قصّة اختفاء ديب محمّد برهان ومحمّد صلاح الدين برهان على يد عناصر من الجيش السوري
تروي “ميسون برهان” قصة شقيقها وعمّها المختفيان[1]، وتصف الكارثة التي تعرّضت لها عائلتها إثر مقتل والدها تحت التعذيب على يد عناصر من الجيش النظامي السوري، واعتقال شقيقها وعمّها، واختفائهما بدون وجود أي أثر.
لقراءة القصة بشكل كامل وتحميلها بصيغة ملف PDF يرجى الضغط هنا.
شقيق ميسون برهان هو محمد صلاح الدين برهان، من مواليد مدينة الزبداني في ريف دمشق (1976)، كان يعمل في تجارة وتوزيع المنظفات، وهو متزوج ولكنّه لم يرزق بأولاد. أمّا عمّ ميسون برهان فهو ديب محمّد برهان وهو من مواليد مدينة الزبداني أيضاً، العام 1957، كان يعمل تاجراً ويملك متجراً لبيع الألبسة، وهو متزوّج ولديه ولدين شاب وفتاة.
بدأت مصيبة عائلة برهان بتاريخ 4 تشرين الأوّل/أكتوبر 2012، عندما تمّ إلقاء القبض على الأب “صلاح الدين برهان” في الزبداني على طريق حاجز يدعى بحاجز “الجبل” التابع للجيش السوري، وبعدها تمّ اقتياد “صلاح الدين” إلى معتقلٍ تابع للجيش بمنطقة وادي القاق في الزبداني بالقرب من أرضه حيث توفّي تحت التعذيب وتمّ تسليم جثّته لأهله بدون شهادة وفاة أو أي من ممتلكاته الشخصيّة.
قامت العائلة بتزويد سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بشريط فيديو تظهر فيه جثة الأب صلاح الدين برهان، كما زودت المنظمة بشريطين آخرين يوضحان آثار التعذيب على جثة الأب.
قام الأهل بدفن الوالد “صلاح الدين” وإقامة العزاء وفي اليوم الثالث من العزاء أراد ابنه “محمّد” وشقيقه ”ديب” استرداد سيّارة الأب التي تركها في أرضه، وبالفعل ذهبا إلى أرض الوالد صلاح فتمّ اعتقالهما من قبل عناصر تابعة للجيش النظامي السوري، الذي كان يقوم بتمشيط المنطقة إثر حادثة مقتل أحد كبار الضبّاط المسؤولين فيها من قبل عناصر مسلّحة، كما قاموا باعتقال الكثير من الفلّاحين المتواجدين في الأراضي الزراعيّة المجاورة لمنطقة “الجبل” في الزبداني.
وصل خبر اعتقال الابن محمد وعمّه ديب إلى أهله، وبعد قيامهم بالسؤال والاستفسار، علموا أنّه تم اقتيادهما إلى مدينة دمشق على الفور، ثم حاول الأهل لاحقاً الاستفسار والحصول على معلومات أكثر، فاضطرّوا لدفع مبالغ ماديّة كبيرة لوسطاء ومحامين بلغ مجموعها ما يقارب الـ 6000$ دولار أمريكي ولكن بدون الحصول على أيّ خبرٍ أكيد ذو مصداقية، حيث تضاربت أنباء هؤلاء الوسطاء، فبعضهم أخبرهم أنّهما محتجزان في الفرع (215) التابع لجهاز المخابرات العسكريّة، والبعض الآخر أخبرهم بوجود المختفيين في الفرقة الرابعة الفوج (555) إيداع. حيث تقول ميسون:
” للأسف تمّ الإفراج عن الكثيرين من فرع المداهمة (215) والفوج (555) وغيرها من الأفرع، ولكن لم يصلنا أيّ خبر منهم. حيث علمنا لاحقاً أنّ الجيش اعتقل شقيقي “محمّد” بسبب اسم عائلته، وظنّاً منه أنّه الشيخ “فراس برهان” المطلوب لدى الجيش.”
تضيف ميسون حول مأساة العائلة عقب حادثة موت الأب واختفاء الابن والعم:
“عائلتنا مكوّنة من خمسة فتيات وولد واحد، وهو محمّد، خسرنا أبانا وأخانا وعمّنا في ظرف أربعة أيّام، أمّا أمّي فكانت أكثر من عانى، فهي مكسورةٌ نفسيّاً من ناحية فقدها لزوجها وابنها، ودائماً ما تتذكّرهما عند كلّ تفصيلٍ صغيرٍ في حياتنا ونشاطاتنا اليوميّة، وتستيقظ أحياناً في منتصف الليل وهي تبكي وتصرخ، وقد عانت في السابق من انهيارٍ عصبيٍّ. دائماً ما نشعر أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى معرفة مصيرهما، نحتاج إلى معرفة أي خبر عنهما، هل هما على قيد الحياة؟ أم هما في عداد الأموات؟ أين مكان احتجازهما؟ …أخبرنا شهود عيان على حادثة اعتقال أخي وعمّي وقالوا إنّ عناصر الجيش السوري قاموا بضرب أخي “محمّد” عند اعتقاله على رأسه بواسطة أخمص السلاح،لذلك فنحن دائماً ما نتساءل عن أثر هذا الضرب على أخي؟ وهل تمكّن من البقاء على قيد الحياة بعدها؟ أم أنه فقد الذاكرة بسببها ولذلك هو مختفي؟ وهل يعقل أنه لم يتعرّف عليهما ولم يشاهدهما أيّ معتقل سابق تمّ الإفراج عنه؟”
لم تتأثّر عائلة ميسون ماديّاً كثيراً بالمقارنة بعائلة العم “ديب”، حيث أن الفتيات سافرن إلى خارج سوريا، ودرست اثنتان منهنّ هندسة الكمبيوتر والثالثة التصوير أما ميسون فدرست الفلسفة وافتتحت معهداً للدراسة، وهنّ يعملن رغم غياب أبيهنّ وأخيهنّ، أما زوجة “ديب” فهي ربّة منزل، ولم تستطع ابنته العمل بعد تخرّجها من الجامعة وهرب ابنه لاجئاً إلى هولندا، فأصبحت عائلة العم ديب مكسورة الخاطر تعاني من صعوبة قضاء حوائجها اليوميّة بغياب المعيل، وتظهر على زوجة “ديب” آثار الهرم والتعب الشديدين إثر اختفاء زوجها.
لحسن الحظ أنّ عائلة “برهان” ساندت العائلتين معنويّاً وماديّاً، ولم ينتج عن غياب الثلاثة أيّة مشاكل على ملكيّة الأراضي، ولكن بعض المحامين أشاروا على العائلة بضرورة نقل ملكيّة الأراضي وتقسيمها عليهم خوفا من أن تقوم الدولة باستملاك ومصادرة الأراضي التي لا تزال مسجّلة باسم “صلاح الدين” وأخوه ”ديب” وقد باشرت العائلة بهذه الإجراءات وتتوقع بعض المشاكل في المستقبل العاجل بما يخصّ التعقيدات القانونيّة التي تنتج عن اختفاء الشخص أو موته بدون إصدار شهادة الوفاة.
في أثناء غيابهم عن منزلهم وبعد سفرهم، تعرّض منزل عائلة “برهان” إلى الكثير من الأضرار الماديّة بسبب قصف النظام السوري لمدينة الزبداني، وأخبرهم أحد جيرانهم، أنّه يتوجّب عليهم العودة وتقدير الأضرار التي تعرّض لها منزلهم مع إمكانيّة تعويضهم وفقاً لمشروع “إعادة تعمير”، تقول ميسون في هذا الخصوص:
“سألنا الجار عن تاريخ قدومنا لنقوم بتقدير الأضرار التي ضربت منزلنا، فضحكت وأخبرته أيّ منزل؟ هذا ليس بمنزل العائلة بغياب أبي وأخي وعمّي، مع أنّني أشكّ بمصداقيّة الدولة بتعويض المتضرّرين، ولكن حتّى لو قاموا بإعادة تعمير المنزل المؤلّف من أربعة جدران فسيبقى منزلاً غريباً علينا وفارغاً في ظلّ غياب أحبابنا.”
[1] تمّ إجراء هذه المقابلة في تاريخ 28 تمّوز/يوليو 2017 عن طريق الإنترنت.