على الرغم من عودة مئات العوائل إلى ديرالزور إلا أن القرار النهائي بإجراء التسوية الممهد للعودة لا يزال خياراً أخيراً وهذا ما يوجب على الحكومة السورية وحليفتها الروسية العمل على تأمين بيئة آمنة لعودة النازحين واللاجئين، على الحكومة السورية وقف الاعتقالات بحق بعض العائدين والقيام بمبادرات من شأنها طمأنة الراغبين بالعودة كإطلاق سراح معتقلين تم اعتقالهم على خلفية آرائهم السياسية وهنا يتوجب على الحكومة الروسية كونها تدعو باستمرار إلى العودة الضغط على الحكومة السورية لتهيئة الظروف الملائمة.
إن ظروف النازحين واللاجئين المعيشية تجبر البعض منهم على العودة إلى مناطق سيطرة الحكومة رغم المخاطر وهذا ما يدفعنا إلى التأكيد على ضرورة الاستمرار في الدعم الإنساني داخل سوريا وخارجها والعمل على الوصول إلى حل سياسي مستدام في سوريا برعاية الأمم المتحدة.
مقدمة:
سنوات طويلة من النزوح وعودة سيطرة القوات النظامية السورية دفعت مئات المدنيين إلى إجراء تسوية / مصالحة مع الحكومة السورية ليتمكنوا من العودة إلى منازلهم وعملهم.
يقصد بالتسوية / المصالحة وفقاً للأوراق التي يوقع عليها الراغب في التسوية داخل الفروع الأمنية: التعهد بعدم العودة إلى إثارة الشغب والتخريب والإرهاب وعدم الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وعدم الاعتداء على الجيش والأمن وعدم حمل السلاح.
وفقاً للمقابلات التي أجراها باحثو منظمة العدالة من أجل الحياة فلا يوجد مكان مخصص واحد لإجراء المصالحات حيث يمكن إجرائها في أي فرع أمن وذلك يعتمد على الأشخاص المقربين من الحكومة والذين يشكلون صلة الوصل بين العائدين والفروع الأمنية.
وثقت منظمة العدالة اعتقال شخص في ريف ديرالزور الشرقي بعد فترة من عودته وإجراء التسوية، كما وثقت اعتقال شخص لمدة 15 يوماً فور عودته إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية وبعد الإفراج عنه وعودته إلى مناطق النزوح استطاع إجراء تسوية عن طريق مقربين من أجهزة الأمن السورية.
الأسباب التي دفعت بعض الأهالي لإجراء المصالحات:
تنوعت الأسباب التي دفعت المدنيين إلى العودة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، ذكر أبو عمار وأحمد (أسماء مستعارة لأسباب أمنية) لمنظمة العدالة أن غلاء الأسعار في مناطق النزوح خاصة بعد دفع كل ما يملكون للوصول إليها كان السبب الرئيسي لقرار العودة.
أحدث قرار الولايات المتحدة الأمريكية بالانسحاب من سورية صدمة لدى المدنيين النازحين من ديرالزور حيث روّج المقربون من الحكومة السورية إشاعات حول عودة قريبة للقوات النظامية خاصة في مناطق شمال نهر الفرات في ديرالزور بدعوة الأهالي إلى إجراء التسوية والعودة إلى مناطقهم وأن أحداً لن يمسسهم بسوء.
بالنسبة لصابر ومحمد وحسين (أسماء مستعارة) وهم نازحون من ديرالزور فإن قرار الرئيس الأمريكي دفعهم وغيرهم إلى التسوية خاصة من يعرف أنه شارك في الأعمال المناهضة للحكومة ففي حال عودة القوات النظامية فلا مهرب من الاعتقال. يقول أبو محمد (اسم مستعار):” بعد قرار الانسحاب وحديث قوات سوريا الديمقراطية عن إمكانية التفاهم مع الحكومة السورية وعدم الإكثرات لمصير المدنيين على الرغم من أن الكثير من النازحين ملاحقين من قبل أجهزة الأمن السورية قررت إجراء التسوية”.
اتخاذ قرار العودة:
تحدث عدد ممن أجروا التسويات لمنظمة العدالة عن عدم ثقتهم بالحكومة السورية ووعودها وهذا ما كان يدفعهم إلى التفكير مليّاً قبل اتخاذ قرار العودة إلى مناطق سيطرتها، فعلى الرغم من التطمينات المقدمة عن طريق المقربين منها إلا أن مجرد التفكير باحتمال الاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية يجعل قرار العودة صعباً.
اتصل أبو عمار (اسم مستعار) بشخصين مقربين من أجهزة الأمن السورية ونصحوه بالعودة ومع ذلك لم يقرر مباشرة. أما أحمد (اسم مستعار) فتواصل مع عناصر في مليشيا الدفاع الوطني التابعة للقوات النظامية وآخر مقرب من الحكومة في دمشق وعملوا على مساعدته في اجتياز الحواجز والوصول إلى فرع الأمن العسكري وإجراء التسوية.
بسبب قلة الخيارات اتجه أبو محمد إلى مناطق سيطرة القوات النظامية في دير الزور ويقول:” استقبلني شخص كان يشرف على دورات الاستتابة لدى تنظيم الدولة حيث تحدث عن أهمية المصالحات، طلبوا منا الهتاف باسم الرئيس السوري، كنا حوالي 300 شخص”.
بعض الأشخاص دفعوا مبلغ 10 آلاف ليرة سورية لعناصر أو أشخاصاً مقربين من أجهزة الأمن فقط ليتأكدوا إذا كانوا مطلوبين أم لا. شكّل المروجون للمصالحات في مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية الحلقة الأولى للراغبين بالعودة حيث يشرحون فائدة المصالحات ويعدون الجميع بعدم المساس بهم ثم يتم توصليهم بأشخاص آخرين في مناطق سيطرة الحكومة السورية في ديرالزور.
يقول محمد:”اتجهت مع 7 أشخاص باتجاه مناطق سيطرة الحكومة، أوقفنا حاجز للقوات النظامية ومجموعة من الجنود الروس، قاموا بإعطائنا أوراقاً وطلبوا منا إكمال طريقنا إلى مدينة ديرالزور، توجهنا إلى مدرسة فيها لجنة مشتركة للأجهزة الأمنية.
يقول حسين:” كنا حوالي ألف شخص بيننا نساء، قام عناصر أول حاجز للقوات النظامية بأخذ صور عن البطاقات الشخصية وطلبوا منا الهتاف للرئيس للتكفير عن ذنوبنا حسب قولهم”.
عدم استقرار وقلة الثقة بالحكومة رغم التسوية:
خشية إلحاق أبنائهم بالخدمة الإلزامية أو خدمة الاحتياط وخوفاً عليهم من أي ملاحقات أمنية فإن معظم الأشخاص الذي يقدمون على التسويات لا يعيدون أولادهم إلى مناطق سيطرة الحكومة. البعض يلتحق بوظيفته وفي نهاية الأسبوع يعود ليزور عائلته في مناطق النزوح والبعض الآخر ينتظر تحسن الأمور وآخرين غير واثقين بوعود الحكومة ويختبرون جديتها. يقول صابر:” لا يزال الخوف في داخلي رغم التسوية وأشعر أن من يرغب بالعودة ممن قاتل القوات النظامية سابقاً عليه أن يقاتل في صفوفها”. يقول محمد:” لست واثقاً بوعود الحكومة وعدت إلى مناطق النزوح وورقة التسوية مجرد خيار أخير سألجأ إليه، ولا أنوي التردد كثيراً إلى مناطق سيطرة القوات النظامية”. لا يثق حسين بالحكومة السورية ويعتقد أنه لولا وجود عناصر روسية على أول حاجز استقبلهم لتعرضوا للضرب هو ومن معه ويقول:” لا أنصح من حمل السلاح أو شارك بالمظاهرات بالعودة لأن من يدخل في سجون الحكومة السورية قد يموت قبل أن ينظر في ملفه”.
أبرز التهم الموجهة لبعض العائدين:
على الرغم من أن بعض الأشخاص لم يشاركوا في أي نشاط مناهض الحكومة إلا أنهم واجهوا اتهامات خلال إجراء التسوية وهذا ما حصل مع كل من أبو عمار وأحمد والذين اتهما بالتعامل مع تنظيم الدولة أثناء سيطرته على ديرالزور.
يسأل رئيس الفرع الشخص الراغب في التسوية عن المناطق التي نزح إليها وأوضاعها وعن الأشخاص الذين يعرفهم وتعاملوا مع مجموعات المعارضة المسلحة أو التنظيمات المتطرفة وكيف كان التعامل مع الموظفين في صفوف تنظيم الدولة، ويوجه له اللوم لخروجه على الدولة وينصحه بالتزام بيته والاعتناء بأولاده ثم يطلب منه التوجه إلى غرفة أخرى لاستكمال الأوراق والتوقيع والتبصيم عليها وهذا ما حصل مع أحمد.
إثبات إجراء التسوية:
بحسب ما ذكره الشهود لمنظمة العدالة من أجل الحياة فإن كل شخص أنهى إجراءات التسوية يمنح بطاقة تسمح له بالتحرك في مناطق سيطرة الحكومة السورية بدون ملاحقة، وبعد 6 أشهر على كل مكلف بالخدمة الإلزامية أو خدمة الاحتياط الإلتحاق فوراً بالقوات السورية.
قبل منح هذه البطاقة يحصل الشخص على ورقة مؤقتة تمكنه من اجتياز الحواجز والبعض يُختم على يده للدلالة على أنه قام بالتسوية إلى حين استكمال تعميم اسمه على كافة الفروع الأمنية.