مقدمة:
آلاف النازحين من أهالي ديرالزور لا زالوا بعيدين عن مناطقهم الأصلية بعد نزوح بدأ منذ العام 2012.
شهدت المحافظة موجات نزوح كثيفة وكانت أبرز محطاتها أعوام 2012 و2014 و2017.
في العام 2012 بدأ القصف الجوي من قبل القوات النظامية السورية على مركز مدينة ديرالزور المكتظ بالمدنيين ما دفع عشرات الآلاف إلى النزوح، في العام 2014 وبعد سيطرة تنظيم الدولة على معظم المحافظة نزح مدنيون ضمنهم أهالي عناصر في الفصائل المسلحة وناشطون مدنيون، وفي العام 2017 وضمن معارك القوات النظامية لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرتها حيث نزح معظم المدنيون في هذه المناطق.
توزع النازحون على محافظات إدلب ودمشق والحسكة وريف حلب والمناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في محافظة ديرالزور.
العودة وتسوية الوضع:
عرضت الحكومة السورية على النازحين العودة إلى منازلهم في مناطق سيطرتها وتسوية أوضاعهم وهذا يعني التوقيع على مجموعة من الأوراق التي يتعهدون من خلالها بعدم المشاركة بأي “عمل تخريبي أو حمل السلاح في مواجهة الدولة”.
في تقرير صادر عن منظمة العدالة من أجل الحياة بتاريخ 7 شباط/فبراير 2019 تحدث عدد ممن أجروا تسوية مع الحكومة السورية في ديرالزور عن الظروف التي أجبرتهم على العودة وأكد معظمهم على حالة عدم الثقة بما سيواجههم مستقبلاً وعلى عدم الاستقرار العائلي الذي يجبر جزء من العائلة على العودة مع بقاء جزء آخر في مناطق النزوح.
واجه العديد ممن رغبوا بالعودة ولم يشاركوا بأي عمل مناهض للحكومة السورية ذات التهم الموجهة لمن شارك ومنها: التعامل مع تنظيم الدولة والتخريب والانتساب إلى مجموعات إرهابية وغيرها.
ما هي أسباب البقاء في مناطق النزوح؟
على الرغم من الصعوبات التي يواجهها النازحون من ديرالزور إلا أن خيار العودة لا يزال خياراً مستبعداً حيث يسعون إلى البقاء بعيداً عن مناطق سيطرة الحكومة.
تحدث 17 شخصاً[1] من نازحي ديرالزور لمنظمة العدالة من أجل الحياة في مناطق مختلفة داخل سوريا عن الأسباب الأساسية التي تمنعهم من العودة.
يمكن تلخيص ما ذكره الشهود وفق التالي:
أسباب أمنية:
تلاحق الأجهزة الأمنية السورية كل من شارك في أعمال مناهضة للحكومة مهما كانت طبيعة هذا العمل، ونظراً لسجل الحكومة السورية في انتهاكات حقوق الإنسان فإن المطلوبين أمنياً يفضلون البقاء بعيداً عن مناطق سيطرتها.
يقول خطاب:” أخشى على نفسي وعائلتي من القوى المسيطرة على ديرالزور فقد نتعرض للاعتقال والتعذيب”. مع العلم أنه لم يشارك في أي عمل مناهض للحكومة إلا أن رائد المقيم خارج ديرالزور لا ينوي العودة بسبب عدم الثقة بوعود الحكومة السورية. يوسف -المنشق عن القوات النظامية- يرفض العودة لأنه مطلوب من قبل الأجهزة الأمنية كونه حمل السلاح سابقاً ولا يثق بإجراء مصالحة مع الحكومة.
يقول محمود الذي ظل متطوعاً في صفوف القوات النظامية لمدة 10 سنوات:” لن أعود، أنا أعرف هذا النظام جيداً وسيكون مصيري الموت بمجرد عودتي”.
على الرغم من عدم وجود ما يمنع باسل من العودة إلا أن انتساب أولاده إلى الفصائل المسلحة تجعله يفضل البقاء خوفاً عليهم.
لم ينتسب محمد إلى أي فصيل مسلح ومع ذلك وبعد محاولات لمعرفة هل هو ملاحق أم لا علم أنه متهم بالإرهاب وعرضت عليه المصالحة من قبل مقربين من الحكومة إلا أنه رفض وبقي في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
يقول أبو إبراهيم:” لا أثق بالقوات النظامية ولا عناصر المليشيات وأخشى على أخواتي وأقاربي من النساء في حال عودتي”.
خدمة العلم في الجيش السوري:
وفق المرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2007 يقصد بخدمة العلم:” الواجبات المترتبة على كل مواطن سوري ومن في حكمه في الدفاع عن الوطن وتتألف من مرحلتين: الخدمة الإلزامية والخدمة الاحتياطية”.
ويقصد بالخدمة الإلزامية:”المدة التي يقضيها المكلف في خدمة القوات المسلحة”.
يقصد بالخدمة الاحتياطية:”الواجبات المترتبة على المكلف الذي أتم الخدمة الإلزامية”.
بعد سنوات من الحرب لا يرغب الكثير من أهالي ديرالزور الالتحاق بالجيش السوري خشية على أنفسهم وعلى ما يمكن أن يرتكبوه من انتهاكات نتيجة لأوامر قيادات الجيش وهذا أحد أهم أسباب رفض فئة الشباب العودة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية.
يقول لطيف:” أسباب عدم العودة بالنسبة لي كثيرة منها خوفاً على نفسي وأخوتي من الالتحاق بالخدمة الإلزامية”. لاسماعيل 4 أولاد جميعهم مطلوبين للخدمة الالزامية ولا يريد اتخاذ قرار يسبب الشقاء لأولاده على حد قوله. يقول محمد:” لا أريد الذهاب الآن إلى الخدمة الإلزامية لأنني لا أريد أن أُقتل، ولا أصدق من يقول أن الحرب قد انتهت”.
بشير لا يستطيع العودة لأن أخوته مطلوبون للخدمة الإلزامية إلا أنه وبسبب عدم قدرته على تحمل تكاليف النزوح ومرض والدته واضطرارها للسفر ل 20 ساعة للوصول إلى دمشق وتلقي العلاج فقد قرر العودة بعد أن يدخل أخوته إلى تركيا.
ندرة فرص العمل وتضرر منازل بعض النازحين:
تحدث 6 أشخاص قابلتهم منظمة العدالة عن أن من أسباب بقائهم هي قدرتهم على تأمين فرص عمل في مناطق النزوح وأن العودة تعني الإكتفاء بالراتب الشهري المقدم من الحكومة للموظف وهذا لا يكفي لإعالة أسرة.
يقول براء:”عدم توافر فرص للعمل وارتفاع الأسعار وتضرر منزلي نتيجة القصف وتواجد الكثير من أهلي وأقاربي معي يجعلني أؤجل قرار العودة حتى إشعار آخر”.
يتقاضى أسعد شهرياً في عمله 10 أضعاف ما يمكن أن يحصل عليه من الحكومة في حال عودته وهذا ما يمكنه من تأمين حياة كريمة لوالدته وأخوته.
تقول رانية:” إن تضرر منزلي في مناطق سيطرة الحكومة وحصولي على مرتب جيد من عملي كمدرسة في مناطق النزوح دفعني إلى البقاء”.
الكثير من النازحين لا يملكون الأموال المطلوبة للعودة فبحسب ما قاله خالد”يضطر الراغب بالعودة على دفع مبالغ مالية للوسطاء مقابل المصالحة وتكاليف إعادة ترميم ما دمرته الحرب من منازل ومحال”.
ينقل عمر الذي يعمل بالتجارة عن أخيه الذي يعمل في نفس المهنة في مناطق سيطرة الحكومة أن الوارد المادي قليل ولا يكفيه وهذا ما شجع يوسف على عدم العودة والاستمرار في تجارته التي بدأت منذ العام 2014 وحسنت من أوضاعه المادية.
لم يبقى من منزل عاصم سوى الجدران ولا يستطيع إدخال الأثاث الذي يملكه لأن عناصر القوات النظامية يطلبون مبالغ كبيرة للسماح بإدخاله ولا يملك المال الكافي لذلك ويضيف عاصم:” أشاهد انتظار الناس للحصول على الوقود والغاز في المدن الهادئة نسبياً كدمشق فكيف سيكون وضع ديرالزور وهي التي تمت السيطرة عليها حديثاً”.
خاتمة:
يترتب على استمرار حالة النزوح الكثير من الصعوبات من أهمها تشتت الأسر بين مقيمين في مناطق سيطرة الحكومة وآخرين مقيمين في مناطق النزوح، عدم تمكن النازحين من الحصول على الوثائق الرسمية وتسجيل الولادات الجديدة إلا مقابل مبالغ مالية باهظة، انقطاع الكثير من الطلاب عن المدارس، عدم الشعور بالاستقرار خاصة مع الغموض الذي يحيط بمستقبل المناطق الخارجة عن سيطرة القوات النظامية السورية وهذا ما يدفع البعض إلى التفكير في التوجه نحو مناطق أكثر أمناً قد تكون خارج سوريا.
[1] جميع الأسماء الواردة في التقرير مستعارة بناء على طلب الشهود وذلك لأسباب أمنية