مقدّمة
أعلنت وزارة الصحة السورية بتاريخ 22 آذار/مارس 2020 عن أول إصابة بفيروس كوفيد-19 والمعروف ب كورونا وتوالى الإعلان عن المزيد من الإصابات في الأيام التالية، أكدت وزارة الصحة أنها تتخذ كافة الإجراءات لتطويق الفيروس ومنها إعلان حظر التجوال بين الساعة 18.00 والساعة 06.00 كما توقفت حركة النقل الداخلي والخارجي براً وجوّاً باستثناء الطيران الخاص بنقل الأغراض العسكريّة.
يعاني النظام الصحي في سوريّة من التراجع خاصة بعد عام 2011 والصراع الدامي حيث خرجت مئات النقاط الطبيّة عن الخدمة واضطرت الكوادر الطبيّة ذات الخبرة للنزوح واللجوء ولم تعد الأدوية خاصة أدوية الأمراض المزمنة متوفرة، يختلف الوضع من مدينة إلى أخرى حيث نلاحظ رداءة الاستجابة للأوضاع الصحيّة في محافظات عديدة مثل دير الزور والرقة والحسكة مع استجابة أفضل نسبياً في العاصمة دمشق وهذا ما يفسر نقل الحالات المرضية الحرجة إليها.
تسلّط منظمة العدالة من أجل الحياة الضوء على إمكانيات قطاع الصحة في محافظة دير الزور مع اكتشاف أولى الحالات المصابة بمرض كورونا.
قطاع صحّي هش
المناطق الحكوميّة
شهدت دير الزور ومنذ 2012 صرعاً مسلّحاً بين القوات النظامية السورية وجهات مختلفة سيطرت على أجزاء واسعة من المحافظة بدءاً من فصائل المعارضة المسلّحة انتهاء بتنظيم الدولة، تعرضت عديد المستشفيات والمستوصفات للتدمير الكامل أو الجزئي وخرجت معظم الكوادر الطبيّة باتجاه المناطق الأكثر أمناً (الحسكة ودمشق وحلب) أو المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة في ريفي حلب وإدلب أو خارج البلاد.
مراحل الصراع كانت تزداد شراسة حتى تراجعت حدّتها مع سيطرة القوات الحكوميّة على مناطق جنوب نهر الفرات وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على شماله، ولم يتبقى منها سوى بعض المناوشات بين الطرفين من فترة إلى أخرى أو عمليات تستهدف القوات الحكوميّة والمليشيات الأجنبية والقوات الروسية انطلاقاً من البادية يرجح مسؤوليّة عناصر تنظيم الدولة عن عنها.
القصف المتواصل من القوات الحكومية سبّب أضراراً كبيرة بالمستشفيات المدينة مثل: (الساعي والنور) ومستشفيات في مدينتي البوكمال والميادين، كما أثر الحصار الذي فرضه تنظيم الدولة بين عام 2015 و2017 والمعارك القريبة من مدينة دير الزور على مستشفى الأسد وهي واحد من المراكز الصحيّة الأساسية. بعد العام 2017 توافرت الأدوية بشكل ملحوظ على أن المستشفيات لم تشهد أي تحسن يذكر حتى ساعة كتابة هذا التقرير.
مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية
لا تتوافر القدرات المطلوبة في البلدات والقرى شمال نهر الفرات حيث يوجد بعض المستشفيات الخاصة ومستشفى عام يعمل بدعم من منظمات دوليّة إضافة إلى تواجد عيادات خاصة وتوافر الأدوية في الصيدليات.
لم تبذل القوى المسيطرة جهداً واضحاً للعناية بقطاع الصحة ولا يزال الاعتماد الأكبر على ما تقدمه المنظمات الدوليّة في هذا الجانب، الأهالي مجبرين على التوجه إلى دمشق أو شمال سوريا طلباً لتجهيزات أفضل حيث أن الوصول إلى مناطق درع الفرات أو غصن الزيتون يمكّن الحالات الحرجة من الدخول إلى الأراضي التركيّة للعلاج.
القدرات المتوافرة حالياً
يظهر من خلال المقدّمة أن المحافظة غير مستعدة لمواجهة الوباء الذي اجتاح كل دول العالم تقريباً وهذا ما قد يهدد حياة وسلامة المدنيين، كما لا تبذل الجهود الكافيّة للتوعية بخطورة الوباء وما يجب أن يتم اتخاذه من احتياطات.
المناطق الحكوميّة
تقتصر الخدمات الصحيّة في مدينة دير الزور على ما تقدّمه مستشفى الأسد والعسكري والفرات التي تعتبر أفضل نسبياً من حيث التجهيزات وتوافر أجهزة التنفس الاصطناعي، أما الأسد تفتقر لأقل مقوّمات مواجهة الوباء حيث لا تمتلك حتى جهاز تنفس اصطناعي واحد فيما يتوافر جهازين فقط في المستشفى العسكري ولكنها ترفض استقبال الحالات المدنيّة وتقتصر على الحالات العسكريّة، يوجد في المدينة ثلاثة مستوصفات تابعة للهلال الأحمر الأول بالقرب من فرع أمن الدولة في حي القصور والثاني بالقرب من جامع خالد بن الوليد في حي القصور و الثالث بالقرب من فرن الجاز في حي الثورة (الجورة). أما في مدينة البوكمال يوجد مستشفى صغير مؤلف من (10) غرف ومركز صحي (مستوصف) ومستشفى ميداني خاص بعناصر المليشيات الأجنبيّة.
المستشفى “الإيراني” في مدينة الميادين والمستوصف الوحيد هما الجهتان العامتان اللتان تقدمان الخدمات الطبيّة للمدنيين وتقتصر الخدمات على الإسعاف، كما أن ساعات عملها محدودة، تعمل المستشفى “الإيراني” من الساعة 08.00 وحتى الساعة 17.00 والمستوصف من الساعة 08.00 وحتى الساعة 14.00.
مستشفى الحمّاد والسلام الخاصتان تعملان على مدار الساعة ولكنهما غير مجهزتين على سبيل المثال لا تتوافر أي أجهزة تصوير. شرق المدينة يوجد مستشفى يستقبل فقط الحالات المرضية للميليشيات الأجنبية.
يلتزم المدنيون بحظر التجول الذي فرضته الحكومة ولكن من دون تقيّد بالإجراءات الوقائية اللازمة في أوقات السماح بالتحرك وهذا يعود إلى الاستهتار العام وعدم القيام بالجهود المطلوبة لتعريف المجتمع المحلي على حقيقة الوضع الحالي والخطورة التي قد يشكّلها الوباء.
تتوافر أجهز قياس الحرارة في المطارات وبعض الدوائر الحوميّة كما تم تعقيم كافة الدوائر وباصات النقل الداخلي والخارجي قبل أن يتم توقيف الحركة تماماً، تم تخصيص مركز للحجر في كل من مستشفى الأسد والفرات.
سجّلت في مدينة دير الزور حتى الآن حالة واحدة لشخص سوري إضافة إلى ثلاث حالات لأشخاص غير سوريين يرجح دخولهم من الحدود العراقية بالقرب من مدينة البوكمال وتم فحصهم قبل دخولهم واكتشاف الحالات. أغلقت الحدود مع العراق منذ حوالي 10 أيام ولا يسمح إلا بدخول سيارات شحن البضائع.
مناطق سوريا الديمقراطيّة
يوجد مستشفى عام وحيد في بلدة الكسرة ومستوصفات في قرى محيميدة وأبو خشب والصعوة، وعيادات متنقلة، كل الجهود الطبيّة تتلقى الدعم من منظمات دولية مثل: (ريليف إنترناشيونال – ميديكال ريليف – اتش آي) وتقدم هذه المراكز اللقاحات والمعاينات وبعض العمليات الجراحيّة.
شرق دير الزور تحديداً في منطقة هجين يوجد (10) مستشفيات خاصة في كل من مدينة هجين وقرى الكشكشيّة وأبوحمام وغرانيج إضافة إلى مستوصفات مجانيّة موزعة على القرى.
قامت لجنة الصحة التابعة للمجلس المدني ومنظمات مجتمع مدني بتنظيم مجموعة ندوات للتوعية بمخاطر فيروس كورونا.
لم يتم تسجيل أي حالة بشكل رسمي، فرض حظر للتجوال بتاريخ 25 آذار/مارس 2020 مع تعطيل المدارس والدوائر التابعة للمجلس المدني ومنع كافة التجمعات وإغلاق المقاهي والمطاعم ومنع التنقل بين المدن وإغلاق كافة المعابر وتوفير أجهزة لفحص الحرارة في النقاط الطبية والطلب من كافة منظمات المجتمع المدني توفير مستلزمات الوقاية كالأقنعة الواقية (الكمامات) ومواد التعقيم.
مراكز الاعتقال
تعتقل الأجهزة الأمنيّة الحكوميّة والأجهزة التابعة لقوات سوريا الديمقراطية عدد كبير في مراكز الاعتقال الخاصة بها، ووفق شهود التقت بهم منظمة العدالة ونشرت شهاداتهم في تقارير سابقة فإن معظم هذه المراكز لا يتوافر فيها الحد الأدنى المطلوب للمحافظة على صحة المعتقلين، المراكز صغيرة ويتواجد فيها عدد من المعتقلين لا يتناسب مع حجمها، ولا تتوافر النظافة ولا المياه بشكل مستمر وهذا ما يهدد وبشكل مباشر المعتقلين في حال تفشي وباء كورونا.
وقد أشارت مجموعة من المنظمات المدنيّة في بيان لها صدر بتاريخ 23 آذار/مارس 2020 لهذه المخاطر.
التوصيات
- إن تعاون الأهالي في هذه الأوقات له دور أساسي في منع انتشار الوباء وبالتالي التقليل من عدد الإصابات، وفي ظل سوء الخدمات الصحيّة فإن دور الأهالي سيكون الأكثر أهمية. تدعو منظمة العدالة من أجل الحياة أهالي محافظة دير الزور إلى الأخذ بالاحتياطات والإجراءات الوقائية والالتزام بالتعليمات المتعلقة بالصحة والبقاء في المنازل قدر الإمكان.
- الحكومة السوريّة وقوات سوريا الديمقراطية:
- الإفراج عن المسجونين والمعتقلين السياسيين والحقوقيين وعدم القيام بعمليات اعتقال جديدة.
- اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تفشي الوباء داخل مراكز الاعتقال والسماح للصليب الأحمر والمنظمات الدولية بزيارتها.
- تجهيز المزيد من مراكز الحجر ولوازم الوقاية.
- توفير أجهزة التنفس الاصطناعي بشكل كافي في المستشفيات.
- تنظيم المزيد من ندوات التوعية عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بخصوص مخاطر الوباء والإجراءات الاحترازيّة.
- المنظمات الدوليّة والمحليّة:
- تكثيف الجهود لتوفير المستلزمات الطبيّة.
- المساهمة في حملات التوعية الخاصة بالوباء.