محمّد حسّان – صوت وصورة – كلّنا سوريّون
أطلّ شهر رمضان المبارك على أبناء دير الزور في الأحياء المسيطر عليها من قبل قوّات النظام وقد أرهقهم الحصار المستمرّ منذ ستّة أشهر والذي يفرضه تنظيم “داعش” في ظلّ نقص حادّ بالمواد الغذائيّة والاستهلاكيّة وارتفاع الأسعار بشكل جنونيّ مع انعدام شبه تامّ للمحروقات وغياب الأجواء الرمضانيّة المعتادة.
“أم أحمد” 45 عاماً، من حي الجورة المحاصر، أشعلت النار بقطع الخشب المقطوعة من الشجرة الأخيرة أمام منزلها لطهي الطعام، قلت لها: إنّ الوقت لازال مبكراً، فقالت لي بلهجتها الديرية “رمضان كريم اليوم أجانا حبّ قمح وبدّنا نطبخه مثل البرغل وهذا الحب غير مسلوق وبدوا طبخ كثير ولهيك شعلت النار والله يا ابني البارح تسحرنا مي وزعتر وقلنا نفطر اليوم برغل حسبي الله على من كان السبب”.
أوضاع كارثيّة داخل الحصار
يعاني أكثر من 350 ألف مدنيّ داخل الأحياء المحاصرة من ظروف صعبة جدّاً مع دخول شهر رمضان ومضي أكثر من ستّة أشهر على الحصار أوضاع يصفها الأهالي بالكارثيّة بعد ظهور نتائج الحصار من انعدام شبه تامّ للموادّ الغذائيّة والاستهلاكيّة وفقدان المحروقات وغلاء الأسعار للمواد الموجودة.
أحمد صاحب محلّ في حيّ القصور تحدّث لـ “كلّنا سوريّون” بقوله “لقد أغلقت محلّي بعد نفاذه من محتوياته وعدم توفّر المواد نتيجة الحصار وأن توفّر بعضها فهي بأسعار مرتفعة لا طاقة لي على شرائها”.
فبلغ سعر كيلو السكّر أكثر من2000 ل.س وكيلو اللحمة 5000 ليرة ل.س وكيلو الخيار والبندورة 1200 ل.س أمّا ربطة الخبز فبلغ سعرها أكثر من 300 ل.س، بالنسبة للفروج والفواكه فهي موادّ مفقودة منذ بداية الحصار، باستثناء المشمش القادم من حي البغيلية المحاصر ويصل سعر الكيلو الواحد 1300 ل.س.
ارتفاع الاسعار لم يقتصر على المواد الغذائيّة والفواكه بل شمل المحروقات والتي بلغت أسعار خياليّة فسعر ليتر البنزين المكرّر بالمصافي التقليديّة (حرّاقات) وصل لأكثر من 2000 ل.س ولتر المازوت 1500 ل.س الأمر الذي أجبر الأهالي على استخدام النار في طهي الطعام.
“ريم” طالبة جامعيّة من حيّ الجورة تقول “المواد الغذائيّة والمحروقات في المناطق المحاصرة تباع بأسعار مضاعفة تصل إلى أكثر من 500% من سعرها الحقيقيّ في المناطق المحرّرة، نتيجة قلّة الكمّيات وتحكم التجار بالأسعار”.
هذا ويعاني الأهالي من نقص في مياه الشرب وذلك يعود لتوقّف معظم محطّات المياه في مناطق الحصار بسبب انقطاع التيّار الكهربائيّ منذ أكثر من أربعة أشهر وعدم توفر الوقود لتشغيل المحرّكات العاملة على الديزل.
غياب أجواء رمضان
كان قدوم شهر رمضان يعني الكثير لأبناء دير الزور من طقوس كثيرة وتحضيرات له على الصعيد المادّي والروحيّ. ففي السنوات السابقة كان الأهالي يخرجون إلى الاسواق لشراء المؤن والمواد الغذائيّة تحضيراً لهذا الشهر المبارك، كما يتبادل الأهل والجيران الزيارات وطلب السماح من بعضهم في هذا الشهر، ويقوم كبار كلّ حيّ بجمع المتخاصمين وحلّ الخلافات الدائرة بينهم.
“جاسم” 33 عاماً، من مدينة دير الزور، يقول: كنت أخرج قبل أذان المغرب لأحضر العرق سوس والتمر الهندي من الباعة في شارع الوادي ومن ثمّ أحضر “المعروك” و “الكليجة” من محلّات “أبو سمير”.
يضيف “جاسم” جرت العادة بدير الزور اجتماع الأسرة حول مائدة الإفطار وخلوّ الشارع من المارة باستثناء الأولاد الصغار الذين يتبادلون الطعام (السكبات) مع الجيران، فكلّ بيت يرسل كميّة من طبخة الإفطار إلى الجيران؛ لكنّ رمضان الحصار غير ذلك، فبعد الأذان يبقى الناس في الشوارع أو أمام منازلهم فالبعض لا يملك ما يأكله والبعض لا يوجد لديه سوى بقايا الخبز ومنهم لديه الماء فقط ولا شيء غيره.
فالحصار والحرب طمس كلّ ما هو جميل في شهر رمضان، ولم يعد سوى سبباً إضافيّاً في معاناة الأهالي الذين افتقدوا أجواء رمضان بكلّ معانيها، ولم يبقَ سوى الحصار والجوع
قذائف رمضانيّة على مناطق الحصار
“نعمة العبود” امرأة من حيّ الجورة، كانت تسير في شوارع الجورة والقصور تبحث عن ما تتناوله على الإفطار بعد صيام يوم شاق، لكنّ قذيفة هاون مصدرها تنظيم “داعش” المحاصر لها ولآلاف المدنيّين كانت كافية لقتلها وترك عائلتها بدون وجبة إفطار.
فالتنظيم يقوم بحصار وقصف الأحياء الواقعة تحت سيطرة قوّات النظام منذ 6 أشهر، قصف لم يفرّق بين المدنيّين وقوّات النظام، ولم يتوقّف حتّى في أقدس الأشهر شهر رمضان المبارك.
الناطق باسم حملة “معاً لفكّ الحصار عن دير الزور” السيّد “جلال الحمد” صرّح لصحيفة “كلّنا سوريّون” بأنّ: “التنظيم قصف الحيّ مرّات عدّة ولكن القصف ازداد في الفترة الأخيرة وخاصّة في شهر رمضان، فالتنظيم يستهدف الحيّ بشكل شبه يوميّ وقد تسبّب القصف بسقوط عدد من الشهداء والجرحى جميعهم من المدنيّين”.
ويتابع “الحمد”: “شهر رمضان هذا العام لا يمكن إلّا وصفه بشهر الحصار والموت في مناطق النظام والخوف والرؤوس المقطّعة والتضييق في ريف المحافظة الواقع تحت سيطرة التنظيم”.