مقدمة
شهدت مناطق عدة من الريف الشرقي لمحافظة دير الزور تطورات أمنية خلال الأسابيع القليلة الفائتة، تمثلت باقتحامات قوات سوريا الديمقراطية للعديد من البلدات، واعتقال العشرات من المدنيين، وفرض حظر تجوال، إضافة إلى ما شهدته المنطقة من اغتيالات طالت قادة ووجهاء عشائريين، الأمر الذي أدى إلى تأجج الوضع في الريف الشرقي المحتقن أساساً بسبب حالة الفلتان الأمني المستمرة منذ تمكن قوات سوريا الديمقراطية بالتعاون مع التحالف الدولي من القضاء على وجود تنظيم الدولة الإسلامية هناك عام 2017.
بتاريخ 16 تموز/ يوليو 2020 أعلنت قوات سوريا الديموقراطية بدء المرحلة الثانية من عملية” ردع الإرهاب” وذلك في إطار حملة أمنية هدفت كما قال الإعلان إلى ملاحقة خلايا تابعة لتنظيم الدولة في المحافظة وإعادة الأمان والاستقرار إلى المنطقة المستهدفة. تركزت الحملة الأمنية على بلدات الريف الشرقي وتحديداً الشحيل، والبصيرة، والصبحة، البريهة، والزر.
مصدر مطّلع تابع لقوات سوريا الديموقراطية، فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب شخصية، أكّد لمنظمة العدالة من أجل الحياة أنّه” إضافة إلى ملاحقة خلايا التنظيم، فإن وجود خلايا نائمة تابعة للحكومة السورية وحلفائها في المناطق المستهدفة وراء هذه الحملة، وأنه قد تم فعلاً اعتقال ما يقارب من عشرين شخصاً ممن هم على علاقة بالحكومة السورية”.
فضلاً عن ذلك، فقد أفاد شاهد آخر للعدالة من أجل الحياة أنه” قبل الحملة الأمنية بعشرة أيام، تشكل وفد من وجهاء الريف الشرقي لدير الزور من بينهم محمود النوفل، توجه إلى قيادة قوات سوريا الديموقراطية متمثلة بمظلوم عبدي قائد هذه القوات، طالب الوفد بتخصيص جزء من عوائد النفط لتحسين الخدمات في المنطقة، كما طالب بإلغاء المنهاج الدراسي الجديد، وتعزيز دور أبناء المنطقة في إدارة مناطقهم. قوبلت هذه المطالب بالرفض والتهديد، مما أدى إلى حصول مشادّات كلامية بين طرفي الاجتماع”.
في تفاصيل عملية الاقتحام:
وثقت منظمة العدالة من أجل الحياة قيام قوات سوريا الديموقراطية بارتكاب العديد من انتهاكات حقوق الإنسان خلال هذه الحملة. فبحسب ما توصلت له المنظمة، من خلال تواصلها مع خمسة شهود من بلدتي الشحيل والبصيرة، فأنّه منذ مساء الخميس 16 تموز/يوليو بدأت قوات سوريا الديموقراطية بتعزيز تواجدها على الحواجز في بلدتي الشحيل والبصيرة، وأغلقت المعابر النهرية، ونقلت العبارات النهرية من منطقة الشحيل الى القاعدة العسكرية المتواجدة في حقل العمر النفطي.
وفي صباح يوم الجمعة 17 تموز / يوليو دخل الريف الشرقي رتل كبير من قوات مكافحة الإرهاب (HAT) ووحدات حماية الشعب(YPG) إضافة إلى قوات الأسايش والكوماندوز التابعة لقوات سوريا الديموقراطية، تزامن ذلك مع تحليق لطيران التحالف الدولي في سماء المنطقة. أُعلن حظر التجول ابتداءً من مساء يوم الجمعة، مع تحذير كل من يخالف الحظر” بالاعتقال أو الرمي بالرصاص”. سبّب حظر التجوال ” توقف أفران الخبز عن العمل، وانقطاع في التيار الكهربائي والمياه، ونقص في المواد الأساسية من حليب للأطفال والخضراوات ومادة “الثلج” المستخدمة بكثرة في فصل الصيف. ليتم بعد ذلك رفع الحظر جزئيا يومي الأحد والاثنين 19 و20 تموز/يوليو ليسمح للنساء فقط بالخروج لشراء الخبز بعد أن عادت الأفران للعمل جزئياً”.
أسفرت الحملة الأمنية عن اعتقال العشرات من أبناء المنطقة، وكانت اعتقالات عشوائية، شملت الرجال والشيوخ والأطفال, تعرض المعتقلون خلالها” للضرب والإهانات اللفظية” حسب الشهود.
وبحسب ما وثّقت منظمة العدالة فقد تم اعتقال ما يقارب من (40) شخص في مدينتي البصيرة والشحيل وحدها، من بينهم محمود النوفل وهو رئيس المجلس المدني في مدينة الشحيل التابع للإدارة الذّاتية، حيث تم اعتقاله لمدة ساعتين قبل أن يفرج عنه. إضافة إلى تسجيل أكثر من (20) حالة اعتقال في قرية جديد عكيدات. تم الافراج عن بعض المعتقلين فيما بعد.
فضلاً عن ذلك، قامت القوات المشاركة في الاقتحام بالتعدي على أملاك المدنيين، حيث تعرضت محال تجارية لبيع المواد الغذائية يملكها إسماعيل الخالد للسرقة، بعد اعتقاله هو وعدد من أقربائه. إضافة إلى ذلك، تم الاستيلاء على العديد من المنازل واستخدامها كمقرات خلال الحملة الأمنية كمنزل محمد الفرج في مدينة الشحيل. إضافة إلى سرقة مواشي تعود ملكيتها للمدنيين.
اغتيالات وجهاء العشائر:
في صباح يوم الإثنين 31 تموز/ يوليو 2020 قام مسلحون مجهولون على دراجات نارية بإطلاق النار على الشيخ علي السليمان الويس، أثناء توجهه لأداء صلاة العيد في مسجد القرية، مما أدى إلى وفاته على الفور.
يعتبر الشيخ الويس وهو مختار قرية الدحلة، ووجيه عشيرة البورحمة التابعة لقبيلة البكارة، من أهم وجهاء دير الزور ومن المساهمين في حل الخلافات بين العشائر، ليس لديه أي انتماء سياسي.
الشيخ علي السليمان الويس
مصدر الصورة مواقع التواصل الاجتماعي- تم التأكد من قبل منظمة العدالة من أجل الحياة
وبتاريخ 2 آب/ أغسطس 2020 وبنفس الطريقة ، قُتل الشيخ مطشر حمود الجدعان الهفل أحد أبرز وجهاء قبيلة العكيدات/ العقيدات، إضافة الى إصابة شيخ مشايخ القبيلة؛ “إبراهيم خليل عبود الجدعان الهفل” الذي كان برفقة الشيخ مطشر أثناء وقوع الهجوم.
الشيخ مطشر الهفل
مصدر الصورة مواقع التواصل الاجتماعي- تم التأكد من قبل منظمة العدالة من أجل الحياة
الغليان الشعبي:
كان لهذه الاغتيالات بالغ الأثر على أهالي الريف الشرقي في دير الزور، الذين يعانون سلفاً من فلتان أمني غير مسبوق، وحالة من الفوضى وعدم الاستقرار. إذ أن المنطقة شهدت في الآونة الأخيرة العديد من عمليات السرقة والخطف والقتل فضلاً عن عمليات السطو المسلح والاقتتال بين الأهالي في بعض المناطق، كل ذلك دون أن تقوم قوات سورية الديموقراطية بواجباتها بتوفير الحد الأدنى من الاستقرار والأمان بصفتها القوى المسيطرة على المنطقة، مما “دفع الأهالي في العديد من المناطق للخروج بمظاهرات غاضبة لمعرفة المسؤولين عن مقتل الشيخ الهفل، ردّت قوات سوريا الديمقراطية على هذه المظاهرات بإطلاق النار الذي أدى إلى إصابة بعض المتظاهرين في بلدة الحوايج، مما زاد من حالة الغضب لدى المتظاهرين فقاموا بحرق مقرات قوات سوريا الديموقراطية وطرد قواتها من البلدة”.
“أرسلت سوريا الديموقراطية تعزيزات عسكرية تضم عناصر وآليات باتجاه مناطق ذيبان والصبحة والحوايج، لوقف الاحتجاجات وتفريق المتظاهرين، وفرضت حظرا للتجوال، ونفذت حملة اعتقالات فجر يوم الخميس 6 آب/ أغسطس في بلدة الشحيل واعتقلت العديد من أبناء البلدة”.
على خلفية ذلك، وبدعوة من شيخ قبيلة العكيدات، اجتمع وجهاء عشائر القبيلة يوم الثلاثاء 11 آب / أغسطس 2020في بلدة ذيبان شرق دير الزور، بناءً عليه، أصدرت القبيلة بياناً حمّلت فيه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية الفلتان الأمني وعدم الاستقرار في دير الزور، وطالبته بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ومهنية للتحقيق في اغتيال الشيخ مطشر الهفل، كما طالبت بتسليم ادارة دير الزور لأبنائها ممن هم من ذوي الكفاءة والخبرة والنزاهة، على أن يأخذ المكون العربي دوره الكامل في إدارة المنطقة، فضلاً عن مطالبتها بالإفراج عن المعتقلين والدفع باتجاه حل سياسي يضمن حقوق جميع السوريين ووحدة الأراضي السورية واستقلالها، مُمهلة التحالف الدولي مدة شهر واحد لتحقيق هذه المطالب.
البيان الصادر عن قبيلة العكيدات
المصدر وسائل التواصل الاجتماعي-وقد تم التأكيد على هذه المطالب في تسجيل مصور لممثلي القبيلة
حتى إعداد هذا التقرير، لم تتبنّ أية جهة هذه الاغتيالات، في حين ألقت الجهات الأمنية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية القبض على مواطن يدعى عبد الرزاق نواف القُطي، قائلة إنّ اعتقاله جاء على خلفية اغتيال شيوخ ووجهاء العشائر. وتناولت وسائل الإعلام اعترافاً للقُطي يفيد بأن المخابرات السورية وبالتحديد فرع الأمن السياسي في محافظة الحسكة، شكل “خلية اغتيال” تستهدف مشايخ ووجهاء العشائر والشخصيات المعروفة ورؤساء المجالس المحلية في منطقة دير الزور.
خلاصة:
من خلال ما حصلت عليه منظمة العدالة من أجل الحياة من شهادات ومعلومات، فإن حالة الانفلات الأمني وعدم الاستقرار تؤثر بشكل مباشر على حياة السكّان المحليين ومصالحهم. كما أن قوات سوريا الديمقراطية تتحمّل المسؤولية عن عدم قدرتها على ضبط الحالة الأمنية، إضافة إلى مسؤوليتها عن الانتهاكات التي ترتكبها قواتها أثناء حملاتها الأمنية وداخل السجون. كما أن الإدارة الذاتية لم تتجاوب مع مطالب الأهالي التي عبّروا عنها مراراً من خلال الاجتماعات والمظاهرات، ولم تفي بوعودها المتكررة باتجاه إدارة أكثر شفافية وتطبيق مبدأ المحاسبة.