عمر خطاب – دير الزور
وفق خطى متسارعة اتخذتها سلطات الإدارة الذاتيّة لإغلاق العديد من مخيمّات النزوح المنتشرة شمالي شرق البلاد، وفي ظل الحديث عن استقرار الوضع الأمني بالمناطق التي شهدت نزوحاً جماعيّاً إبان خضوعها لسيطرة تنظيم الدولة من منتصف عام 2014 إلى 2019 وبعد اتفاق عين عيسى حول المخيمات، أصبحت الكفالات العشائريّة هي أمل وطوق النجاة لآلاف النساء والأطفال في المخيمّات شمال شرق سوريا وبالأخص مخيم الهول للنازحين الواقع في محافظة الحسكة الذي يجمع تحت خيامه الآلاف من السوريين والأجانب ممن كانوا يقيمون تحت سيطرة تنظيم الدولة، إذ تشترط سلطات الإدارة الذاتيّة للخروج من المخيم إلى مناطق سيطرتها الأخرى في شرق الفرات، وجود كفيل للراغبين في الإقامة في تلك المناطق، وقد تم العمل بموجب اتفاقيّة عين عيسى الصادرة عن الاجتماع الذي حدث في مدينة عين عيسى في الرقة الذي ضم ممثلين عن الإدارة الذاتيّة من مدنيين وعسكريين وشيوخ ووجهاء القبائل العربيّة والذي من أهم بنوده حصول الخارجين من مخيم الهول على كفالة عشائريّة.
منازل مدمّرة ومدن مهجورة
بعد أن عاش في مخيم لمدة ثلاث سنوات، عاد مرعي حامد عبد الله (70 عاماً)[1] الى قريته الشعفة شرق دير الزور، وهي المرة الأولى له في بلدته منذ هزيمة تنظيم الدولة، ليجدها قد أصبحت خراباً. ولكي يؤوي أسرته المكونة من سبعة أفراد، شيّد عبدالله خيمة كان قد حزمها على عجل بعد أن قررت الإدارة الذاتيّة إخراج النازحين من مخيم الهول، وذلك ضمن مسعى الإدارة الذاتيّة إغلاق جميع مخيمات النازحين ضمن مناطق سيطرتها، الأمر الذي أرغمه و(200) أسرة آخرين على العودة إلى مدنهم المدمرة ومواجهة مستقبل مجهول، إذ كانت تنتشر في المدينة هياكل محترقة لمنازل مدمّرة، وإلى جوارها شيّد بعض الأهالي خيامهم الممهورة بشعار وكالة الأمم المتحدة للاجئين، ليسكنوها بلا ماء أو كهرباء، حيث تغدو الشعفة ليلاً قطعة من السواد و الظلام. يحاول الآن عبدالله إعادة بناء منزله أو يبني منزلاً من الطوب ليدرء عن عائلته برد الشتاء القارس في ظل غياب أي دعم سواء كان حكوميّاً أو من قبل المنظمات العاملة في سوريا و شرق الفرات.
لا يختلف حال أم ليث، نازحة من قرية أبو خاطر التابعة لمدينة هحين، عن حال غيرها من المهجرين الذين أُجبروا على العودة، من دون توفير مستلزمات العيش الأساسية، كالمنزل ومتطلبات الحياة اليومية.
تقول أم ليث، “إنّ النازحين كانوا متواجدين في مخيم الهول الذي تشرف عليه الإدارة الذاتيّة في محافظة الحسكة، بعضهم قرر العودة، والبعض الآخر أُجبر من قبل المسؤولين في المخيم على العودة لمناطقهم وأنا منهم”.
وتضيف: “رجعتُ إلى قريتي التي تعرضتْ للدمار، ولم أجد منزلي كونه أيضاً تعرض للدمار نتيجة للعمليات العسكرية، فاضطررت إلى اللجوء لبناء خيمة لإيواء عائلتي المكوّنة من (5) فتيات، ولم نتلق أي مساعدات.”
الأوضاع أكثر انسيابية في المخيم
وبالمقارنة مع أوضاع المخيم تقول أم ليث “كانت الأوضاع أكثر انسيابية بالنسبة لنا، المساعدات الغذائية والطبية متوفرة، أما الآن فمن الصعوبة توفيرها، وكنا نأمل أن لا نُترَك هكذا في العراء من دون أي مساعدات رغم أنّني أرملة ولا معيل لي”.
أما أبو وليد وهو نازح من بلدة السيّال التابعة للبوكمال في مناطق غرب الفرات نزح بعد العمليات العسكرية لقوات الحكومة السورية والقوات الروسية والميليشيات الأجنبية المساندة للقوات النظامية إلى مخيم “عجاجة” في محافظة الحسكة، يتحدث عن رحلة نزوحه يقوله “خرجت من المخيم في 2020 إلى بلدة الشعفة كون لي أقارب فيها ولا أستطيع العودة لبلدة السيّال لأن منزلي هناك مدمر ولا توجد فرص للعمل أما أبنائي فهم مطلوبون للتجنيد الإجباري و أخاف عليهم”
أيضاً يتحدث أبو ناصر الشبان من مدينة هجين عن حالة منزله لدى عودته من رحلة النزوح التي استمرت عامين فيقول “للأسف لم أجد منزلي، كان عبارة عن أنقاض، لجأتُ إلى هيكل منزل قريب واستقريت فيه مع عائلي”، موضحاً أن “جميع النازحين العائدين إلى القرية لا يملكون الأموال كي يباشروا بإعادة بناء منازلهم”.
وأضاف “إنّ الخدمات المقدمة لنا في القرية متواضعة جداً خصوصاً العلاج”، لافتاً إلى أنّ الإدارة الذاتيّة لم تقدم أي مساعدات بعد عودتهم من المخيم.
إعادة الدمج مع المجتمعات المحليّة ضرورة حتميّة
لا يزال الآلاف من النازحين القاطنين في مخيمات النزوح في مناطق الإدارة الذاتيّة غير قادرين على العودة لمناطقهم الأصلية نتيجة تدمير منازلهم خلال الحرب، فضلاً عن عدم توفر البنى التحتية الأساسية للخدمات وغياب الدعم المقدم لها.
و لقد حذر رئيس لجنة التحقيق المعنية بالجمهورية العربية السورية التابعة للأمم المتحدة، باولو بينيرو، المجتمع الدولي[2] من أنه بينما يظن البعض أن الصراع في سوريا على وشك الانتهاء، فإن الحقائق على الأرض ترسم صورة مختلفة، الأمر الذي يحتم ضرورة العمل الجاد في إعادة دمج هؤلاء النازحين، و تقديم الدعم المادي والمعنوي والنفسي، والأهم من ذلك هو تكثيف الجهود وتوحيدها لإعادة دمج النساء مع المجتمعات المحلية بشكل مدروس وعاجل .
حيث شدد كل من وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارك لوكوك والمديرة التنفيذية لليونيسف هنرييتا فور[3] على أن الوقت الحاضر ليس الوقت المناسب لتقليص المساعدات الإنسانية لسوريا وبالأخص المخيمات شمال شرق وشمال غرب سوريا.
في حين أوضح التقرير الرابع والعشرون[4] للجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا، الصادر في 21 أيلول/ سبتمبر لعام 2021 ، أن تصاعد القتال والعودة إلى العنف مدعاة للقلق، مؤكداً أن البلاد غير صالحة لعودة اللاجئين الآمنة والكريمة لبعض المناطق في سوريا .
الهوامش:
1- أسماء الشهود في المقال مستعارة، فضّل الشهود عدم ذكر الأسماء الحقيقية حفاظاً على أمنهم الشخصي.
2-سوريا: رئيس لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة يحذر الجمعية العامة من أن الحرب ضد الشعب السوري مستمرة بلا هوادة.
https://www.ohchr.org/AR/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=27703&LangID=A
3- الأمم المتحدة تناشد عدم تقليص المساعدات الإنسانية لسوريا لتفادي تدهور لا تحمد عقباه.
https://news.un.org/ar/tags/hnryyt-fwr/audio/0?page=1
4- لجنة أممية: سوريا غير آمنة لعودة لاجئيها-ولا ينبغي تجريم الأطفال على ما اقترفه آباؤهم.
https://news.un.org/ar/story/2021/09/1083052