هيا الأحمد – دير الزور
أم صالح (اسم مستعار)، امرأة من دير الزور أكملت تعليمها لكنها لم تتوظف، تزوجت وأنجبت أطفال وأقامت مع أهل زوجها بنفس المنزل،
بدأت قصتها عندما قررت التقدم لوظيفة لمساعدة زوجها في مصاريف المنزل والأطفال، وهنا بدأت مشاكلها:” واجهت في البداية رفضاً لفكرة العمل من زوجي، وأيّدته بذلك عائلته التي نسكن معها وذلك على اعتبار أن عاداتهم لا تسمح للمرأة بالعمل خارج منزلها إلا في أعمال محددة تقتصر على الزراعة وتربية المواشي”.
ولكن مع إصرار أم صالح استطاعت أخيراً إقناع زوجها “توصلت مع زوجي إلى اتفاق يقضي بأن أتقدم إلى عمل لا يقتضي قضاء ساعات طويلة خارج المنزل ولا يؤدي العمل إلى أي تقصير من قبلي بواجباتي المنزلية”، وبالفعل تقدمت أم صالح لوظيفة في مجال التعليم وتم قبولها بإحدى المدارس كمعلمة.
بدأت أم صالح بالعمل في المدرسة” كانت فترة عملي خلال الصباح، أعود إلى المنزل لمتابعة واجبي كأم وربة منزل متحملة كل التعب والضغط كآلة لا تعرف الراحة ومع ذلك كان يملأني الحماس في سبيل أن أكون امرأة منتجة وفاعلة”.
جاء موعد استلام الرواتب وأم صالح متلهفة لاستلام أول راتب لها، كانت تسمع حديث زميلاتها المعلمات وهن يتحدثن عن مخططاتهن لشراء احتياجاتهن ومستلزماتهن “استلمتُ راتبي وعدتُ إلى المنزل وأخبرتُ زوجي باستلام الراتب الأول لي وكنت أحدثه بسعادة تغمرني بعد أن حققت حلمي الذي رافقني منذ أن بدأت دراستي وأصبحت معلمة و لي راتب شهري أستطيع من خلاله أن أنفق على أولادي وأشتري ما يحلو لي”.
تكمل أم صالح بأن زوجها طلب منها إدارة راتبها لأنه أكثر قدرة على ذلك من وجهة نظره “بالفعل استلم أبو صالح راتبي وكنتُ أواسي نفسي بتبريرات تكاد تكون مُرضية بالنسبة لي بأن لايوجد فرق بيني وبين زوجي، المهم أنني أصبحت امرأة منتجة، وعند استلام الراتب الثاني طلبه زوجي أيضاً ولم يتغير الحال بالنسبة للراتب الثالث والرابع إلا أن أصبح راتبي له تلقائياً، وكنت أحياناً ومن باب المزاح أمتنع في بداية الأمر، ولكن طلبه كان جدياً، وهو لن يرضى سوى بالحصول على الراتب بحجة مصروف البيت”.
استمرت أم صالح بالعمل مع استمرار استلام أبو صالح لراتبها كل شهر، مع أنها كانت عندما تطلب منه أن تشتري ثياباً جديدة كونها تذهب كل يوم للمدرسة وتحتاج لثياب جديدة كان جوابه أن لم يبق معي مالاً!
بقي الأمر على حاله إلى أن جاء يوم وتقررت زيادة على الراتب بقيمة (100) ألف ليرة سورية ” قررتُ أن لا أخبر أحداً بالزيادة لأنني أريد التمتع بجزء من تعبي، وفعلاً اشتريت بدون علم زوجي لكنني لم أكن سعيدة وكان ينتابني شعور بتأنيب الضمير “.
أسوة بزميلاتها المعلمات قررت أن تقوم بدروس إضافية مأجورة وذلك بعد نهاية الدوام في المدرسة وطلبت من زوجها إعطاء الدروس الإضافية في المنزل وقابلت اعتراضاً أيضاً “تدخل والد زوجي، ولكن بشكل غير مباشر وكون المنزل لأهل زوجي كان يتوجب أن أوافق على مطالبه وهي أن أشارك بالمصروف من أجرة الدروس الخصوصية بحجة أنه يحتاج المال من أجل شراء مواشي للتجارة وبالفعل أصبحتُ أشارك في مصروف البيت بالإضافة إلى الراتب الذي يأخذه زوجي”.
تعايشت أم صالح مع الوضع في بادئ الأمر إلى أن جاء الوقت الذي لم تعد تستطيع التحمل” لجأت إلى أهلي ولكن بدون جدوى وكانوا يختصرون أي حوار بأن “المرأة وما تملك للزوج وهو أقدر بإدارة مصاريف البيت “.
بدأ يسيطر على أم صالح شيئآً من اللوم والندم وكادت تدخل في حالة اكتئاب ” ما كان يعيد لي الأمل أنني مازالت قوية بوجود أولادي واستطعت أن أغير جزء من بحياتي وكل أملي أن يكون المجتمع مؤمن بقدرات النساء ويناهض القيود التي باتت كالسجن تحيط بالنساء والفتيات” .
تنهي السيدة أم صالح سرد قصتها بالقول:” على مجتمعنا أن يقدّر جهودنا وأن يحترم حقوقنا، يجب ألا تستمر التجاوزات على حقوق النساء الاقتصادية، إن تمكني من الحصول على فرصة للعمل هو حصول على حق كنت محرومة منه، لا أريد لبناتي أن يعشن منقوصات الحقوق ويجب أن يحصلن على كامل حقوقهن”.