قصّة المختفي شحادة حاج حسين على يد الأمن العسكري في اللاذقية
المختفي شحادة حسن حاج حسين من مواليد العام 1983، وهو من قرية الحمبوشيّة في ريف محافظة اللاذقيّة، كان شحادة يعمل في مجال البناء وهو حاصلٌ على الشهادة الإعداديّة، ومع بداية عام 2011 تزوّج وانتقل للعيش في مدينة اللاذقيّة حيث يعمل، ولم يكن لديه أطفال.
في تاريخ 9 تشرين الأوّل/أكتوبر من العام 2011، تمت مداهمة منزل شحادة في مدينة اللاذقية من قبل عناصر مسلّحة تابعة لفرع الأمن العسكري، وذلك حسبما أفاد به جيرانه لوالده محمّد حاج حسين، الذي أدلى بشهادته[1] لسوريّون من أجل الحقيقة والعدالة، حيث تمّ احتجاز شحادة في مقرّ الأمن العسكري باللاذقية لمدّة شهر تقريباً، واستطاع أهله خلال هذه المدة التواصل مع بعض عناصر الفرع، حيث قاموا بتقديم الكثير من الهدايا لهم، وكانت بقيمة ما يقارب مائتي ألف ليرة سورّية أو ما يعادل الـ4000$ دولار أمريكي آنذاك، وعلم أهل شحادة أنّ ابنهم متّهم بحيازة أسلحة غير مرخّصة بغية استخدامها ضدّ الحكومة السوريّة، مع العلم أنه كان يعمل في مجال البناء ولا يملك إلا معدات البناء.
لم يُسمح للأهل بمقابلة ابنهم، وتمّ إخبارهم لاحقاً من قبل بعض العناصر أنّه سيتم تحويل شحادة إلى محكمة أمن الدولة العليا في دمشق[2]، وفي هذه الأثناء حاول أهل شحادة عرض رشوة على أحد أقارب رئيس فرع الأمن العسكري في مدينة اللاذقيّة بغية إطلاق سراح ابنهم قبل تحويله إلى دمشق ولكن بدون نتيجة.
- لقاء الابن للمرة الأخيرة …
بعد مرور عام من اعتقال شحادة، علم الأهل بتواجده في سجن صيدنايا العسكري، وتمكّنوا من زيارته بتاريخ 15 تشرين الأوّل/أكتوبر من العام 2012، يصف والد شحادة تفاصيل زيارتهم هو وزوجته لابنهم شحادة في سجن صيدنايا فيقول:
“تمكّنت أنا وزوجتي من تأمين زيارة لرؤية ابننا، وأثناء الزيارة كان يوجد بيننا وبينه حاجزان من الشبك الحديدي إضافة إلى وقوف عنصرين من عناصر السجن بجانبنا، وكانت المفاجأة الكبرى عندما رأيناه، فقد كانت ثيابه ممزّقة ونحيل الجسم لا يقوى على الوقوف بسبب خسارته الكثير من وزنه، وكان على وجهه بقع سوداء تشبه آثار حروق، وكان صوته يرتجف وهو يتحدث معنا. كان الحديث عاماً عن الحال والصحة، وكان شحادة يجيب فقط بقوله (الحمد لله)، ولم يُسمح لنا بسؤاله عن أي شيء فيما يخصّ وضعه الصحي، أو مدة سجنه، أو تفاصيل التحقيق أو أيّ شيءٍ آخر، وكانت هذه آخر مرة نرى فيها شحادة، حيث حاولنا زيارته مرّةً أخرى فأخبرنا عناصر سجن صيدنايا عن عدم وجود سجينٍ لديهم بهذا الاسم، وطلبوا منا عدم السؤال عنه مرة أخرى، ولم نتمكّن من الحصول على وثيقة تثبت وجوده في السجن، أو تفيد بوفاته.”
كان لاعتقال شحادة وقعاً شديداً على أهله وعائلته، خصوصاً والدته التي تعرّضت لانهيار عصبي، واكتئاب مزمن، أمّا زوجة شحادة فانتقلت للعيش مع والديها، وبعد مرور ثلاث سنوات فقدت الأمل بعودة زوجها فطلبت الطلاق في المحكمة واعتبر القاضي شحادة بحكم الغائب الذي لا ترجى عودته، وتزوّجت رجلاً آخر في وقتٍ لاحق.
تسبّبت حادثة اختفاء شحادة بوقوع أهله في ضائقة ماليّة كبيرة بسبب دفعهم الكثير من المبالغ الماليّة بغية معرفة مصيره، إضافةً إلى ذلك واجهت عائلة شحادة مشاكل قانونيّة عديدة، حيث حاولوا بيع منزل ابنهم الذي لا يملك سواه، فلم يستطيعوا إتمام هذه العمليّة بسبب غياب وثائق شحادة الشخصيّة التي كانت قد تخوّلهم البيع، كما أنّهم لم يستطيعوا استخراج أيّة وثيقة جديدة تسمح لهم بالتصرّف بالمنزل ومحتوياته، وبعد مدّة من الزمن قام بعض عناصر مفرزة الأمن العسكري التابعة لفرع الأمن العسكري في اللاذقيّة بمصادرة المنزل، حيث قاموا بخلع باب الشقّة بقوّة السلاح وبدون أيّ أمرٍ قضائي، وتمّ إسكان عائلة أحد العناصر في المنزل، وبحسب عائلة شحادة فقد غدت مثل هذه العمليّات متكرّرة جدّاً ولا سبيل لمنعهم أو الوقوف بوجههم، فبمجرّد تقديم شكوى ضدّهم للقضاء فإنّ ذلك سيعرّض المشتكي إلى خطر الاعتقال أو التصفية.
[1] تمّ إجراء المقابلة في تاريخ 13 تمّور/يوليو 2017 في مقابلة شخصيّة لأهل المختفي في منزلهم.
[2] أتبعـت السـلطات الانقلابيّة المنبثقـة عـن انقلاب 8 آذار/مارس مـن العـام 1963 ّ فـرض حالـة الطـوارئ فـي سـوريا، بتشـكيل مـا سـمي آنـذاك “محكمـة أمـن الدولـة العليـا” والتـي تشـكلت بنـاء علـى قـرار القيـادة القطريـة لحـزب البعـث العربـي الاشـتراكي والمـؤرخ فـي 25 شـباط / فبرايـر مـن العـام 1966 وقـرار مجلـس الـوزراء الصـادر بتاريـخ 20 آذار/مارس 1963 ومـن ثـم المرسـوم التشـريعي رقـم (47) الصـادر بتاريـخ 28 آذار/مارس 1968 والـذي قضـى بإلغـاء المحاكـم العسـكرية الاسـتثنائية وقضـت فـي الوقـت نفسـه بإحـداث محكمـة أمـن الدولـة العليـا، وأكـد المرسـوم فـي مادتـه السادسـة علـى أن اختصـاص المحكمـة يشـمل جميـع الأشـخاص مـن مدنييـن وعسـكريين مهمـا كانـت صفتهـم أو حصانتهـم، وعلـق جميـع الإجـراءات الأصوليـة المنصـوص عليهـا فـي التشـريعات النافـذة، وذلـك فـي جميـع أدوار وإجـراءات الملاحقـة والتحقيـق والمحاكمـة.