نور الأحمدْ – الحسكة
“لا أستطيع فهم الدروس في مدرستي، عددنا كبير في الشعبة الصفية الواحدة، إذ ما يقارب من 70 طالب وطالبة بغرفة صغيرة يسمونها “صف”، صوت الأحاديث الجانبية والفوضى التي يصدرها بعض الطلاب و الطالبات أعلى من صوت المعلم”.
هكذا وصفت رحمة، 16 عام، في سنتها الثانوية الأولى، الوضع في مدرستها التابعة للحكومة السورية في مدينة الحسكة، حيث لا تستفيد من التعليم بسبب العدد الكبير المتواجد في الشعبة الصفيّة، وعدم التزام بعض المدرسين بأوقات الدوام وإعطاء الدروس.
رحمة تواظب على ألّا تغيب يوماً وما يزيد معاناتها، والكثير ممن هم بمثل حالتها، أنّها تضطر كل يوم أن تقطع 40 دقيقة سيراً على الأقدام من بيتها إلى مدرستها، بسبب إغلاق الجسر الواصل بين منطقتها في جنوب الحسكة، والواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وبين مدرستها في منطقة المربع الأمني التابعة للحكومة السورية.
تعاني مناطق شمال شرق سوريا من واقع تعليمي مقسّم ومشتت، تدير الإدارة الذاتية بحسب موقع أثر برس نسبة 90% من المدارس، بينما تدير الحكومة السورية 10% فقط منها، حيث يتم تعليم ما يقارب من 1000 طالب/ة في البناء المدرسي الواحد، والذي لا يحتمل أكثر من نصف هذا العدد، نتيجة لذلك تعاني المدارس من اكتظاظ الطلاب والتلاميذ.
نجوى (اسم مستعار)، وهي مدرسّة بإحدى المدارس الحكومية في مدينة الحسكة، حدثتنا عن تأثير الاكتظاظ على الطلاب:
“استيعاب الطالب للمعلومة لن يكون بالمستوى المطلوب، يؤثر عليه تواجده مع عدد كبير من الزملاء والزميلات، نحن بدورنا مهما حاولنا ضبط الشعبة الصفية وتخفيف الضجيج الصادر من الطلاب، لا نتمكن من ضبط الفوضى”.
وضحت نجوى لنا، مدى صحة الشكاوى التي رصدناها أثناء إعداد هذا التقرير، حول عدم التزام بعض المعلمين/ات في المدارس الحكومية بساعات الدوام الرسمي، أجابت:
” صحتنا النفسية ووضعنا المادي سيء كمدرسّين ومدرسّات، نضطر لصرف دخلنا الشهري على المواصلات، إن كان هناك تقصير من بعضنا فهو أمر طبيعي، نحن بشر في نهاية الأمر، وما يدعوا بعضنا للالتزام وإعطاء الدروس بضمير، هو التزامنا تجاه هذا الجيل الذي لا ذنب له بما يحدث بالبلاد”.
يتقاضى المعلم في المدارس الحكومية بعد الزيادة الأخيرة هذا العام بقيمة 100%، راتباً شهرياً يبلغ 350,000 ليرة سورية تقريباً، أي ما يعادل 25 دولاراً امريكياً والتي لا تكفي الشخص الواحد مأكلاً ومشرباً في ظل الارتفاع الجنوني في الأسعار يوماً بعد يوماً في مناطق شمال شرق سوريا، وذلك بسبب الانهيار المستمر والمتزايد لليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي.
يلجأ الأهالي لحلول لتعويض الخلل العلمي الذي يعاني منه أطفالهم، فيُلحقون أبناءهم وبناتهم بدورات تعليم خصوصية، سواء في معاهد خاصة لذلك أو في شعب صفية كاملة تُقام بمنزل الأستاذ أو المعلمة الخصوصية، والذي يكون حصراً في منطقة المربع الأمني، وذلك بسبب حظر تدريس مناهج حكومة دمشق في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
الدروس الخصوصية تُفيد الطلاب والطالبات بتعويض النقص العلمي، لكنها تكبُّد الأهالي عبئاً مادياً كبيراً، ناهيك عن قضاء هؤلاء الطلاب الوقت الأغلب من يومهم بين الدوام المدرسي، وهذه الدروس.
ومن الحلول البديلة التي لجأ لها بعض الأهالي، المدارس الخاصة والباهظة الأقساط، تقول ضحى:
“اضطر إلى إرسال طفلي إلى مدرسة خاصة وادفع 100 دولار شهرياً لكي يتلقى تعليماً جيداً، أفضل أن أدفع كل ذلك المبلغ على أن يذهب لمدرسة حكومية مليئة بالفوضى، أو مدرسة تابعة للإدارة الذاتية غير معترف بها”.
تتّبع المدارس التابعة لهيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية، منهاج خاص بها وباللغة الكردية في المرحلة الابتدائية ويتم إدراج اللغة العربية أو أي لغة يختارها الطالب/ة في الصف الخامس واللغة الانجليزية في الصف السادس.
وعلى الرغم من كل تلك العوائق التي يعاني منها التلاميذ والمعلمين/ات في المدارس الحكومية، إلّا أنهم يفضلون الالتحاق بها والامتناع عن اختيار مدارس الإدارة الذاتية ولعلّ أهم سببين لذلك، هو أنّ الشهادات الصادرة عن الإدارة الذاتية مازالت غير معترف بها من قبل أي جهة حكومية أو عالمية، أمّا السبب الثاني فهو تعليم اللغة الكردية فقط في السنوات الأربعة الأولى من التعليم الابتدائي.
وعلى الرغم من الفارق الكبير في أعداد الطلاب بين مدارس الإدارة الذاتية و الحكومة السورية، والذي بحسب تصريح لرجب المشرف الرئيس المشترك لهيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية لموقعها الرسمي قد تجاوز ال860 ألف طالباً وتلميذاً، بينما يلتحق 134891 منهم/نّ في مدارس الأخيرة بحسب تصريح إلهام صاروخان مديرة التربية التابعة للحكومة السورية لموقع أثر برس.
إلّا أنّ التحاق هؤلاء الطلاب والطالبات بمدارس الإدارة الذاتية يكون في المراحل الانتقالية في غالب الأحيان فقط، أما في الشهادتين الأساسيتين كالإعدادية والثانوية والتعليم العالي، يفضل الأهالي إعادة إرسال ذويهم إلى مدارس وجامعات حكومة دمشق.
هذه الثنائية والانقسام في الجهات المسيطرة على النظام التعليمي في شمال شرق سوريا، والتشتت الذي يعيشه الطلاب والأهالي على حد سواء، تؤثر بشكل سلبي على مستوى التعليم في المنطقة.
ونختم بما قالته لنا أم آية، والتي تحدثت بلسان الكثير من سكان المنطقة:
“أتمنى أن يأتي اليوم الذي يستقر فيه وضع التعليم هنا، لقد تعبنا وأولادنا من هذا التشتت، أتمنى أن يصلوا لصيغة تفاهم فيما بينهم، أسمع أن مدارس الادارة الذاتية جيدة، لكنها غير معترف بها، وأنا أريد أن يتسلح أطفالي بشهادات يستطيعون العمل بها بعد التخرج وأن يكونوا قادرين على التواصل والكتابة بلغتهم الأم”.