عبد الله الخلف
استلمت سمية (اسم مستعار) مرتبها الشهري كمعلمة مدرسة في الرقة، “خلال أسبوع واحد، اختفى الراتب”.
يبلغ راتب المعلمة الشابة 1.100.000 ليرة سورية، ما يعادل 80 دولاراً أمريكياً تقريباً، تخبرنا سمية أن المبلغ بالكاد يكفي لتأمين ثمن الخبز وبعض الضروريات من المواد الغذائية، خاصةً مع استمرار هبوط قيمة الليرة السورية، قررت سمية الاستغناء عن المواصلات، والذهاب مشياً على الأقدام إلى المدرسة التي تبعد نحو خمس كيلومترات عن منزلها.
تقول سمية: “المعلم مظلوم في مناطق شمال شرق سوريا، لا أحد يشعر بمعاناته، الغالبية يبحثون عن عمل إضافي لتأمين لقمة العيش، حالياً أقوم بتعلم الخياطة، وهذا بكل تأكيد سيؤثر سلباً على عملي في التعليم”.
الواقع المعيشي الصعب للمعلمين/ات انعكس على أدائهم حسبما ترى سمية: “لا يستطيع المعلم أن يركّز في مهنته وأن يعطي بكل جهده لطلابه، وباله مشغول بكيفية تأمين ثمن الحليب أو الدواء لأطفاله، أو شراء ملابس جديدة بدلاً من القديمة المهترئة، وبالتالي إذا لم يتم رفع رواتب المعلمين سيسوء وضع التعليم أكثر في الفترة المقبلة”.
إبراهيم (اسم مستعار) معلم رياضيات “28 سنة”، بسبب ضعف الراتب قرر أن يجد عملاً إضافياً، وقام بافتتاح “بسطة محروقات” بالقرب من منزله، وبعد أن أصبحت مهنته الإضافية تدر عليه دخلاً جيداً، قدّم استقالته من التعليم!
يقول إبراهيم: “أشعر بالندم لأني درست في الجامعة وضيعت سنوات من عمري ما بين التعليم والدراسة بلا فائدة، لو أني عملت في بيع المحروقات منذ عشر سنوات لكنت الآن أمتلك سيارة وبيت وحتى مزرعة”.
ورغم ذلك يحز في نفس إبراهيم أن المعلم الذي ينبغي أن يكون أهم موظف في الدولة لأنه أساس بناء المجتمع حسب وصفه، يحصل على أجر قليل جداً، ويضيف: “إذا أردنا بناء بلادنا من جديد يجب النظر بجدية بحال المعلمين وزيادة رواتبهم زيادة فعّالة تجعلهم يعيشون بكرامة”.
يبلغ عدد المعلمين في الرقة 5245 معلم/ة بحسب اتحاد المعلمين، ضعف الرواتب ليس المشكلة الوحيدة بالنسبة لهم، حيث يرى إبراهيم أنه لا يوجد احترام للمعلم في الوقت الحالي، وغالباً ما يكون هو الحلقة الأضعف في سلك التعليم حسب رأيه.
تكررت عدة حوادث اعتداء على معلمين في مدارس وفق إبراهيم، ولم تقم أي جهة بتقديم الحماية لهم حسبما يقول: “في المدرسة التي كنت أعلم فيها قامت إحدى المعلمات بإخراج طالب من المدرسة واستدعاء ولي أمره بسبب اعتدائه على زملائه، حضر والد الطالب وتعامل بوقاحة مع المعلمة وتهجم عليها وقام بضرب المدير، وقمنا بتقديم شكوى على ولي الأمر الذي اعتدى على حرم المدرسة، ولكن لم تكن هناك أي استجابة”.
تنص الفقرة الثالثة 3 من المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية، تكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية، وتستكمل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية”.
ورغم سوء أوضاع المعلمين في مناطق الإدارة الذاتية، إلا أنه يظل أفضل من حال المعلمين في مدارس الحكومة السورية، سارية (اسم مستعار) من الرقة، تعمل كـ معلمة في مدرسة تتبع للحكومة السورية في منطقة السبخة بريف الرقة الشرقي، تضطر لقطع مسافة 35 كيلو متر ثلاث مرات أسبوعياً ذهاباً وعودة للوصول إلى مدرستها.
تدفع حوالي ثلث راتبها البالغ “350 ألف ليرة سورية” كـ أجور مواصلات، هي تعلم أن ما يتبقى من راتبها بالكاد يكفي لتأمين تكاليف “وجبة”، ولكنها لا تريد ترك المهنة التي تحب العمل فيها رغم كل الظروف السيئة، وتقول: “عمل المعلمين أصبح عمل تطوعي، الراتب مثير للسخرية وبالتأكيد لا يكفي لشيء، زوجي هو من يعمل ويصرف على المنزل، وآخذ مصروفي منه، ولولاه لما تمكنت من الاستمرار بالعمل”.
من جانبه يقول عبد الفتاح المشور الرئيس المشترك لاتحاد المعلمين في الرقة، أنهم طالبوا مراراً وتكراراً بزيادة مرتبات المعلمين، وتم مؤخراً إصدار قرار بزيادة رواتب العاملين في الإدارة الذاتية ومن ضمنهم المعلمين.
مضيفاً بأن الاتحاد يقدم مجموعة من الخدمات للمعلمين، مثل الدفاع عنهم وتمثيلهم أمام الجهات القضائية، بالإضافة لخدمات رعاية صحية، عبر صندوق التكافل الاجتماعي التابع للاتحاد، “تشمل الرعاية الصحية حسم نسبة 35% من قيمة العمل الجراحي الذي يجريه المعلم أو ذويه، ويشمل الحسم المعلم وزوجته وأولاده للمتزوجين، والمعلم والأب والأم لغير المتزوجين”.
كما يقدم الاتحاد حسم 15% على فاتورة دخول المستشفى، وتم تخصيص دفتر “صحة” لكل معلم، يشمل 12 معاينة، ويتولى الاتحاد دفع 25% من قيمة كل معاينة يجريها المعلم أو ذويه.
ويتم الاحتفال باليوم العالمي للمعلمين في 5 تشرين الأول / أكتوبر من كل عام، وجاء في بيان مشترك لرؤساء ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمة شريكة في يوم المعلمين السنة الماضية، أن المعلمين يقعون في صميم عملية التعليم، وينبغي أن يقود العمل القيم الذي يؤدونه إلى تحسين رواتبهم وظروف عملهم.