فهد الحسن – دير الزور
متى سأتعلّم؟
هذا السؤال الذي لطالما ردّده الأَخَوان عباس (12) عاماً، وأخوه الأكبر محمد (15) عاماً في ريف دير الزور الغربي[1] على مسامع والدِهما بعد أنْ اِضطرتهما الظروف المعيشيّة القاسية للعمل، حيثُ يعمل عبّاس ومحمّد في مجال الخياطة من السّاعة الـتاسعة صباحاً حتّى مغيب الشّمس من أجل تأمين قوت العائلة عِوضاً عن أبيهما الغير قادرٍ على أداء أيِّ عملٍ بسبب وضعه الصّحي الّذي يمنعه حتّى من الحركة في بعض الأحيان.
يقول محمد “ليس لديَّ وقتٌ للتعلّم، لأنَّ وقت العمل هو نفسه وقتَ دوام المدرسة، ولا أستطيعُ أنْ أترك العملَ من أجلِ الدّراسة ولا يوجد من يُدرِّسُني في المنزل كونَ والدايَ غيرُ متعلّمَين، ولا أتلقّى ما يكفي من المساعدات الإنسانيّة، أتمنى أن يكون لدى أهلي واردٌ بديلٌ عن عملي كي ألتحِقَ بالمدرسةِ وأبدأ بالتعلّم أنا وأخي”.
آباء صغار
يدفع الأطفال في المناطق الفقيرة وخاصّة في فَتَرات الحروب والنّزاع الضّريبة الأكبر نتيجة الفقر والتفكّك الأسري، وتجبرهم على البحث عن أيِّ فرص للعمل في مُختلف الظّروف الأمر الذي قد يعرّضهم للمخاطر الجسيمة والمتعدّدة.
عبدالله (16) عاماً وهو الابنُ الأكبر لعائلته المكوّنةِ من (4) أفراد يسكنون في منطقة العزبة مع والدتهم المطلّقة منذ (4) سنوات، يعمل في مطعم مُذْ كانَ في الثانية عشرة من عمره، في البداية كان يذهب للعمل بعد انتهائه من المدرسة ولكن بسبب مرض والدته في الفترة الأخيرة اِضطُرَّ لترك الدراسة نهائيّاً من أجل زيادة أجرته لتأمين الأدوية لوالدته، يقول عبدالله ” عندما تركت الدّراسة وتوجَّهتُ للعمل كان هذا الشّيء صعباً عليّ كون عمري غير مناسب لأنْ أعمل لأوقاتٍ طويلةٍ ومتعبة، ولكنّي الآنَ أدركت مع الوقت بأنَّ هذا الشيء هو الصّحيح كوني الأكبر في العائلة وأننا نازحون لا نملك الكثير من الخيارات ويجب أن نؤمِّن مستلزماتنا، إنَّ إيجار المنزل الّذي نحن فيه يحتاج عملاً إضافياً حيث يصل إلى (50) ألف ليرة سورية” قالها وهو يبتسم بعينينِ دامعتين.
يُرجع عبد الله السّبب في كل ما حدث ويحدث لهم إلى والده الّذي تركهم ورحل ولا يعرفون عنه شيئا، حتى أنه لا يتواصل معهم نهائيّاً، يعلّق عبد الله على ذلك بقوله “لو أن والدي يرسل لنا مصروفاً، وهذا من حقِّنا، لكان ذلك كفيلاً بأن أتابع دراستي وأعمل عملاٌ خفيف بدلاً من عملي الطويل والمتعب، أتعرض في أغلب الأحيان للاستغلال في عملي حيث لا أحصُل على أجرٍ مناسب للجّهد الّذي أبذله وعدد ساعات العمل، لكنّي لا أستطيع أن أتكلم خشية أن أُطرد منه”.
عملٌ متعبٌ ومرهق
خالد (14) عاماً (اسم مستعار) ليس أفضل حالاً، فهو أخ لفتاتين وطفلٍ صغير من ريف دير الزور الغربي ، توفّي والدهم في قنبلة من مخلّفات الطيران منذ 3 سنوات، كانت والدتُه تعمل في الزّراعة لتعيل عائلتها إلا أنّ تراجع العمل في هذا القطاع في المنطقة أدى إلى فقدان عملها، الأمر الّذي اضطر خالد لترك دراسته والعمل في محل (تصليح سيارات) بأجر زهيد، يصف خالد عمله بأنه “متعب ومرهق ودوام طويل يوميا” لكن ليس لديه خيارات أُخرى لتأمين مصروف عائلته و مستلزماتهم الأساسية .
يقول خالد “أصبحت الآن أحبّ العمل بعد أن أتقنته وارتفعت أجرتي في العمل، أستطيع الآن تأمين مستلزمات المنزل بشكل كامل كوني المسؤول عن عائلتي بعد وفاة والدي بعد أن كنت في السابق أعين والدتي في المصروف بمبلغ قليل”
من جانبها تقول والدة خالد “أعلم بأنَّ خالداً لديه الحقُّ في التعلّم وأنْ يعيش حياةً يتوافرُ له فيها كلّ شيء، لكن في مثل حالنا ليس لدينا خيار آخر فَليسَ لدينا معيلٌ في العائلة سوى أنا وخالد.”
تتابع بأسف “خالد كان من الأوائل في مدرسته، حتّى أن بعض أساتذته قالوا أن غياب خالد عن المدرسة ترك أثراً حزيناً لديهم في كونَهُ من المتفوقين في مدرسته”.
آثار عمالة الأطفال
تعمل عبير المحمد وهي ناشطة في المجتمع المدني على إقامة جلسات توعية في شمال وشرق سوريا للحدِّ من اِنتشار ظاهرة عمالة الأطفال والآثار الّتي تترتب عليها من نواحٍ عدّة وهي كما صنفتها الناشطة تنقسم إلى آثار جسدية واجتماعية واقتصادية.
أما عن الآثار الجسدية فتقول المحمد “يتعرض العديد من الأطفال لأمراضٍ وإصابات عمل خطيرة نتيجةً لظروف العمل الصعبة التي قد لا تناسب حالة الطفل الجسميّة والعقلية، مثل الضوضاء والحرارة الشديدة والمواد الكيماوية والمخاطر الميكانيكية والأبخرة والأتربة؛ ما يؤدِّي إلى خطر الإصابة بأمراض عديدة نتيجة الظروف السيِّئة للأعمال التي يزاولها الأطفال.”
أمّا عن الآثار الاجتماعية التي تترتب على عمل الأطفال فتتابع المحمد “تؤدي عمالة الأطفال إلى حرمانهم من الحصول على قدر مناسب من التعليم والتمتّع بطفولتهم، ناهيك عن تفشي بعض العادات والظواهر السيئة بين الصغار مثل التدخين وتعاطي المخدرات، إضافةً إلى انتهاكِ حقوق الطّفل العامل على أيدي أرباب العمل واِستغلالهم بالعمل ساعات طويلة.”
وتلفت المحمد إلى العوامل الاجتماعيّة التي قد تؤدي إلى عمالة الأطفال وتؤثر تأثيراً مباشراً فيها على حد قول الناشطة ومن ذلك “التفكك الأسري” الذي يعد عاملاً مساعداً في بروز ظاهرة عمالة الأطفال، وينتج التفكّك عن وفاة أحدِ الوالدين أو كليهما، أو زواج أحد الوالدين مع عدم القدرة على الإنفاق، والطّلاق الّذي يضع عبء تعليم الأطفال على عاتق الأم بحكم قوانين الحضانة، ما يدفع بالطفل إلى سوق العمل لإعالة نفسه وأسرته، علاوة على زيادة عدد أفراد الأسرة وعدم تنظيم النسل الّذي يثقل كاهل رب الأسرة ويؤدي إلى عجزه عن توفير متطلبات الحياة لأسرته.”
حلول ومقترحات للحد من ظاهرة عمالة الأطفال
تعدّ عمالة الأطفالِ نتيجةً لعددٍ من العوامل المتداخلة والمتشابكة الّتي تتطلب وضع استراتيجياتٍ متعددة من جانب قطاعات مختلفة وعلى مستويات اجتماعيّة مختلفة. لهذا فإنّ من الضروري قيام تعاون بين مختلف القطاعات (العماليّة، الاجتماعيّة، التنمويّة، التعليميّة، التخطيط، الشباب) ومختلف المنظمات الحكوميّة وغير الحكومية للاتفاق على أسلوبٍ فعال في مكافحة عمالة الأطفال.
حيث يشير تقرير بعنوان (أيادي صغيرة وعبء ثقيل)[2] عملت عليه كل من منظمتي الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وأنقذوا الطفولة إنَّ النّزاع والأزمة الإنسانيّة في سوريا يدفعان بأعداد متزايدة من الأطفال ليقعوا فريسة الاستغلال في سوق العمل، كما يتحدّث عن أن أطفال سوريا يدفعون ثمناً باهظاً لفشل العالم في إنهاء الصراع في سوريا.
وفي تقريرٍ[3] نشرته اليونيسف في 10حزيران/ يونيو 2021 ذكر بأنّ عدد الأطفال العاملين في العالم ارتفع إلى 160 مليون طفل بزيادة 8.4 مليون في السنوات الأربع الماضية.
بهذا الصدد تطرح الناشطة مجموعة من الحلول التي قد تساعد على الحد من هذه الظاهرة، حيث تقوم بتوعية الأهالي بها من خلال الجلسات المتعددة التي تقوم بها في مدينة دير الزور وهي “إجراء بحوثٍ قائمة على الأدلّة عن الصحة والسلامة المهنية، والأخطار المُحيقة بالأطفال في قطاعاتٍ مختارة، بالإضافة إلى إشراك مسؤولين وطنيين ومسؤولي الحكومات المحليّة ومنظمات العمال وأصحاب العمل في حوارٍ عن السياسات لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأطفال الضعفاء، من خلال وضع برامج ومشاريع تدريبية سواء حكومية أو موجهة للمجتمع المدني ومنظمات العمل وأصحاب العمل لمكافحةِ عمل الأطفال وتحديد الأطفال المنخرطين به ومنعِهم من ذلك واخراجِهم منه وإعادة تأهيلهم”.
[1] أجرى كاتب المقال المقابلات مع الأطفال مباشرة بحضور أحد الوالدين، وشرح بالتفصيل الهدف من كل مقابلة.
[2] تقرير دولي: أطفال سوريا يدفعون ثمناً باهظاً لفشل العالم في إنهاء النزاع، أخبار الامم المتحد، تموز/يوليو 2015.
[3] عمالة الأطفال تزداد إلى 160 مليون طفل – في أول ارتفاع منذ عقدين، يونيسيف، حزيران/يونيو 2021.