قصة المختفي صفوان أحمد القطيني على يد المخابرات الجوّية
صفوان أحمد القطيني من أبناء مدينة خان شيخون في محافظة إدلب، وهو من مواليد 24 آذار/مارس 1973، كان يملك بعض الأراضي الزراعيّة ويعمل في استثمارها، وهو متزوّج ولديه ولد واحد لم يتسنَّ له رؤيته حيث أنّ زوجته كانت حاملاً به عندما تمّ اعتقاله.
في يوم الجمعة 30 آب/أغسطس من العام 2011 داهم العشرات من عناصر المخابرات الجويّة منزل عائلة صفوان الواقع في مدينة خان شيخون، حيث سأل عناصر الدوريّة فيما إذا كان هنالك رجال في المنزل أم لا، ولكن الزوجة أجابت بالنفي، فاقتحم الضابط المسؤول المنزل -وكان هذا الضابط رجلاً ضخماً مخيفاً بحسب إفادة زوجة صفوان[1]– ثمّ قام بخلع باب غرفة النوم بسلاحه، وألقى القبض على صفوان، حينها بدأ الضابط بضربه أمام عائلته، ولم تستطع الزوجة التي أدلت بشهادتها إلى منظّمة سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة تمالك نفسها فهجمت على الضابط وأوقعته أرضاً، فقام الضابط بتوجيه سلاحه نحوها وانهال عليها بالشتائم والتهديدات وكان على وشك قتلها رغم أنّها كانت حاملاً في شهرها التاسع.
بعد ذلك، قام العناصر بتفتيش المنزل وقاموا بسؤال صفوان عن الأسلحة التي “يخبّئها”، فبدا صفوان متفاجئاً من هذه التهمة التي أنكرها، حيث يمن المعرف عنه أنّه إنسان مسالم، والجدير بالذكر أنّ المظاهرات لم تكن قد وصلت إلى خان شيخون في تلك الأيّام من بداية الانتفاضة ولاأيّ شكل من أشكال التسليح، ولم يكن لدى صفوان أيّ نشاط معارض حتّى أنّه لم يكن متابعاً للأخبار وفقاً لشهادة زوجته التي أضافت:
“قام بقيّة العناصر بتفتيش وتخريب أثاث المنزل، حيث قاموا بسرقة الكثير من الأموال والأغراض والثياب الجديدة وأجهزة الخليوي، إضافة إلى سرقة ما يبلغ 15,000 ليرة سوريّة أي ما يعادل 300$ دولار أمريكي آنذاك. واستطاع صفوان فور اعتقاله الاتصال بأخيه وترك الخط مفتوحاً فسمع أخوه الإهانات الكبيرة والشتائم التي وجّهت إلى صفوان، والتحقيق الذي جرى معه وسؤاله عن أهله وعن والده الذي يبلغ من العمر 70 عاماً، والذي دخل المشفى بسبب مرضه قبل الحادثة بيوم، وهو مشفى صغير تعود ملكيّته إلى بيت القطيني، وعلمنا لاحقاً أنّ الدوريّة كانت تحمل أوامر باعتقال القائمين على المشفى نفسها بسبب وشاية مفادها تقديم المساعدة للجرحى.”
في ذات اليوم قام عناصر المخابرات الجويّة باعتقال العديد من الشبان في مدينة خان شيخون (بعضهم ما زال مختفياً حتّى الآن) وذلك فقاً لشهادة زوجة صفوان حيث ساقوهم نحو ساحة المدينة، وأوقفوهم معصوبي الأعين قبالة الحائط وقاموا بتهديدهم وبثّ الرعب في نفوسهم، ثمّ اقتادوهم إلى ما يدعى بمنطقة الخزّانات (وهي قطعة أرض جرداء تحوي خزّانات قديمة لوقود الطائرات تحوّلت إلى ما يشبه معسكراً للتعذيب من قبل عناصر المخابرات الجويّة حيث كانت أصوات المعذبين تُسمع إلى مسافات بعيدة من هذه المنطقة).
تلا ذلك نقل العديد من هؤلاء المعتقلين (ومن بينهم صفوان وابن خاله الذي اعتقل لاحقاً) بواسطة شاحنات كبيرة “تُعرف ببرّادات اللحم[2]“، إلى فرع الأمن العسكري في مدينة إدلب، والذي يرأسه العميد نوفل الحسين، حيث أشرف هذا العميد على تعذيب صفوان بشكل شخصي بحسب ما وصل لزوجة صفوان من أحد الوسطاء الذين لجأت إليهم مقابل مبلغ ماديّ.
وبحسب ابن خال صفوان الذي اعتقل معه وأخلي سبيله لاحقاً، فإنّ صفوان قد تعرّض لعمليّات تعذيب وحشيّة، حيث بدأوا بتعذيبه نفسيّاً في البداية، ثمّ انهالوا عليه بالضرب، وعند بداية عمليّة التحقيق قام عناصر الأمن العسكري باقتلاع عين صفوان اليمنى وكسر ظهره واقتلاع أظافر قدميه، وعانى الكثير من الآثار النفسيّة جرّاء عمليّة التعذيب الوحشيّة التي تعرّض لها حيث كان يهذي أحياناً، ويضرب نفسه أحياناً أخرى، وعانى من مرض الجرب الجلدي المزمن والالتهابات.
علم أهل صفوان أنّه كان قد اقتيد لاحقاً إلى سجن” البالونة” التابع للشرطة العسكريّة في حمص وأنّه في طريقه إلى العرض على المحكمة، ثمّ سمعوا أنباءً تفيد بنقله إلى سجن صيدنايا، وذلك وفقاً لبعض المفرج عنهم الذين التقوا صفوان في المحكمة والسجن وتواصلوا مع أهله لاحقاً. ولكن عند استفسار الأهل عن صفوان في فرع الشرطة العسكريّة المركزي في القابون بدمشق، نفوا وجوده لديهم أو أيّ أثرٍ له في سجلّاتهم.
الجدير بالذكر أنّ عائلة صفوان كانت قد استعانت بوسيط من الأقارب وهو أحد الوزراء السابقين، الذي قابل العميد نوفل الحسين شخصيّاً وطلب منه إخلاء سبيل صفوان، وبعد معرفة العميد اسم المعتقل (صفوان القطيني)، اعتذر عن إخلاء سبيله بالذات بسبب مشكلة سياسيّة كبيرة “على حسب تعبيره” تواجه عائلة القطيني في الفرع، فشاركه بإضبارته “حيث تمّ وضع إشارة X بجانب اسمه” والتي ذكر فيها اعترافاته “تحت التعذيب” بأنّه مموّل للإرهاب وبأنّه يمتلك أسلحة وقام بأعمال إرهابيّة.
تعرّضت العائلة إلى محاولات ابتزاز مالي عديدة، منها طلب مبلغ وقدره 8000$ دولار أمريكي مقابل إخلاء سبيل صفوان، ولكن العائلة اشترطت إخلاء سبيله أوّلاً، الشرط الذي لم يعجب السماسرة وأدّى إلى فشل الصفقة.
بعد فترة من اعتقال صفوان قامت زوجته بالاتصال على رقمها لتعرف من سرق هاتفها، فأجابها أحد عناصر الأمن وقال لها إنّ هذا الهاتف أصبح له وقام بتهديدها في حال إيقافها الخط لدى الشركّة المشغّلة للاتصالات، ولاحقاً اتّصل بها العنصر نفسه محاولاً التحرّش بها واستغلال شوقها لمعرفة مصير زوجها، فاضطرّت الزوجة اللجوء إلى تركيّا تحت ضغوط الابتزاز والتهديد.
عانت زوجة وابن صفوان كثيراً من الضغوط الماديّة بسبب غياب معيلهم الوحيد، وانقطاع أيّ مورد مادّي للعائلة، واضطرّت الزوجة إلى العمل في تركيّا بعد أن هاجرت وتعرّضت إلى استغلال كبير، كما عانت هي وابنها الكثير من الآثار النفسيّة حيث لم يزل الطفل دائم السؤال لها عن أبيه وعن سبب غيابه. ولم تستطع زوجة صفوان حتّى تأمين الثياب اللائقة لابنها، فاضطرّت إلى إلباسه ثياب قريباته من الفتيات بسبب الفقر، كما لم تتمكن من إدخاله المدرسة حتّى الآن.
شارك أحد النشطاء زوجة صفوان ببعض الصور التي تمّ تسريبها -صور سيزر- لمعتقلين توفوا تحت التعذيب، كانت الصور مليئة بالقتلى الذين تظهر آثار التعذيب الجسدي عليهم بوضوح من تشوّهات وانتفاخات، حيث تعرّفت الزوجة على أحد القتلى في الصور الذي يشبه إلى حدّ كبير صفوان وكان يفتقد أيضاً عينه اليمنى ولكن وجهه كان متورّماً ومزرقّاً لذلك لم تستطع الزوجة الجزم بأنّ هذه صورة زوجها.
تختتم زوجة صفوان شهادتها بالقول:
“أريد أن أعرف فيما إذا كان زوجي حيّاً أم ميّتاً؟ حتّى أستطيع العيش بناءً على ذلك، فإذا كان حيّاً فسوف أنتظره، وإن كان ميّتاً، سأتوقّف عن الأمل برؤيته، إن عدم معرفة مصير المختفي صعبٌ جدّاً وهو أصعب من الموت أحياناً.“
[1] تمّ إجراء هذه المقابلة في تاريخ 19 تمّوز/يوليو2017 عبر الإنترنت.
[2] هي شاحنات تستخدم لنقل اللحومات اشتهرت في سوريّا لاستخدام الحكومة لها في نقل السجناء.