كاتبة القصة: ص.ع.ص
فاطمة (اسم مستعار )، امرأة من ريف دير الزور ، في السابعة والثلاثين من عمرها ، أم لأربعة أطفال، روت قصة حرمانها من التعليم حيث تحدثت عنها بحرقة قد رافقتها على حد وصفها من صغرها إلى يومنا هذا “لم أحصل على التعليم على الرغم من شغفي بالدراسة وحبي للذهاب إلى المدرسة وذلك باعتبار أن المدرسة بعيدة عن منزلي حيث كانت أقرب مدرسة تستغرق ساعة كاملة مشياً على الأقدام عن منزلي”.
عائلة فاطمة لم تساعدها في تحقيق حلمها في التعلم على الرغم من كل المحاولات لإقناعها بخلاف ذلك ” كنت مصرّة أنني أستطيع الذهاب مشياً إلى المدرسة مع بقية الطلاب باعتبار لا يوجد مواصلات عامة للمدرسة إلا أن والدي رفض بشدّة معبراً عن عدم جدوى ذلك ومؤكداً أن التعليم غير ضروري للفتيات باعتبار أن مصير النساء هو الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال وكان يكرر على مسامعي مقولة: “الرجال عندما يقدمون على الزواج يختارون فتيات لا يخرجن من منزلهن لأي سبب كان ولم يخالطن أشخاص أخرين”.
تحرم الفتيات في الكثير من المناطق السورية ولا سيما دير الزور غالبًا من الوصول إلى التعليم بسبب الأدوار التقليدية للجنسين والتوقعات المجتمعية، إضافة إلى الظروف الاقتصادية وعدم توافر المدارس والكوادر التعليمية الكافية في بعض المناطق وهنا عادة ما يتم تفضيل الذكور على الإناث في الحصول على فرص التعليم المحدودة.
تقول فاطمة: “أكثر ما كان يزيد حزني هو أن أخوتي الذكور يذهبون للمدرسة بتشجيع من أهلي على اكتساب العلم، وهذا ما كان يجعلني أشعر بالتمييز، كنت دائماً أفكر هل التمييز بين الذكر والأنثى هو فطرة ويجب التسليم بها وللذكور حقوق مضاعفة عن النساء؟”.
“فصل الخريف من أحب الفصول إلى قلبي باعتباره يذكرني بتوقيت افتتاح المدارس ورائحة الكتب وأصوات أجراس المدارس، وضجيج الأطفال “ |
واجهت فاطمة صعوبات في تعليم أطفالها نتيجة عدم استكمال تعليهما ” لم أكن قادرة على القراءة أو الكتابة بشكل كافٍ لمساعدة أطفالي في واجباتهم المدرسيّة، ولا أملك الإمكانية المالية للتعاقد مع مدرّس أو مدرّسة تتابع أطفالي في المنزل، باعتبار أيضاً أنني لست امرأة عاملة لأساعد زوجي في مصاريف المنزل ونظراً لأن الفرص المتاحة للعمل وكسب العيش للنساء قليلة جداً لمن لا يمتلكن شهادات علمية وبالتالي من الصعب الحصول على عمل لائق خلال هذه الأوقات الصعبة”.
“عدم قدرتي على القراءة والكتابة يصيبني دائماً بالحزن، أتمنى أن تحصل كل الفتيات على فرص للتعليم وأن يتجاوزن العقبات التي واجهتها” |
كان لحرمان فاطمة من التعليم تأثير عميق على أسرتها حيث كان زوجها أيضًا غير قادر على القراءة أو الكتابة، مما حد من فرص عمله وإمكاناته، ونتيجة لذلك عانت الأسرة مالياً، مما جعل من الصعب عليها إعالة أطفالها وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
تسلط قصة فاطمة الضوء على التأثير المدمر الذي يمكن أن يحدثه الحرمان من التعليم على الأفراد والعائلات، فمن الممكن أن يؤدي الافتقار إلى التعليم إلى استمرار دورات الفقر والأمية وعدم المساواة التي قد يكون من الصعب كسرها. تقول فاطمة:” بعد الحرب ظهرت لي أهمية التعليم للفتيات بشكل أكثر وضوحاً وخاصة للنساء اللواتي فقدن أزواجهن ومعيلهن الأساسي، مما جعلهن أمام مواجهة صعبة في ظل عدم وجود دخل أو شهادة علمية تؤهلهن للبحث عن فرصة عمل”.
“في الماضي لم يكن لتعليم الفتيات أي أهمية، ولكن أنا ونساء جيلي نرى تأثيره على حياتنا، نريد مستقبلاً أفضل وبالأخص الحصول على التعليم والفرص التي يوفرها.” |
ترى فاطمة من وجهة نظرها أن أهم التوصيات لمنع الفتيات الأخريات من مواجهة نفس العقبات التي تواجهها هي أهمية توفير الوصول إلى التعليم للفتيات، لا سيما من خلال بناء مدارس أقرب إلى منازلهن، كما اقترحت تقديم المزيد من الدعم للنساء اللواتي حرمن من التعليم، بما في ذلك برامج التدريب وتنمية المهارات التي من شأنها أن تساعدهن في العثور على عمل ودعم أسرهن وتكثيف عمل المنظمات في برامج محو الأمية.
“أريد أن يصل صوتي إلى كل الأهالي في دير الزور ليعرفوا أن التعليم هو المفتاح لمستقبل أفضل لبناتهم، وأن التعليم لا يتعلق بالحصول على وظيفة، التعليم يكسب البنات الوعي والقدرة أكثر على التفكير واتخاذ القرارات المفيدة لحياتهن ويكن أقدر على المشاركة الكاملة في مجتمعاتهن”. |
قصة فاطمة تذكير بالعمل الذي يجب القيام به لضمان حصول كل فتاة وامرأة على التعليم والفرص التي يوفرها، من خلال الاستثمار في التعليم يمكننا كسر حلقات الفقر وعدم المساواة وتمكين الأفراد والمجتمعات من تحقيق إمكاناتهم الكاملة.