في إحدى أيام دير الزور المتوتّرة، اضطرت منظّمة مجتمع مدني محليّة ناشطة في ريف المحافظة الغربي لإنهاء جلسة حواريّة كانت منعقدة في مقرها بعد نشوب نزاع بين عائلتين من المنطقة نتيجة مقتل شخص، حيث قام أهل الضحيّة بمهاجمة وإحراق منازل وأملاك أهل الجاني وهذا ما أثار الفزع في المنطقة، أدّى النزاع في أيامه الأولى إلى نزوح أكثر من (25) عائلة بمن فيهم النساء والأطفال.
تتكرّر مثل هذه الحوادث في دير الزور بين الفينة والأخرى، يستمر التوتر لعدّة أيام لحين تمكّن الوسطاء من التدخّل والتهدئة، يتضمن ذلك عادة خروج أهالي المتّهم من المنطقة.
تتعدّد أسباب النّزاعات التي يستخدم فيها السّلاح وتؤدي إلى مقتل أشخاص وتثير الرغبة في الأخذ بالثّأر، يعني الأخذ بالثأرين يقوم أولياء الدّم (أقرباء الضحيّة) بقتل الجاني أو أحد أقاربه -بعض الأوقات لا يكون لهم أي علاقة بالحادث فقط كونهم من أقارب الجاني- كشكل من أشكال الانتقام، ويكون من الواجب القيام بذلك لأنّه متعلّق بكرامة أهل الضحيّة، يشعر من يأخذ بالثأر بالفخر -عادة- ولا ينتابه شعور النّدم كما لا يوضع بالحسبان التداعيات الكبيرة التي يخلّفها الثّأر.
رغم المحاولات المبذولة سابقاً وحاليّاً لتطويق الظاهرة من الناحيتين الأمنيّة والقانونيّة من قبل السلطات المحليّة أو جهود للمؤثّرين الاجتماعين، إلّا أن هذه المحاولات لم تحقق نجاحاً باتجاه الخفض من حالات الثّأر أو التغيير في التوجهات المشجّعة على اتّباع نهج الأخذ بالثأر. توقع حوادث الثّأر في العديد من الحالات عشرات الضحايا وهو ما يعقّد مساعي الحل. هذا لا ينفي قدرة الجهود المحليّة خاصة تلك التي يقودها المؤثّرون والوجهاء الاجتماعيّون في التقليل من عدد الضحايا ووضع حد للعنف من خلال اتّباع قواعد عرفيّة للصلح، ولكن تبقى هذه الجهود لا تمتلك القدرة على وضع حد لظاهرة الثأر. وفق نتائج ورقة بحثيّة تصدر قريباً عن منظّمة العدالة من أجل الحياة فإنّ أبرز النزاعات المعقّدة هي التي تؤدي إلى سقوط ضحايا ومنها على سبيل المثال: نزاعات الميراث والخطف والقتل وقضايا الشرف.
تقبل بعض عوائل الضحايا العفو بعد قيام ذوي الجاني بخطوات محدّدة متعارف عليها كالخروج من المنطقة لفترة زمنيّة ودفع مبلغ مالي، ويعتبر الخروج واحد من الخطوات الأساسية والتي تهدف إلى التهدئة والتقليل من احتمال سقوط المزيد من الضحايا خاصة في الساعات والأيام الأولى على وقوع الحادث حيث يكون أقارب الضحيّة في أوج غضبهم، إلّا أنّ هذا الخروج غالباً لا يقتصر الجاني، بل يمتد إلى عشرات العوائل من أقاربه وهذا بحد ذاته ينعكس على أمنهم وحالتهم الماديّة والاجتماعيّة والنفسيّة.
النساء اللواتي يخرجن مع عوائلهن بسبب حوادث الثّأر هنّ الفئة الأكثر تأثراً، تحدثت منظمة العدالة من أجل الحياة مع (8) نساء ينتمين لعائلات مطالَبَة بالثأر يقيمون حاليّاً في ريف دير الزور، (6) منهن تحدثن عن حوادث في دير الزور وواحدة عن حادثة في ريف الحسكة وأخرى في ريف الرقة. تحدثت النساء عن تفاصيل ما تعرضن له من خسائر على المستوى المادي والضرر على المستويين الاجتماعي والنّفسي، ترفض بعض المجتمعات المضيفة التعامل معهن لأنهم من عائلات تورطت في عملية قتل، كما تؤثر هذه الوصمة المجتمعيّة على حركتهن وتوافر فرص العمل لهن أو لباقي أفراد العائلة من الذكور، أمّا من الناحية النفسية فبعض النساء تحدثن عن تغيّر كبير في سلوك الأطفال والأزواج، فالأزواج أصبحوا أكثر عصبيّة أما الأطفال فصاروا منعزلين ويميلون دائماً للبكاء فهم أيضاً يسمعون كلاماً جارحاً في الشارع والمدرسة. أشارت عدد من السيّدات إلى تأثير هذه الحوادث على العلاقات مع الأقارب في مناطقهم الأصليّة التي خرجوا منها حيث تتراجع العلاقة وتصبح في حدود ضيّقة أحياناً. إحدى النساء قالت إنّ بعض الجناة لا يتقبلّون الحلول ولا ينصاعون للقواعد العرفيّة الثابتة معتمدين على الدعم العشائري خصوصاً في حال كان الطرف الآخر من النّزاع لا يتمتّع بنفس هذا الدّعم.
لقراءة التقرير كاملاً: The Impact of Revenge on Women – Ar