نوران أحمد – دير الزور
بناء صغير يحتشد أمامه المرضى يومياً، لا يتناسب مع الكثافة السكّانية وأعدادِ المستفيدين الّذين يتوافدون عليه في ناحية الكسرة الواقعة في ريف دير الزور الغربي، علَّهم يحصلون على العلاج والدواء، حيث فرصة الحصول على الرّعاية الصّحية مِيزةً وليست حقّاً من أبسط حقوق الإنسان.
يتحدّث أبو عمر (44عاما) يعمل كسائق سيارة نقل ركاب، وهو يحمل طفلته البالغة من العمر 6 سنوات :”طفلتي تعاني من التهابٍ في اللّوزتين ورأى الأطباء ضرورة استئصالها، وأنا اليوم في المستشفى لأنَّ موعد عمليتها قد حان بعد تسجيلي لهذه العملية منذ أكثر من شهر ونِصف” أمّا عن سبب التأخير في تحديد موعد العمليّة يوضّحُ أبو عمر “بسبب الأعداد الكبيرة من المرضى الّتي تحتاج لعملياتٍ جراحيّة والّتي تنتظرُ دورها قبل ابنته، فالمستشفى تجري هذه العمليات ليومين فقط من كلِّ أسبوع ولم يكن أمامي سوى انتظارِ الموعد بسبب عدم قدرتي على إجراء العمليّة في مستشفىً خاص، فقد راجعت إحدى المستشفيات الخاصّة وأخبروني بأنّ تكلفة العمليّة قد تتجاوز 250.000 ليرة سوريّة”.
تشير التقارير الصادرة عن المفوضيّة السّامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين[1] عن ازدياد ملحوظ سنوياً في أعداد طالبي الرّعاية الصّحيّة، فذكرت في تقرير سابق لعام 2021 أن (80%) من الأفراد في سوريا لم يتلقَّوا أيَّ شكلٍ من أشكالِ خدمات الصّحة النفسيّة والذّهنيّة العلاجيّة.
كما ويشير تقرير[2] صادرة عن منظمة الصّحة العالميّة أنَّ ما يقارب (12.5) مليون شخص في سوريا سيكونون بحاجةٍ للرّعاية الصحيّة في عام 2022 بما في ذلك (1.33) مليون نازح وذلك بعد التّقصير وضَعف الإمداد الذي عانت منه البلاد من قِبَل المجتمع الدّولي بعد جائحة كورونا.
التكاليف العالية تجبر المرضى على الانتظار أوقاتاً طويلة
تعدّ المشافي الخاصة في دير الزور هي الحلُّ الأخير الّذي قد يلجأ إليه المريض في إجراء العمليّات الجراحيّة، وذلك بسبب تكاليفها المرتفعة الّتي تبلغ أرقاماً ضخمة نسبةً إلى دخل المواطنين في المنطقة.
هذه الأسباب تدفع نجاح (اسم مستعار) في العقد الخامس من عمرها وهي من سكّان قرية “الهرموشيّة” لانتظار دورها لإجراء عمليّة جراحة عظميّة منذ عشرة أيام و لاتملك القدرة على إجرائها في مشفىً خاص.
من جهته يؤكّد عيسى (اسم مستعار) والذي يعمل ممرضاً في إحدى المستشفيات الخاصّة على التكاليف المرتفعة لبعض العمليات الجراحية الغير معقدة قائلاً ” تتراوح تكاليف العمليات الجراحية حسب الصعوبة، فعمليّة الولادة القيصريّة تكلّف حوالي (450) ألف ليرة سورية ما يعادل (100) دولار تقريباً، أمّا الجراحة العامة كالزائدة الدّودية والمرارة وأكياس الماء على الكبِد وفي الرّئة (800) ألف ليرة سورية وهو ما يعادل (190) دولار، في حين تتراوح عمليات الفتوق والدّوالي بين (300) إلى (400) ألف ليرة سورية أي ما يقارب (90) دولار، بينما ترتفع تكاليف إجراء عمليّة الغدّة الدّرقيّة إلى مليون ليرة سورية وهذا يزيد على (220) دولار.”
أمّ هشام، 55 عاما، من سكان بلدة “الزغيّر” قصدت المستشفى على الرّغم من الدّور الطويل الذي ينتظرها لتوفير مبلغ المعاينة الّتي يطلبها الطبيب في المشفى الخاص فتقول “أعاني منذ فترة من دوار وتعب و وهن ولا أستطيع أن أذهب إلى الطبيب، فالمعاينة وحدها تكلّف (10) آلاف ليرة سورية وانا لا أملِك هذا المبلغ، راجعت احدى الصيدليات وأعطاني دواء لحالتي لم يفدني أبداً”
دعم لا يتناسب مع الحاجة:
تقوم بعض منظمات المجتمع المدني بدعم القطاع الصحي في إقليم دير الزور إلا أنه لا يتناسب مع الحاجة الكبيرة والمُلحّة وخاصة لمثل هذا القطاع الحساس والمهم.
يتحدث منسق منظمة “Medical Relief” في دير الزور عن الدّعم الّذي تقدمه المنظمة في القطاع الصحي “نقدم الدّعم لمستشفى الكسرة الّذي يشمل المرتّبات الشهرية للكادر من أطباء وممرضين وإداريين والّذين يصل عددهم إلى (110) موظف، كما نساهم بنسبة كبيرة في توفير الأدوية اللازمة للمستشفى”.
تقتصر حالياً خدمات الدّعم الّتي تقدمها منظمة “Medical Relief” على مستشفى الكسرة فقط حسب ما أكّده المنسق وذلك بسبب إيقاف الدعم عن مستوصفي “الهرموشية” و”الكبر” لوجود بعض الخلل والضّعف الإداري في عملهما، أما عن أهم التحديات الّتي يواجهونها في تقديم هذه الخدمات يقول “مبنى المستشفى صغير في الوقت الّذي تزداد فيه أعدد المستفيدين منها وهو ما يؤثر على جودة الخدمات”.
أيضا تقدّم جمعية “سوسن ” خدمات طبية وتدعم مراكز صحيّة في مناطق عديدة، عبد الستار وهو أحد أعضاء الجمعية يقول عن الخدمات المقدّمة من قبلهم:
“تقوم جمعية سوسن بدعم مراكز صحيّة ومراكز رعاية أولية في الرّقة ودير الزور ومنبج، وهذه المراكز تحتوي على عياداتِ مخاضات ومراكز غسيل كلىً في كوباني”.
أما عن توزّع المراكز الصحيّة في هذه دير الزور يوضح عبد الستار “نقدم دعمنا لمراكز “أبو حمام”، و”هجين”، و”الحريجية”، و”السوسة” الصحيّة، وهي تحتوي جميعها على عيادات أطفال وداخليّة وسنية وصيدلي في حين تتفاوت أعداد المستفيدين في هذه المراكز بحسب التوزع الجغرافي وأعداد السكان المستفيدين من كل مركز”.
أما عن العوائق التي تواجههم أثناء عملهم فتقتصر على بعض الروتين أثناء تواصلهم مع لجنة الصّحة في الإدارة الذاتيّة.
خدمات العلاج الفيزيائي في المنطقة:
تعد خدمة العلاج الفيزيائي والأطراف الصناعيّة في مناطق دير الزور من أهمِّ الخدمات الّتي يطلبها السكان بسبب أعداد مصابي الحرب و فاقدي الأطراف، حيث تقوم منظمة “HI” بدعمٍ رئيسيٍّ لهذه الخدمة، يتحدث المسؤول عن المعالجة الفيزيائيّة في المنظمة فضّلَ عدم ذكر اسمه قائلا :”نقدّم في ريف دير الزور عدداً من الخدمات تتمثل في جلسات علاج فيزيائي ضمن مركز مستشفى البصيرة ومستشفى الكسرة ومستشفى هجين، بالإضافة إلى فريقٍ ميدانيٍّ يقدّم جلسات علاج فيزيائي ضمن محيط المستشفيات (25) كم، كما نقدّم خدمة الأطراف الصناعيّة بعد التقييم ضمن المركز وإحالةٍ لقسم الأطراف في مستشفى الكسرة، وأيضاً نقوم بتقديم أجهزة مساعدةٍ حركيّة (عكازات. كراسي دواليب….الخ)، يضاف إلى ذلك جلسات دعم نفسي للأشخاص ذوي الإعاقة”.
تقوم المنظمة بتسجيل (400) جلسة علاجية شهريّاً، بمعدّل (30-40) مستفيد جديد بشكل شهري، وتعدّ خدمة الأطراف الصناعيّة خدمة تقدّم حديثاً وبالتالي لا تزال أعداد المستفيدين قليلة نسبياً، وتخضع حالياً تلكَ الفرق لجلسات تدريبيّة ليتمَّ تطوير الخدمة مستقبلا وزيادة عدد المستفيدين منها حسب المسؤول في هذه المنظمة، فيما يواجهون بعض الصعوبة في تأمين المعيلات الحركيّة المساعدة الخاصة بذوي الإعاقة على حدِّ قوله.
مستشفى هجين العام، تاريخ 6 آب/أغسطس 2022، المصدر: كاتبة المقالة
أما منظمة “Action for Humanity” الّتي تساهم في دعم القطاع الصحي في مستشفى “المدينة” والواقعة في منطقة المعامل والّتي تقدم خدماتها لأرياف دير الزور الشرقي والغربي والشّمالي بسبب توسط موقعها إضافةً إلى مستشفى”الشحيل”. يتحدّث المدير الإداري في مستشفى “المدينة” عامر الندى عن الخدمات التي تقدمها “تتضمن المستشفى قسم الإسعاف الّذي يقدّم خدمة إسعافٍ أولي لجميع الحوادث يتخللها تصوير الأشعة العادي وتصوير جهاز الطّبقي المحوري، وأيضا قسم العناية المشدّدة الّذي يؤمن خدمات أمراض القلب وجميع حالات العناية بحالات الاحتشاء الدّماغي وغيرها، بالإضافة إلى خدمة كاملة من إقامةٍ للمرضى مع الدواء مع وجبات طعام، كما يوجد قسم الإقامة للأطفال المصابين بالسحايا والحالات الّتي تحتاج إلى إقامة الطفل في المستشفى حيث يقدَّم لهم خدمة رعايةٍ صحيّة كاملة مع إشراف طبيب الأطفال المختص، أما بالنسبة لقسم الكورونا فهو يقدّم رعاية كاملة للمصابين بالفيروس من إقامة واوكسجين ووجبات طعام وإشراف أطباء مختصين”.
يضيف الندى في حديثه عن أقسام العيادات في المستشفى والّتي تعمل على مدار الأسبوع “نقدّم خدمات عيادة الأطفال، العيادة الدّاخلية، الهضميّة، الصدريّة والقلبية، بلإضافة للغدد الصم، والعيادة البولية ويتبع لها قسم غسيل الكلى، كما يوجد قسم للمخبر والصيدليّة و جهازِ تصوير الطّبقي المحوري، ناهيك عن سيارات إسعاف لنقل المرضى وحالات الطوارئ ومركزٍ لمعالجة الحروق، تقدم المستشفى خدماتها لما يقارب (5) آلاف مريض شهرياً”.
فيما يوضح بعض الصّعوبات الّتي تواجههم بقوله “نعاني من قلَّة عدد الأطباء الأخصائيين في محافظة دير الزور وذلك لوجود حالات كثيرة لسوء التغذية عند الأطفال دون وجود مركز خاص في دير الزور، أيضا تفتقر إلى وجود مركز متخصص بعلاج العيون في المدينة”.
دور السلطات المحلية في دعم القطاع الصحي
أما عن السلطات المحلية ودورها في دعم هذا القطاع والإشراف عليه يتحدث الدّكتور محمد السالم رئيس لجنة الصّحة بدير الزور عن واقع الخَدمات الصّحيّة والخطط المستقبليّة للجنة:”لا يخفى على أحد الضرر الذي لحق بالبنية التحتية لقطاع الصّحة في دير الزور خلال سنوات الحرب، فقبل عام 2021 كان قطاع الصّحة عبارة عن قطاع بدائي يقدّم خدمات بسيطة وبإمكانياتٍ ضعيفة فكان من أولويات هيئة الصّحة النهوض بالقطاع الصحي فتمّ العمل على ثلاث مستويات الأول هو البنية التحتيّة من إنشاء مشافٍ ومستوصفات والثاني هو التّجهيزات والمعدّات وتأمينها أمّا الثالث فهو الكادر الصحي.”
تقتصر الخدمات الصحية المقدمة في دير الزور على ثلاث مشافٍ حسب قول السالم أما المستوصفات فتتوزع (31) مستوصفاً على قطاعات إقليم دير الزور بعد دخول مستشفى “هجين” مؤخراً حيز العمل وتحديد مسافة (10) كيلو متر بين المستوصف والآخر، أما عن المعدّات والتّجهيزات حالياً فيوضح السالم “سنقوم بتزويد مستشفى “هجين” بعد انجاز مناقصة بهذا الخصوص لتأمين جهاز تفتيت حصى وجهازٍ قوسي وجهاز تنظير هضمي وجهاز اشعة، وفي بلدة “ذيبان” سيتم تأمين جهاز قثطرة قلبي هو الأول والوحيد على مستوى شمال شرق سوريا”
أما عن الخطط المستقبليّة للقطاع الصحي فيتحدّث السالم “من المقرر في نهاية عام 2022 وبداية 2023 زيادة عدد المستوصفات ليصبح (40) وعدد المستشفيات ليصبح (10) تتوزع في إقليم دير الزور في حال تجاوز التحديات والمعوقات الّتي تواجه قطاع الصّحة والّتي تتعلّق بالاضطرابات الأمنية الّتي تعانيها المنطقة بالإضافة لقلة عدد الكوادر والأطباء ونقص في معظم الاختصاصات الطبيّة.”
[1] https://www.unhcr.org/ar/4be7cc278fe.html
[2] سوريا:منظمة الصحة العالمية توجه نداء طارئاً لتوفير 257.6 مليون دولار للرعاية الصحية في البلاد، أخبار الأمم المتحدة، 5 كانون الثاني/يناير 2022.