كاتبة القصة: زينة العلي
ندى (اسم مستعار) من ريف دير الزور في الثلاثينيات من العمر، كانت ندى تتعرض للعنف من أهلها سواء بالضرب أو الشتم كما كانت تشعر بالتمييز عن أخوتها الذكور، ودائماً تحلم باليوم الذي ستتزوج فيه لتنتهي مأساة العنف الذي تتعرض له.
تحكي ندى عن قصة زواجها من ابن عمها وهي في العشرينيات من عمرها:” اتفق والدي وعمّي على تزويجي من ابن عمي بدون موافقتي أو حتى الاستماع لموقفي، هذه العادات لا تزال في بعض العائلات بحتمية زواج ابن العم من ابنة عمه”.
“لا يزال التزويج القسري موجوداً في دير الزور ولا يقتصر فقط على النساء بل يشمل الرجال في بعض الأحيان الذين يجبرون أيضاً على الزواج من قريباتهن “ |
تكمل ندى عن قصة زواجها: “لم أبدي أي ردة فعل تجاه الزواج من ابن عمي على الرغم من أنه لن يتغير شي في حال اعترضت على الزواج منه، كما كنت أعتقد أن الزواج سيوفر لي فرصة للبدء بحياة جديدة خالية من العنف وأتمتع فيها بالاحترام من قبل زوجي، ولكن سرعان ما اكتشفت أن حياتي الجديدة كانت أصعب من تلك التي هربت منها”.
” اعتقدت خاطئة أن زواجي سيخلصني من العنف والإهانة ويوفر لي مكاناً آمناً، لكن النتيجة أن حياتي الجديدة كانت أقسى بكثير من سابقتها وكان زوجي أكثر ظلماً “ |
تصف ندى بداية حياتها الزوجية بأنها تختلف عن أي بداية طبيعية:” بعد الزواج بفترة قصيرة سارع زوجي في التعبير عن عدم رضاه عن زواجه مني، مستنداً بذلك لافتقاري إلى التعليم، وكان باستمرار يصف حياته معي بالبائسة وأنه تزوجني بالإجبار وأني لست فتاة أحلامه فالمرأة التي كان يرغب بالزواج منها هي امرأة متعلمة ولديها عمل لتساعده على نفقات المعيشة، ليتبين لي لاحقاً أنه استخدم عيوبي من وجهة نظره كذريعة لإخضاعي لمعاملة قاسية وعنيفة”.
تكمل ندى عن حياتها التي وصفتها بالصعبة بعد الزواج: “أتعرض للضرب من زوجي لأبسط الأسباب، حتى إذا طلبت منه نقودًا أو أية احتياجات للمنزل أو الأطفال أو عندما أستأذنه للذهاب الى مناسبة كان يضربني ويوبخني، ويقدم على إهانتي أمام أطفالي الخمسة الذين أنجبتهم ظناً مني أن الأطفال سيغيرون معاملته معي، لكن لم يتغير أي شيء بل على العكس ازدادت معاملته سوءًا”.
بدأت ندى تشعر بأنها وحيدة داخل سجن كبير على حد وصفها وخصوصاً عندما حاولت طلب المساعدة ولم تجد أي دعم من أسرتها أو مجتمعها، الذين اعتبروا الطلاق خيارًا مخجلًا وغير مقبول في المجتمع وأن ضرب الزوج لزوجته حق لتأديبها ولتكون أكثر طاعة واستقامة في المنزل. “على الرغم من هذه التحديات، بقيتُ مصممة على إيجاد مخرج لي ولأطفالي فبدأتُ أتحدث إلى أخوات زوجي ووالده وأشرح لهم عن معاناتي وسوء أحوالي على أمل الحصول على بعض الدعم، ولكن لا يوجد آذان صاغية فهكذا قناعات تكون مترسخة لدى الجميع، كان رد والد زوجي بأنه يتوجب علي الصبر لمصلحتي ومصلحة أطفالي”.
أمنيات ندى بتحسن أحوالها بدأت تتلاشى خاصة بعد رفض جميع من حولها مساعدتها: “استمرت حياتي البائسة، أنهار بعد كل موقف مشابه وأنفرد بنفسي منعزلة عن أطفالي الذين أشعر بالإهانة أمامهم في كل مرّة أتعرض فيها للعنف من زوجي، سلمت للأمر الواقع وتكيفت مع هذه الحياة وكأن الضرب المبرّح هو جزء من حياتي”.
تحدثت ندى عن التأثيرات التي أنتجها العنف الجسدي عليها وعلى أطفالها ولا سيما عدم وجود بيئة سليمة وعدم احترام الزوج لزوجته داخل المنزل وأمام أطفاله:” مازلت أتعرض للضرب المبرح الذي يترك أثراً على جسدي كاحمرار و تصبغات في الجسد بالإضافة إلى آلام في الظهر، استمرار هذا الوضع أثر على نفسية أطفالي وبالأخص ابنتي البكر البالغة الثالثة عشر من عمرها التي صارت تستنكر الحديث عن الزواج أمامها وتحذر من تعرض النساء اللواتي يتزوجن لنفس مصيري”.
تضيف ندى:” للأسف هذا التطبيع مع العنف الواقع على المرأة من قبل الأهل والزوج يجب أن يتوقف، ويجب أن يكون للفاعلين المحليين دور في الترويج لذلك خاصة المنظمات التي تعنى بحقوق المرأة فمن واجبها أن تساعد النساء اللواتي يتعرضن للعنف المنزلي وتعمل على توعيتهن بحقوقهن وتعمل أيضاً على توعية الرجال بأن العنف مرفوض وآثاره كبيرة على الفرد والأسرة”. وتختم ندى بالقول:” يجب ممارسة الضغوط على العوائل لدفعها للخروج من عباءة بعض التقاليد التي صار ضررها على المجتمع ظاهراً، فحالة كحالتي أضرت بي وبأولادي ولا أعرف إلى أين سيمتد ضررها مستقبلاً”.