طرق التعامل السيئة الذي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية بحق المواطنين في محافظة ديرالزور ، تجبرهم على التفكير بالرحيل من الأماكن التي ولدوا وعاشوا وتربوا فيها ، حيث يتحول المكان من مكان للذكريات والتفكير بالمستقبل وبنائه إلى معتقل كبير حجمه بحدود المحافظة ، وإلى مكان لا طاقة للناس للعيش به .
فكوارث سياسات التنظيم تجاه المواطنين لا تعد ولا تحصى ، منها انعدام حرية تنقل المواطنين من المناطق التي استولى عليها تنظيم الدولة إلى المناطق السورية الأخرى .
فقد منع تنظيم الدولة خروج المواطنين إلا بإذن وموافقة منه ، ومن هذه الحالات على سبيل المثال الحالات الإستشفائية ، حيث تفتقد هذه المناطق لوجود المشافي القادرة لمعالجة الأمراض الخطيرة أو المستعصية أو غيرها من الأمراض العادية ، لعدم وجود الدواء والأدوات الطبية لاتمام عملية الاستشفاء .
ويشترط التنظيم على المدنيين في مناطق سيطرته في المحافظة الراغبين بالخروج إلى مناطق أخرى غير خاضعة لسيطرته أو خارج سورية الحصول على موافقة من جهاز الحسبة ، والحسبة لا تعطي الموافقات إلا ضمن حالات معينة منها المرضية حيث سجل مرصد العدالة حالات مرضية رفضت الحسبة اعطاء الموافقة .
بيدا أن الناس لا تخرج فقط للعلاج ، فهناك حالات أخرى مثل الحركة الاقتصادية والاجتماعية والدراسية والنفسية ، كعدم قدرة البعض على العيش في مثل الظروف القاهرة التي أنشأها التنظيم ، نتيجة سياساته المشينة بحق المواطنين المدنيين .
وفي حالة إعطاء الموافقة للخروج ، فإن التنظيم يجبر صاحب الموافقة على وضع كل ما يملكه من عقارات عند التنظيم ككفيل لضمان عودته ، لكن الكثير من العائلات والأشخاص لا يستطيعون أخذ موافقة السفر لأسباب عديدة ، لذا فانهم يفكرون للخروج من مناطق التنظيم بالهروب .
إلا إن هذا الهروب من مناطق التنظيم ليس مسكونا بالآمان ، ففي حالة الإمساك بهم فان لهم عقوبة ، هي الدخول في دورة استتابة فيما تكون عقوبة السائق السوق إلى المقصلة ، كما أنه ليس سهلا في حال الوصول إلى المناطق الأخرى ، فقد تحتجز قوات النظام هذه العائلات والأشخاص ، ومن ثم سوقها إلى أحد المعسكرات ووضعهم فيها دون القدرة للوصول إلى دمشق .
من هذه الحالات ، هروب رجل وامرأة عن طريق البادية إلى دمشق ، ولما أن نجحوا في تخطي الحدود الذي يسيطر عليها التنظيم ، فقد أمسكتهم القوات الحكومية في ازرع بمحافظة درعا ، واحتجزتهم على مدى يومين ، ثم ارسلوهم إلى محافظة السويداء ووضعهم في معسكر للاحتجاز يبعد عن محافظة السويداء عشرة كيلومتر دون معرفة مكانه الجغرافي .
يقول الرجل :”بعد وضعنا في المعسكر ، أعطونا طعاما ودواءا ، كما انهم اعطونا معونات” ، موضحا “انهم لم يحققوا معنا ولم يعذبونا ، لكن الاحتجاز دون سبب لوحده عذاب ما بعده عذاب ، وإن غالبية المحتجزين في هذا المعسكر هم من أبناء المنطقة الشرقية فيما يوجد عدد قليل من العائلات من حمص وحماة وحلب” .
ويضيف الرجل : عند سؤالي عن سبب الاحتجاز في المعسكر ؟ ، أجابني عنصر الأمن : هي اجراءات أمنية ، واننا نريد أن نجري مسحا سياسيا ، وأن هذا المسح السياسي ستطول مدة ذهبه إلى دمشق وعودته منها لمعرفة النتيجة .
ويتابع : “سألته ماذا عليَّ أن أفعل لتسريع عملية المسح السياسي ؟ ، فقال لي : عليك أن تدفع مبلغا ماليا مقابل التسريع ، فسألت عن قيمة المبلغ ؟ فأجابني : مليون ليرة سورية .
ويشير الرجل : “إلى إن المشكلة ليست بدفع المبلغ ، إنما المشكلة هي بعدم وجود مبلغ كبير مثل هذا المبلغ لديَّ ، وها نحن محتجزون في المعسكر ننتظر وصول الموافقة من دمشق ، ولا أعرف المدة التي أستطيع ان أصمد فيها داخله ” .
الملفت في الأمر إن المدنيين الذين يهربون من مناطق التنظيم بشق الأنفس ، يقعون في فخ القوات الحكومية ومعسكراتها ، لذا نستطيع وصف حال المدنيين في ديرالزور الذين يعيشون مثل هذه الحالات بالوصف التالي “كالمستجير من الرمضاء بالنار” .