٍّ إضافةً إلى إمكانيّة العمل، قالت مصادر صحفيّة[8] إنَّ اللاجئين السورييّن الحاصلين على وضع الحماية في عام 2020 وصل إلى (281) ألف. من منظور آخر فإن هذه الفئة المهاجرة ساهمت بشكل كبير في رفد من بقيَ من أهاليهم وأقربائهم داخل سوريا من خلالِ تحويلات ماليّةٍ شهريّةٍ عبر مكاتب التحويل.
[1] بعد 11 عاماً، تزايد المصاعب يدفع بالعديد من السوريين إلى حافة الهاوية، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، 15 آذار/مارس 2022.
https://www.unhcr.org/ar/news/briefing/2022/3/62308a534.html
[2] إضراب المعلمين في دير الزور الأسباب وأهم التوصيات، منظمة العدالة من أجل الحياة، 13 أيار/مايو 2022.
[3] آلاف الإصابات ومئات الوفيات شمال شرق سوريا بسبب انتشار كورونا، منظمة العدالة من أجل الحياة، 12 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
[4] الهجرة التركية تنشر أرقاماً جديدة عن أعداد السوريين وتوزعهم، راديو روزنة، 8 أيار/مايو 2022.
https://www.rozana.fm/ar/news/2022/05/08/%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%A3%D8%B1%D9%82%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%A3%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%AA%D9%88%D8%B2%D8%B9%D9%87%D9%85
[5] المفوضية السامية لشؤون اللاجئين
https://www.unhcr.org/ar/4be7cc278c2.html
[6] لبنان يهدد بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، BBC NEWS، 20 يونيو/حزيران 2022.
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-61868011
[7] الأردن يصدر عدداً قياسيا من تصاريح العمل للاجئين الأردنيين، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، 25 كانون الثاني/يناير 2022.
https://www.unhcr.org/ar/news/press/2022/1/61f03b704.html
[8] تراجع عدد اللاجئين الحاصلين على الحماية في أوربا عام 2020.. السوريون في الصدارة، عنب بلدي، 24 نيسان/أبريل 2021.