صدى الشام
على عكس غبار العاصفة الرملية الذي انقشع تدريجياً عن المدن السورية، لم ينقشع الإحساس بالعجز الصحي الذي خلفته هذه العاصفة، فقد وضعت تلك العاصفة الأهالي بمواجهة صعبة مع واقع صحي متردٍ فرضته حرب تشهدها البلاد. وبالمقابل، كان للعاصفة دور مهم في إيقاف طلعات طائرات النظام التي تستهدف المدنيين، وفي تغيير بعض المعطيات العسكرية على الأرض.
مصطفى محمد-صدى الشام
لم يكن العجز الصحي في مواجهة العاصفة حكراً على منطقة دون غيرها، بدءاً من مناطق سيطرة النظام، والتي كانت الأقل تضرراً، ومروراً بمناطق سيطرة المعارضة، وانتهاء بمناطق سيطرة تنظيم الدولة، والتي كان سكانها من المدنيين أقل حظاً من سواهم.
النزوح وعدم توفر الأدوية
يضع الطبيب عبد الرحمن حافظ، حالة “النزوح”، التي تفرض جانباً من حالة عدم الاستقرار، على رأس الأسباب التي أدت إلى وفيات في بعض المدن السورية. ويضيف مدير مشفى الحرية الميداني، موضحاً لـ”صدى الشام”، أن “النزوح جعل من الأهالي عرضة للأوبئة والأمراض، لأن أغلب النازحين يقطنون في منازل غير مجهزة، ولا تتوفر فيها أدنى شروط السلامة الصحية؛ أي منازل بلا نوافذ محكمة، وبلا تهوية جيدة”.
النزوح جعل من الأهالي عرضة للأوبئة والأمراض، لأن أغلب النازحين يقطنون في منازل غير مجهزة، ولا تتوفر فيها أدنى شروط السلامة الصحية
ولا يرى حافظ في بقية المسببات، من غياب الأدوية مثل الموسعات القصبية، ونقص المستلزمات الصحية، إلا عواملاً مكملة ومحفزة. ويقول: “الكثير من الأهالي لم يكونوا على دراية بأضرار استنشاق الغبار، وخصوصاً كبار السن منهم، وعليه فإن أغلب الوفيات كانت بين فئتي كبار السن، ومرضى الربو”.
وفي معرض حديث حافظ عن الإرشادات الواجب اتباعها للتقليل من آثار العاصفة الرملية على الصحة، أشار الطبيب إلى أن “هناك عدد من الإجراءات الوقائية التي يجب اتباعها، ومن بينها غسل الوجه والفم والأنف بالماء باستمرار، لمنع الرمل والغبار من الدخول إلى الرئتين، والتنشق من خلال قطعة قماش مبللة بالماء لتنقية مجرى الأنف من حبات الغبار، ووضع كمامة أو منشفة مبللة أو قطعة قماش على الأنف والفم في الخارج. بالإضافة إلى شرب الكثير من السوائل، خاصة الماء”.
غياب الكهرباء والماء ودرجات حرارة مرتفعة
كما ساهم انقطاع الماء والكهرباء في مفاقمة أوضاع الأهالي، فقد فضل بعضهم استنشاق الغبار على شدة الحرارة التي يسببها إغلاق نوافذ المنازل. ففي مدينة الرقة، مركز ثقل تنظيم الدولة في سوريا، أفصحت صفحة “الرقة تذبح بصمت” عن أوضاع كارثية عايشها الأهالي مقابل عجز من التنظيم عن الإتيان بأي حركة.
مكتب الخدمات الطبية التابع للتنظيم رفض تزويد المشفى المدني بأسطوانات الأوكسجين، بحجة تخزينها لأيّ أمر طارئ قد يصيب العناصر على جبهات القتال
ونقلت الصفحة عن طبيب يدعى “أبو موسى”، استقبال المشفى الذي يعمل فيه، لما يقارب 400 حالة ربو وحساسية واختناق، غالبيتهم من الأطفال والشيوخ، ما حدا بإدارة المشفى إلى الطلب من مكتب الخدمات الطبية التابع للتنظيم، المساعدة بتأمين أسطوانات الأوكسجين والكوادر الطبية. لكن، ووفق نفس الطبيب، فإن “المكتب رفض تزويد المشفى بالأوكسجين، بحجة تخزينها لأيّ أمر طارئ قد يصيب العناصر على جبهات القتال”.
ويبدو أن حال أهالي الرقة أفضل من حال سكان المخيمات، الذين واجهوا الغبار بخيام قماشية ممزقة في بعض الأحيان.
وعن المعاناة التي تعرض لها سكان المخيمات، يخبرنا عبدالله (42 عاماً)، أحد سكان مخيم معبر باب السلامة الحدودي، عن تعرض طفليه للاختناق، في الوقت الذي وقف فيه عاجزاً أمام معاناتهما. ويبين بالقول: “مع اشتداد كثافة الغبار، كانت تتملكنا الحيرة، ففي حال إغلاقنا النوافذ سرعان ما ترتفع درجات الحرارة داخل الخيمة، وإن أبقينا النوافذ مفتوحة فالغبار كان يملأ جو الخيمة”.
أسطوانة الأوكسجين شبه مفقودة
عانت غالبية المشافي من نقص واضح في مادة الأوكسجين، الضرورية لإسعاف حالات الاختناق. ففي مشافي مدينة دير الزور في القسم الخاضع لسيطرة التنظيم، كان يتم تداول أسطوانة أوكسجين واحدة بين أكثر من مشفى، بنفس الوقت. كما يؤكد الناطق الإعلامي باسم حملة “معاً لفك الحصار عن مدينة دير الزور”، جلال الحمد.
الحمد، خلال حديث خاص بـ”صدى الشام”، أشار إلى “اعتماد المستشفيات في محافظة دير الزور على معمل أوكسجين وحيد يتبع لقطاع خاص موجود في الميادين، استطاعته القصوى 20 أنبوبة يومياً. ويتم تعبئة الأنبوبة الواحدة بمبلغ يترواح بين 2000 – 2500 ليرة سورية، بينما تحتاج المحافظة في الحالة الطبيعية إلى 35 أنبوبة يومياً”.
وبعد أن نفى الحمد صحة تصريحات رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري، والتي قال فيها إن المحافظة سجلت حدوث أربع وفيات بفعل الغبار، أكد الحمد أن “لا وفيات في المدينة، سواء في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم أو النظام”، لافتاً إلى أن “المشافي في الطرفين، لازالت مكتظة بحالات الاختناق”.
الريف الشمالي الحمصي الأكثر تضرراً
بالانتقال إلى محافظة حمص، والتي سجلت فيها وفيات في حي الوعر، وفي تلبيسة والحولة، وهي مناطق تسيطر عليها المعارضة، يفيد الناطق الإعلامي باسم مركز حمص الإعلامي، محمد الحمصي، عن تسجيل ثلاث وفيات في المناطق المذكورة سابقاً، إضافة إلى 28 حالة اختناق في حي الوعر.
وصل عدد حالات الاختناق في مناطق تلبيسة، الرستن، الحولة، الدار الكبيرة، الغنطو، وتير معلة، إلى حوالي2000 حالةمختلفة. كما سُجلت ثلاث وفيات في الوعر وتلبيسة والحولة.
وبعد أن وصف الوضع الصحي للريف الشمالي بـ”المتردي”، ذكر خلال حديثه لـ”صدى الشام”، أن “أعداد حالات الاختناق وصلت إلى حوالي2000 حالة مختلفة، في مناطق تلبيسة، الرستن، الحولة، الدار الكبيرة، الغنطو، وتير معلة.
اعتبر الحمصي هذا الرقم، على كبره، “طبيعياً”، في ظل حالة الحصار التي تعيشها المناطق المذكورة، بما فيها حي الوعر الذي منعت الميليشيات الشيعية دخول سيارة الأدوية المقدمة من منظمة الصحة العالمية، والتي كان من المقرر إدخالها إلى الحي بوساطة الهلال الأحمر كل أول سبت، احتجاجاً على قصف جيش الفتح للفوعة وكفريا في محافظة إدلب.
ضحايا في إدلب ودرعا
وفي سياق متصل، أكد الصحفي أحمد عاصي، توثيق ثلاث حالات لوفيات في محافظة إدلب، في مدينة المعرة وقرية دير سنبل، كما أكد توثيق 73 حالة اختناق في مشافي مدينة سراقب، و10 حالات في قرية أطمة الحدودية.
بدوره أكد الناشط الإعلامي مهند الحوراني، توثيق وفاة حالتين في مدينة درعا وريفها، أحدها في مدينة درعا، والثانية في قرية “أم المياذن”، وهي مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة. كما تحدّث الحوراني عن ظروف نقص واضح بالأدوية في مشافي المدينة وريفها.
حظر طيران “طبيعي” يخفف على الأهالي
عم الهدوء أجواء المدن السورية، وغاب هدير طائرات النظام عنها، وهو ما اعتبره الأهالي حظرا جويا فرضته العاصفة الرملية، بعد أن عجز المجتمع الدولي مجتمعاً عن إيقاف الطائرات التي ترتكب مجازر متواصلة بحق المدنيين من سكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
العاصفة تجبر الطيران الحربي والمروحي على إيقاف طلعاته التي كان يستهدف بها المدنيين.
الناشط الإعلامي أبو محمود الناصر، قال: “كما كان للعاصفة الرملية مضار على المدنيين، وخصوصاً على كبار السن ومرضى الربو، لكن كان لها بالمقابل نقاط مضيئة. فلقد أوقف الطيران الحربي والمروحي طلعاته التي كان يستهدف بها المدنيين”. وأكد الناشط، المتواجد في الريف الشمالي لمدينة حلب، أنه لم يسمع صوت طائرة منذ بداية العاصفة إلى لحظة تحرير الخبر، ولافتاً إلى أن غياب الطيران قد أعطى فرصة للمعارضة لالتقاط أنفاسها، ولإعادة تجميع قواتها.
من جهته عبر معلم المدرسة حسن عبد الرزاق، عن سعادته البالغة لغياب الطيران. وقال، بعد أن تمنى دوام العاصفة: “صرنا نشعر بالأمان جزئياً. الآن نستطيع أن ننام الليل ونحن في أمان من قصف الطيران”.
العاصفة تساهم بسقوط مطار “أبو الضهور”
مع اشتداد العاصفة الرملية، وبعد أن تيقنت المعارضة من استحالة تحليق الطيران، شنت جبهة النصرة وفصائل أخرى هجوماً عنيفاً على مطار “أبو الضهور العسكري” في محافظة إدلب، الذي يعتبر من أهم المطارات العسكرية التابعة للنظام. يمتد المطار على مسافة 16 كيلومترا مربعا، ما يجعل منه واحداً من أكبر المطارات العسكرية التي لازال يحتفظ بها النظام. واعلنت جبهة النصرة عن سيطرتها على المطار، بعد معارك دامية خاضتها مع قوات النظام المحاصرة، التي صار عناصرها في عداد القتلى والأسرى.
“لاقى الهجوم الأخير على مطار “أبو الظهور” نجاحاً كبيرا، بعد أن حجبت العاصفة الرملية الرؤية بشكل كامل”.
وعزا الناشط الإعلامي سليم العمر، تحرير المطار إلى عدم مؤازرة الطيران للقوات المتواجدة داخل حرم المطار. وأوضح العمر لـ”صدى الشام”، أن “الهجوم الأخير لاقى نجاحاً، على عكس الهجمات السابقة على المطار، بعد أن حجبت العاصفة الرملية الرؤية بشكل كامل”.
التنظيم أيضا يستغل العاصفة في الحسكة
بالانتقال إلى محافظة الحسكة التي تشهد معارك ضارية بين تنظيم الدولة من جهة، وقوات النظام ووحدات حماية الشعب الكردية من جهة أخرى، أوضح الناشط الإعلامي أبو جاد الحسكاوي، أن “تنظيم الدولة استطاع تحقيق مكاسب عسكرية على الأرض بفعل تسبُب العاصفة بعدم تحقيق طائرات التحالف لأهدافها بدقة”.
“استطاع تنظيم الدولة تحقيق مكاسب عسكرية على الأرض بفعل تسبُب العاصفة بعدم تحقيق طائرات التحالف لأهدافها بدقة”
وعلى الرغم من عدم غياب طائرات التحالف عن أجواء الحسكة، يؤكد الحسكاوي تقدم التنظيم في منطقة تل براك على حساب وحدات حماية الشعب، بعد أن تمكن من صد هجوم لهم باتجاه منطقة الهول.
وبعيداً عن سير المعارك، يبدي الحسكاوي امتعاضاً من غياب الدور الإنساني للمنظمات في مناطق سيطرة التنظيم، خاصة في حالات مشابهة لهذه العاصفة، خلافاً لدورها الواضح في مناطق سيطرة النظام، وفي المناطق التي تدار من قبل وحدات حماية الشعب في المدينة.