في إطار مشروع إعادة الإدماج الاجتماعي والقدرة على التكيّف لمناهضة التطرّف في شمال شرق سوريا ، والمموّل من الاتحاد الأوروبي ، وبناءً على مقاربة منظّمة العدالة من أجل الحياة (JFL) القائمة على العمل البحثي المتّصل بالبنية المجتمعيّة، قامت منظّمة العدالة من أجل الحياة (JFL) بالعمل على تقرير تحليلي بغرض تحديد تأثير الجماعات المتطرّفة والأفكار المتشدّدة على المجتمع المحلّي وخصوصاً الفئات الهشّة، وأسباب انتشار هذه الأفكار بما فيها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة وأعمال العنف المرافقة لها. بالإضافة إلى معرفة الدَّور المحتمل للمجتمع المحلّي ومنظّمات المجتمع المدني والسُّلطات المحلّيّة للتخفيف من هذه الآثار وحماية المنطقة من عودة الجماعات المتطرّفة.
شهدت مناطق شمال شرق سوريا ما بين عامي 2014 و2017 سيطرة لجماعة “تنظيم الدّولة”/داعش” المتطرّفة، وهي المدّة الأطول لسيطرة هذه الجماعة على مناطق سوريّة، ارتكب التنظيم خلال هذه السنوات انتهاكات عديدة شملت الاعتقال والخطف والإخفاء القسري وتجنيد الأطفال وتهجير المدنيين وتنفيذ عقوبات جسديّة وحشيّة غير مسبوقة. محافظات الرّقة ودير الزور والحسكة في شرق وشمال شرق -والتي تسيطر على معظم مساحتها حاليّاً قوّات سوريا الديمقراطيّة- شهدت المعارك الأساسيّة بمواجهة ” تنظيم الدولة/داعش”. نزح مئات آلاف المدنيين خاصّة من الرّقة ودير الزور وبعض نواحي محافظة الحسكة. استقبلت مدينتا الحسكة والقامشلي آلاف النازحين في مختلف موجات النّزوح، كما أنّ مناطق سيطرة قوّات سوريا الديمقراطيّة في محافظة الرّقة شكّلت مكاناً للنزوح العكسي من مناطق سيطرة القوّات الحكوميّة.
شهدت المحافظات الثلاثة بعد خروج “تنظيم الدولة /داعش” تحسّنّاً من حيث وجود مساحة أفضل للتعبير ونشاط المجتمع المدني وتوفير الخدمات الأساسيّة وخلق مساحة لمشاركة المرأة. إلا أنّ الأوضاع الأمنيّة لم تتحسّن، يُضاف إليها الفساد والمحسوبيّة في مؤسسّات الإدارة الذاتيّة والأوضاع المعيشيّة المتراجعة وقلّة فُرص العمل.
لا تزال مسبّبات تواجد وانتشار الفكر المتطرف ماثلة ومنها الإقصاء والتهميش والتمييز وعدم التوزيع العادل للثروة والفلتان الأمني والفقر وتضرر التعليم، وتقييد حقوق المرأة وزيادة النّعرات الدينيّة والعرقيّة والمناطقيّة. تهديدات مُستقبليّة محتملة تزيد من حالة عدم الاستقرار، تتمثّل باحتمال عودة القوّات الحكوميّة والمليشيات المساندة لها، وتهديدات المجموعات المسلّحة المدعومة من تركيا والتي تسيطر حاليّاً على مناطق في شمال شرق سوريا. التعامل مع عوائل المقاتلين السّابقين أحد أبرز القضايا التي تحتاج إلى حلول عادلة تأخذ بعين الاعتبار حقوق المجتمع المحلّي ومخاوفه، وبنفس الوقت لا تسبّب لهذه الفئة حرماناً من حقوقهم الأساسيّة.
ثمّة فجوة في التّنسيق بين الأطراف المؤثّرة في شمال شرق سوريا، حيث يقتصر التّنسيق على ما يتعلق بالنّزاعات والتّوترات المحليّة وقضايا المعتقلين ولا يتعدّاها إلى القضايا الخاصّة بالمشاركة في القرار المحلّي والمحاسبة.
إنّ تعزيز مقاومة المجتمع المحلّي في مواجهة الفكر المتطرّف يتطلّب التعامل مع الأسباب التي سهّلت وجود هذا الفكر واستمراره. يمكن القيام بخطوات في الوقت الحالي تعزّز من مناعة المجتمع المحلّي في شمال شرق سوريا لمواجهة الفكر المتطرّف وكل ما خلّفته المجموعات المتطرّفة.